وزير البلديات يقف على مشروع "الحي" بالمدينة    «حزب الله» في مواجهة الجيش اللبناني.. من الذي انتصر؟    تأهيل عنيزة يستضيف مؤتمر جودة حياة الأشخاص ذوي الإعاقة الدولي الشهر القادم    أمير تبوك يوجه بتوزيع معونة الشتاء في القرى والهجر والمحافظات    خبراء الكشافة: أهمية الطريقة الكشفية في نجاح البرنامج الكشفي    الأمير عبدالعزيز الفيصل يتحدث عن نمو السياحة الرياضية    انعقاد الاجتماع التشاوري للدورة 162 لمجلس الوزاري الخليجي    آل دغيم يهنيء سمو محافظ الطائف ومجتمع الطائف بهذه الخطوة التنموية    أمير تبوك يستقبل مطير الضيوفي المتنازل عن قاتل ابنه لوجه الله تعالى    "الأمن السيبراني".. خط الدفاع الأول لحماية المستقبل الرقمي    استشهاد تسعة فلسطينيين في قصف للاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة    محافظ الطوال يؤدي صلاة الاستسقاء بجامع الوزارة بالمحافظة    "محافظ محايل" يؤدي صلاة الاستسقاء مع جموع المصلين    القيادة تهنئ رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية بذكرى استقلال بلاده    الإحصاء: ارتفاع الإنفاق على البحث والتطوير بنسبة 17.4 % خلال عام 2023    اليونسكو: 62% من صناع المحتوى الرقمي لا يقومون بالتحقق الدقيق والمنهجي من المعلومات قبل مشاركتها    انخفاض أسعار النفط وسط زيادة مفاجئة في المخزونات الأميركية وترقب لاجتماع أوبك+    أمير الرياض ونائبه يؤديان صلاة الاستسقاء في جامع الإمام تركي بن عبدالله    بالتضرع والإيمان: المسلمون يؤدون صلاة الاستسقاء طلبًا للغيث والرحمة بالمسجد النبوي    محافظ صبيا يؤدي صلاة الإستسقاء بجامع الراجحي    «مساندة الطفل» ل «عكاظ»: الإناث الأعلى في «التنمر اللفظي» ب 26 %    الداود يبدأ مع الأخضر من «خليجي 26»    1500 طائرة تزيّن سماء الرياض بلوحات مضيئة    «الدرعية لفنون المستقبل» أول مركز للوسائط الجديدة في الشرق الأوسط وأفريقيا    المملكة تشارك في الدورة ال 29 لمؤتمر حظر الأسلحة الكيميائية في لاهاي    السعودية ترأس اجتماع المجلس التنفيذي ل«الأرابوساي»    27 سفيرا يعززون شراكات دولهم مع الشورى    في «الوسط والقاع».. جولة «روشن» ال12 تنطلق ب3 مواجهات مثيرة    وزير الصحة الصومالي: جلسات مؤتمر التوائم مبهرة    السياحة تساهم ب %10 من الاقتصاد.. و%52 من الناتج المحلي «غير نفطي»    شخصنة المواقف    سلوكياتنا.. مرآة مسؤوليتنا!    النوم المبكر مواجهة للأمراض    غولف السعودية تكشف عن المشاركين في البطولة الدولية    إنسانية عبدالعزيز بن سلمان    الشائعات ضد المملكة    نيمار يقترب ومالكوم يعود    الآسيوي يحقق في أداء حكام لقاء الهلال والسد    بحث مستجدات التنفس الصناعي للكبار    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالريان يُعيد البسمة لأربعينية بالإنجاب بعد تعرضها ل«15» إجهاضاً متكرراً للحمل    "الأدب" تحتفي بمسيرة 50 عاماً من إبداع اليوسف    المملكة ضيف شرف في معرض "أرتيجانو" الإيطالي    تواصل الشعوب    ورحل بهجة المجالس    محمد بن عبدالرحمن يشرّف حفل سفارة عُمان    أمير حائل يعقد لقاءً مع قافلة شباب الغد    الزميل العويضي يحتفل بزواج إبنه مبارك    احتفال السيف والشريف بزواج «المهند»    يوسف العجلاتي يزف إبنيه مصعب وأحمد على أنغام «المزمار»    خادم الحرمين الشريفين يتلقى رسالة من أمير الكويت    باحثة روسية تحذر الغرب.. «بوتين سيطبق تهديداته»    تقليص