ليس جديداً أن يمارس رجل ال "كي جي بي" دور التحديات الاستفزازية سواء داخل الخارطة الإقليمية تجاه منظومة الاتحاد السابق أو خارجه في مناطق التوتر الدولية. وذلك في محاولة لفرض وهم البديل بعد انهيار القوة العالمية الثانية التي كانت معروفة بالدب الروسي الذي كان قد بدأ في العد التنازلي أثناء الحرب الباردة في عهد جروميكو وبرجنيف وصولاً إلى "بيريسترويكا" ميخائيل جورباتشوف التي أطاحت ب "إمبراطورية الشر" التي كانت قد دشنت شرارة الحروب في المنطقة الآسيوية من خلال غزوها لأفغانستان وهو الغزو الذي وإن خرجت منه موسكو مهزومة إلاَّ أنها تركت بعدها إرثاً ثقيلاً وسيئاً لم يتوقف داخل دولة كانت موسكو تريد تكريس شيوعيتها بقيادة نجيب الله الذي غرسته في كابل آنذاك. بل توزعت مؤثرات الغزو بعد الرحيل إلى أكثر من مكان في عالم اليوم،بعد أن أصبحت عناصر الصراع في تلك المرحلة مشحونة بالخطابات العقائدية والمذهبية وعقيدة الإرهاب والحروب على الهوية. في حين نقلت معارك داخل البلقان من خلال مواجهة مع كل من الشيشان وجورجيا لكنها محاولات لم تنجح خاصة مع الأخيرة التي أوقفت القوات الروسية عند أبواب العاصمة "تبليس" ليطلب الرئيس ادوارد شيفرنادزه تدخلاً أمريكياً عاجلاً خاصة أن شيفزنادزه الذي كان وزيراً للخارجية في عهد الاتحاد السابق قبل أن يكون رئيساً لجورجيا قال يومها:" إنني أعرف ألاعيب المخابرات الروسية السخيفة في ممارسة الحروب النفسية المدعومة باستعراض القوة، لكنها مرحلة لم تعد مقبولة إلاَّ في أذهان جنرالات العهد البائد". وعندها رفعت أمريكا الكارت الأحمر في رسالة تحذير إلى القيادة الروسية بالانسحاب الفوري من جورجيا وهو ما حصل بالفعل. وفي حرب صربيا حاولت موسكو أن ترفع شعار القوة في رفضها للحملة العسكرية ضد المجرم سلوبودان ميلوشيفتش الذي شن حرب إبادة ضد المسلمين في يوغسلافيا لينتهي حكمه الذي دام عشر سنوات من الخراب والتدمير إلى محكمة لاهاي الدولية وهو ما لم تكن تريده روسيا وريثة "المطرقة والمنجل" بل كانت تدافع للاحتفاظ بزعيم الحرب الصربي في بلجراد.. تماماً كما هو الحال بالنسبة لبشار الأسد الذي يناضل بوتين من أجل استمراره في قتل السوريين. غير أن تلك المحاولة للدفاع عن ميلوشيفتش لم تنجح هي الأخرى. حيث تم تنفيذ الحملة التي شملت إهانة الموقف الروسي في ضرب سفارتها في العاصمة الصربية بلجراد. وحينها توقفت التهديدات والتزم "الكرملين" الصمت. وفي مشهد الربيع العربي كانت هناك محاولة روسية لدعم بقاء الرئيس الليبي معمر القذافي لكنها هي أيضاً كانت محاولة فاشلة. هكذا تبدو التجربة لمن يعتقدون أنهم ما زالوا نسخة أصلية من إمبراطورية الشر يعملون في هذه المرحلة على دعم نظام بشار الأسد. وهو دعم تجاوز الآلة العسكرية والخطاب المعلن لمساندة الجريمة إلى تهديد دول خليجية مؤثرة في الدفاع عن الأمن والاستقرار في المنطقة،بل محاولة لرفع مستوى الخلافات الخليجية مع إيران من خلال فتح جبهة جديدة تنطلق برعاية روسية في إشارة إلى استخدام أجواء الأخيرة. وهو ما لن يحصل على الإطلاق بقدر ما هو "بالون" اختبار تافه. كما أن طهران لن تقبل أية مغامرة من هذا النوع لأنها تدرك جيداً أن الرد سيكون في عمق طهران التي ليست بحاجة إلى تنفيذ رغبات الروس في نقل المعركة مع عالم فاض به "الكيل النووي" وداخل يعاني من أزماته الاقتصادية. Twitter:@NasserAL_Seheri