يقول الإسرائيليون إنهم دولة صغيرة تقع بين عدد من الدول العربية التي تريد كل واحدة منها أن تقذف بهم إلى البحر.. وبالتالي لا يمكن بقاء الدولة العبرية وسط هذه التحديات الصعبة إلاَّ من خلال حالتين: الأولى تقوية الموقف الأمريكي للدفاع في منهج الحماية التقليدية. والثانية تزويدها بالسلاح الذي يكون أكثر فاعلية في الهجوم والدفاع في آن واحد. وله مميزات التفوق على مبيعات أمريكا لدول الشرق الأوسط. إضافة إلى تهديد الاتحاد السوفيتي الذي يمتلك علاقات نفوذ في المنطقة وذلك من خلال دول كبرى في عسكرة جيوشها ومنها سورياوالعراق. كان ذلك بعد حرب 1967م ومخاوف من حرب جديدة لاستعادة مكاسب إسرائيل من الأراضي المحتلة. ونتيجة لكل ما تقدم وما تأخر.. وما سوف يأتي من تداعيات فقد بدأ الأمريكيون العمل على مراحل منها: تعزيز القوة العسكرية الإسرائيلية المتفوقة. والثانية الحملة السياسية من داخل البيت الأبيض إلى الدول الأوروبية للتأثير على قناعاتها تجاه حق تل أبيب في الوجود كدولة تواجه التحديات وأهمية الحرص الأمريكي على حمايتها. إضافة إلى حملة الأمريكيين داخل الأممالمتحدة ومجلس الأمن لفرض الموقف. وصولاً إلى مختلف المنظمات الدولية. حصل ذلك في الوقت الذي كانت المخاوف من موقف القوة الثانية المتمثلة في الاتحاد السوفيتي السابق الذي كان متناقضاً إلى حد كبير مع سياسة واشنطن. وهنا بدأت الاستراتيجية الأمريكية الثالثة التي تهدف إلى تفكيك قوة لا يمكن تجاهلها في حال نشوب حرب في المنطقة أو في حال البقاء في صورة «الدب» المخيف.. لتبدأ المرحلة بخطوات ناعمة ظاهرها التقارب وإزالة التوترات. وباطنها تحجيم القوة المنافسة لأمريكا. حيث ركزت المرحلة المشار إليها على تدمير الصواريخ الباليستية المعروفة ب(ستارت 1 و2) واستمر الجدل طويلاً حتى حققت واشنطن أهدافها خاصة بتدمير تلك الصواريخ العابرة التي تحمل رؤوساً نووية وتستطيع الوصول إلى العمق الأمريكي. لتأتي فرصة ثمينة كانت بمثابة مصيدة لموسكو حين دخلت إلى افغانستان وتنصيب حكومة شيوعية برئاسة حليفهم نجيب الله. وبدلاً من أن تقوم أمريكا بالدخول على خط الصراع لخطورة تداعياته بين القوتين. قامت واشنطن باستقطاب العرب لحرب الدب الروسي في افغانستان بالنيابة وخلق كراهية لما كانت تسميه الأولى «إمبراطورية الشر» على أنه عدو الإسلام والمسلمين. وصولا إلى آخر السيناريو الذي أدى إلى خلق الحقد في ردة الفعل العربي المؤثر على النفوذ السوفيتي في المنطقة العربية بحكم الثأر. وهنا كان لابد من استغلال المرحلة الأكبر والأكثر ثمناً من قبل الأمريكيين. وذلك بعد صعود الرئيس الأنيق ميخائيل جورباتشوف الذي جاء إلى الإمبراطورية السوفيتية بورقة الاقتصاد. ومن ثم تمت دعوته في زيارة تاريخية إلى واشنطن لإقناعه بمبدأ تفكيك الاتحاد من خلال استقلال دول المنظومة مع الوعد «بالمن والسلوى» والإغراق بالمساعدات والمشاريع الأمريكية. وقد كان الرئيس رونالد ريجان وزوجته نانسي هما بطلا تلك المرحلة التاريخية التي اتخذ منها مهندس «البيريسترويكا» ميخائيل جورباتشوف قرار تفكيك القطب الهاجس لواشنطن. لكنها ومع مرور الوقت تبخرت وعود المساعدات وتفرغت القوة الأولى لخلط أوراق الشرق الأوسط وزيادة ضمان إسرائيل وفرض وضع أوراق فلسطين على «الرف» وذلك بعد الانفراد بصناعة قرار المصير الذي كان قد بدأ بغزو العراق واسقاط صدام حسين وإعلان بوش الابن أنه لن يكون في بغداد حكومة سنية. وهي الشرارة التي اشعلت الفتنة الطائفية. ورغم أن بوتين يحاول اليوم استعادة شيء من قوة تلك الإمبراطورية. إلاَّ أنه فاقد لمقومات المنافسة السابقة. في قدراتها العسكرية والسياسية. ومن ثم لن تنقذه نشوة الحضور في صراع المنطقة الذي دشنت له أمريكا بقدر ما وقع في المصيدة الثانية داخل سوريا. التي تشكل بؤرة أخطر من أفغانستان.. إضافة إلى ردة فعل مغامرة بوتين وسط ما تبقى من الاتحاد الروسي الذي بدأت أطرافه تتضجر من سياسة رجل المخابرات «الأهوج» وهو ما تريده واشنطن لإسدال الستار على قصة «المطرقة والمنجل» وما تبقى في الساحة الحمراء من قوة وهمية لم تعد تحظى بذلك الوهج في الاستعراض أمام مقر الكرملين. وهنا .. وباختصار يمكن القول: إن العرب قد دفعوا ثمن سقوط الاتحاد السوفييتي السابق الذي لو بقي لما كانت أمريكا قادرة على صناعة المشهد الحالي.. ولما كان الوريث الضعيف في موسكو «ملقوفاً» يلعب بالنار!!. [email protected] Twitter:@NasserAL_Seheri