انبعاثات غاز الميثان الناتج عن الأبقار    «واتساب» تختبر ميزة لحظر الرسائل المزعجة    اكتشاف الحمض المرتبط بأمراض الشيخوخة    رئيس مجلس الشيوخ في باكستان يصل المدينة المنورة    أمير تبوك يقف على المراحل النهائية لمشروع مبنى مجلس المنطقة    هيئة تطوير محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية ترصد ممارسات صيد جائر بالمحمية    هنآ رئيس الأوروغواي الشرقية.. خادم الحرمين الشريفين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأستاذ الدكتور محمد آل زلفة عضو الشورى سابقاً.. ل( البلاد): في مجلس الشورى كان صوتي عاليا في نظر من كان يؤثر السلامة طلباً للمنصب
نشر في البلاد يوم 08 - 12 - 2015


بخيت آل طالع الزهراني
الاستاذ الدكتور محمد بن عبدالله آل زلفة اكاديمي وباحث ومؤرخ سعودي، وعضو مجلس شورى لثلاث دورات، عمل استاذاً معيداً بجامعة الملك سعود، ودرس الماجستير في كنساس بأمريكا، والدكتوراه في كمبريدج في بريطانيا، جاء الى الحياة من بلدة جنوبية سعودية حالمة هي احد رفيدة بمنطقة عسير وطفق يحفر الصخر بعصامية لافتة، حتى صنع لنفسه اسماً لافتاً، يمتاز بدقة المعلومة، واسلوب العرض الجميل، والجرأة في قول ما يؤمن به من ثقافات، ما جعله نموذجاً في الحوار والنقاش العقلاني، الذي يشي الى شخصية هدفها ايصال رسالته كما هي دون التفات الى التشبث بشيء من الدنيا.
التقته (البلاد) في هذا الحوار الذي تحدث فيه عن تجربته في مجلس الشورى، والتي قال انها من اجمل تجاربه الحياتية العملية، التي كان خلالها مؤمناً بقناعاته، غير مرتهن لمخاوف ما قد يؤول اليه صوته القوي المنافح عن قناعاته التي تنبع من وطنيته.. الى ان عرجنا بحوارنا مع الدكتور آل زلفة الى مسألة صدامه غير مرة مع عدد من الفعاليات الاجتماعية، ونقاط التقاطع التي كانت مثار شد وجذب بينه وبين معارضيه. الى ان كاشفنا ضيفنا الدكتور آل زلفة عن تلك الدروس التي افاد منها خلال رحلته العلمية للدراسات العليا في الغرب خارج نطاق الحرم الجامعي، وتطرق حوارنا الى مؤلفاته الكثيرة وشغفه بكتابة التاريخ وتوثيقه لذلك، اضافة الى المتاحف الشخصية التي اقامها وحكاية رواية (سيدة أبها).
هنا نص حوارنا مع الاستاذ الدكتور آل زلفة، والذي بدأناه من محطة مجلس الشورى لثلاث دورات:
ماذا عن تجربتك في مجلس الشورى ، وماذا عمن من يصف المجلس بأنه يقدم قرارات معلبة تفتقد إلى الاستقلالية؟
– أعتبر تجربتي في مجلس الشورى من أهم التجارب في حياتي , حيث من خلال وجودي تحت قبة المجلس – وعلى مدى ثلاث دورات – استطعت أن أوصل صوتي في الكثير من القضايا , التي كانت تطرح تحت قبة المجلس , وفي كثير من الأحيان يكون صوتي عالياً في نظر أولئك البعض , الذين كانوا يبحثون عن السلامة , أو يتطلعون الى مناصب اعتقدوا أنه بصمتهم أو بإبقاء أصواتهم منخفضة ستمكنهم من الوصول إلى ما يصبون إليه , فهؤلاء لم يسمع لهم صوتاً , ولم يحصلوا على ما كانوا يتطلعون اليه , وغادروا المجلس كمثل ما دخلوه.
فبسبب صوتي الذي في نظر البعض يعتبر مرتفعاً , تعرضت لكثير من الهجوم , ليس من داخل المجلس ولكن من خارجه , وخاصة حينما يكون الأمر يتعلق بقضايا يعتقد البعض – وهم الأقلية من المجتمع – بأنها حساسة , وخاصة ما يتعلق بالمرأة , أو بعض القطاعات الحكومية , مثل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , أو بوزارة الشئون الإسلامية , أو حتى ما يتعلق بأداء مؤسسة القضاء , أو بقضايا الفساد.
