القوة الناعمة كما وصفها الأكاديمي وأستاذ العلوم السياسية د. جوزيف س. ناي : " أنها القدرة على الجذب والضم من دون اكراه أو استخدام القوة كوسيلة للإقناع " . ما جرى في عالمنا العربي من ثورات سميت بالربيع العربي لم تكن لتحصل لولا تأثير القوة الناعمة للإعلام التقليدي والجديد، وما حشد له في الصفحات الالكترونية وعلى وسائل التواصل الاجتماعي وما تناقلته القنوات الفضائية الأقوى تأثيراً والأكثر مشاهدة من صور وتهويل للأخبار والأحداث ، وعلى الرغم من قوة أمريكا الصلبة في امتلاكها الأسلحة الفتاكة من قنابل نووية وأسلحة مدمرة وطائرات حربية وجيش ضخم ، فما كان لها أن تغزو العراق وأفغانستان لولا وسائل الإعلام التي تمتلكها وهيمنتها على الرأي العالمي وخطفها لقرارات مجلس الأمن. للقوة الناعمة سحرها في التضليل فقد تغري الناس بمبادئك وتجعلهم يتبعون نهجك عندما تملك القدرة على التأثير في الأفكار والمعتقدات ولديك كاريزما القيادة في الإدارة وتحمل المسؤوليات . وفي المانيا حيث كان جدار برلين يقسمها إلى شرقية وغربية ، قد تم اختراقه نتيجة للضخ التلفزيوني ولمشاهدة الأفلام التي كانت تبث قبل سقوطه عام 1989م ، ذلك أن المطارق والجرافات ما كانت لتهدم الجدار لولا تلقيهم وعلى مدى سنوات صوراً ومشاهد أغرت السكان بثقافة الغرب الشعبية. وهكذا نرى أن القدرة على اجتذاب الآخرين والتأثير بآرائهم هو عنصر قوة لأنه يمكنك من السيطرة على طيف السلوك بأكمله ..ونحن في الدول العربية ، لدينا قوتنا الناعمة وتتجلى أبدع صورها في أرض الحرمين الشريفين حيث يعقد كل عام أضخم مؤتمر يضم أكثر من ثلاثة ملايين مسلم يفدون إلى مكةالمكرمة لأداء فريضة الحج ، فهذا الحشد الكبير وتلك القدرات والإمكانيات والخدمات التي تسخر لإدارته وتنظيمه هي في حد ذاتها قوة ناعمة تلفت النظر وتثير إعجاب العالم ، كما أن العرب يملكون أكبر امبراطورية إعلامية كشبكة الجزيرة الإخبارية ومجموعة ال MBC التي تبث عدداً من القنوات الفضائية ويشاهدها الملايين ، وفي بعض الدول العربية كمصر وسوريا هناك صناعة للأفلام والمسلسلات الفنية الناجحة ، حيث تنقل الصورة الواقعية لتاريخنا وموروثنا الثقافي وطبيعة الحياة التي نعيشها وأشكال العادات والتقاليد والطقوس التي نمارسها ومسميات الأكلات الشعبية التي نتناولها وقد أخذ البعض منها شهرة واسعة وسمعة عالية.. ندعو الله أن يعيد للعرب مجدهم التليد ونصبح قوة لا يستهان بها في زمن لا يقيم للضعيف وزناً ولا للبائس قيمة والغلبة فيه لمن يقدم للبشرية المزيد من الإنجازات والعديد من المخترعات ، والكثير من رسائل الحب والتسامح ، وحينها تتحسن صورتنا الذهنية لدى الشعوب والمجتمعات الأخرى ويُزال التحامل والكراهية والخوف من الإسلام والمسلمين وما يدعى "بالإسلاموفوبيا" ويصبح لنا مشروعنا النهضوي الذي يحمل سلطة معنوية أخلاقية بقيمنا الإنسانية لا السلطوية بالترغيب لا بالترهيب ، بالإغراء لا بالإرغام ، فصنع السلام أصعب من كسب الحرب ، فلا تحل المشاكل بالسيف والساطور ولا بالذبح وتسييل الدماء ، بل بالإقناع وتعزيز قيم التضحية والايثار، ولنا في فلسفة الساتياغراها (المقاومة اللاعنفية ) التي ابتدعها زعيم الأمة الهندية المهاتما غاندي خير دليل على سياسته الناجحة والتي اعتبرت قوة ناعمة لأنها كانت تدعو إلى التمثل بأخلاق الدين وإحقاق الحق وتحريّ الخير في التعامل مع الآخرين ، والصوم لفترات طويلة كوسيلة لصفاء وتنقية الذات وكنوع من الاحتجاج الاجتماعي ضد المحتل لبلده ، الأمر الذي جعله يكتسب ثقة شعبه وود شعوب الأرض ، ويلهم العديد من حركات النضال والمقاومة السلمية في العالم ، ويفضي ببلده إلى الاستقلال والتحرر من الاستعمار البريطاني. يقول فيه الشاعر/ عصام زكي عراف : لقد صام هندي فجوعَ دولة.. فهل ضار علجاً صومُ مليون مسلم Twitter:@bahirahalabi