ليس كل قرارات المجلس قرارات معلبة كما تقول , ولكن هذا كل ما يستطيع عمله .. ولكن كان له توصيات وليس قرارات تحسب له , وكان لها الأثر الجيد في إعادة النظر في بعض القضايا من لدن صاحب القرار.
كتابك (سيرة حياة) سياسي تاريخي اجتماعي راض لمرحلة ما قبل النفط .. ما الرسالة التي أردت ايصالها للناس، وهل ثمة طبعة أخرى له تضيف لها حقبة أحدث؟
– كتابي سيرة حياة في جزءه الأول كان يحكي مسيرة وأوضاع مجتمع في حقبة تاريخية , قبل أن يصل ريع النفط إلى كل أنحاء الوطن , من خلال سيرة حياة إنسان , عاش تلك المرحلة المبكرة من حياته , وشاهد عيان عليها , وربما يكون هذا العمل مع مرور الزمن , ان يصبح وثيقة حية على معرفة أوضاع الحياة الاجتماعية والسياسة والاقتصادية , وعلاقة الإنسان بارضه ومجتمعه , خلال تلك الحقبة التاريخية , ويحمل رسالة تقرأها كل الأجيال من بعدي.
ونعم هناك جزء ثان وثالث أكمل فيهما قصة " سيرة حياة " الجزء الثاني يكمل مسيرة حياتي مع الحياة, منذ مغادرة قريتي إلى عالم أوسع شمل الرياض , والمنطقة الشرقية وأمريكا وبريطانيا وعوالم كثيرة بينهم , وذلك أثناء مسيرتي مع تحصيلي العلمي .. أما الجزء الثالث فيحكي مسيرتي مع الحياة العملية , أستاذاً في جامعة الملك سعود , ثم عضواً في مجلس الشورى , وهذان الجزءآن يحتمل أن يريا النور في معرض الرياض الدولي للكتاب لهذا العام 2016م بحول الله.
** حدثت اشكالية ذات مرة وانت في نادي حائل الأدبي بخصوص سيدة محاضرة أوروبية لم تتمكن من صعود المسرح.. ما اشكالية بعض المجتمع مع الخلط بين ما هو ثقافي فكري وما هو غير ذلك؟
– قصة ما حدث في نادي حائل الأدبي ما كان لها أن تحدث , وخاصة في محفل ثقافي حضره العديد من الباحثين والمختصين في أدب الرحلات , وعن أهم رموز الرحالة الذين زاروا مدينة حائل في القرن التاسع عشر الميلادي , والغريب أن أهل مدينة حائل في ذلك الوقت كانوا أكثر انفتاحاً على العالم مما هم عليه الآن , مع ما يمتاز به أهل حائل على الدوام من كرم وحسن ضيافة , الا أن ما حدث لم يكن يعكس طبيعة أهل حائل الأصيلة , وانما كان تصرف فردي , ولكنه كان يحمل فكرا يريد أن يفرضه على الآخرين , بحجة أنه يحمي الفضيلة .
وحاول أتباع هذا الفكر أن يصوروا الأمر على غير حقيقته , وأين تقع المشكلة أن تلقي امرأة أجنبية أو حتى سعودية صاحبة اختصاص محاضرتها بشكل مباشر , لجمهور اكتظ به النادي لسماع ما تريد أن تنقله تلك المتخصصة , عما نقله أحد أبناء وطنها عن حائل عند زيارته لها في القرن التاسع عشر.
سمعت لك في الاذاعة ذات مرة حديثاً عن تاريخ الملك عبدالعزيز، كان طرحك مختلفاً.. الا تعتقد أن خطابنا المدرسي والوعظي والتنويري يحتاج إلى تجديد؟
– نعم نحن بأمس الحاجة إلى خطاب جديد على جميع الأصعدة , دينية كانت أو اجتماعية أو سياسية .. لأنه في ظل المعطيات المعرفية التي تغمر عالمنا – ونحن جزء من هذا العالم – لا نستطيع الاستمرار في تبني خطاب تجاوزه الزمن , والمتلقي لهذا الخطاب هم أبناء وطننا من الجيل الجديد , الذين لم يعد هذا الخطاب صالحاً لهم .. والواقع ان الاستمرار في تبني ذلك الخطاب التقليدي أصبح ضرره أكثر من نفعه , وأن كنت أشك أن له نفعا .
وأما الحديث عن تاريخ رموزنا وعلى رأسهم الرمز مؤسس وحدتنا الوطنية الملك عبد العزيز طيب الله ثراه , فإننا نظلمهم إذا أستمرينا في الحديث عن أدوارهم التاريخية بالشكل النمطي والتقليدي , وربما نصرف أنظار الأجيال الجديدة عن التعمق في معرفة الأدوار التاريخية التي قام بها أولئك الرجال وكذلك النساء , الذين أرسوا لنا قواعد بناء وحدة وطنية عظيمة , ونحن حقيقة بحاجة إلى خطاب جديد يجعل من أبناء هذا الوطن حماة حقيقين لمكتسبات هذه الوحدة , إذا عرفوا تاريخ وطنهم على حقيقته , وليس كما يصوره أصحاب الخطاب التقليدي , أو أصحاب الأهواء المغرضين.
مسألة قيادة المرأة للسيارة .. قديمة جديدة ، لكن العالم من حولنا تجاوزها فيما نحن مازلنا نجترها .. ما الخلل في رأيك ؟
– مسألة قيادة المرأة للسيارة أصبحت تشكل معضلة , إذا ما أصبح الحديث عن المملكة العربية السعودية , في أي محفل دولي أو منتدى سياسي , وهي قضية ما كان يجب أن تكون كذلك .. ولكن الغريب أن لدينا ما يشبه الإصرار في الإبقاء على قضية لا تشكل أهمية البتة , وليس هناك نص من القرآن الكريم أو السيرة النبوية تحرم ذلك , وإنما أبقي هذا الموضوع دون حل فقط للإساءة لنا ولسمعة وطننا أمام العالم ولسماحة وسمعة الإسلام الذي نتخذ منه ذريعة.
** حملة عاصفة الحزم ثم حملة اعادة الأمل في اليمن، كانت حرباً مشروعة ضد ظلم الحوثي والمخلوع صالح.. كيف تنظر أنت لهذه الحرب؟
– عاصفة الحزم بكل تأكيد حرب مشروعة , لأنها اتخذت بناء على دعوة واضحة وصريحة من حكومة شرعية , على رأسها رئيس شرعي منتخب من الشعب اليمني . وكانت نصرة الشعب اليمني واجب , يفرضه حق الجوار والواجب العربي لمناصرة الأخ العربي , خاصة إذا كان في مواجهة مع تدخل اجنبي لمناصرة فئة قليلة تحمل فكرا ظلاميا , يريد ذلك الأجنبي أن يصل إلى غايات أكبر تبرر تدخله .
والهدف الأكبر هو تهديد أمن واستقرار المملكة العربية السعودية , وأمن منطقة الخليج كافة وأمن وسلامة الملاحة الدولية , فعاصفة الحزم تشكل واحدة من أهم المنعطفات في التاريخ العربي المعاصر , الذي سيكون فاتحة لعواصف حزم أخرى دفاعاً عن الأمن القومي العربي , الذي أعتقد خصوم أمتنا العربية أنه بإمكانهم أن يعملوا في بلادنا العربية ما يشاؤون دون أن يقف في وجههم أحد .
قالوا إنك مؤرخ تنويري قدمت للمكتبة العربية 34 كتاباً، لكن أنا للأسف لم اقرأ أياً منها، ما منهجك في التأليف وهل جمعت التاريخي مع الثقافي، أم كان سرداً متوالياً للأحداث؟
– كنت اتمنى وأنت صحفي مثقف أنك اطلعت ولو على بعض كتبي , ولو أن من حقك أن أرفع عنك اللوم , فكثير من كتبي قليلة الانتشار , لأسباب يصعب الحديث عنها أو يطول الحديث عنها بسبب ضيق المساحة.
إن لم يكن المؤرخ إلى جانب كونه مؤرخاً يفترض فيه أن يكون مثقفاً , ومن لا يحمل مشعل التنوير من خلال الموقع الذي هو فيه كمثقف ، فإنه في هذه الحالة لا يحمل رسالة من خلال المجال أو التخصص الذي اختاره لنفسه , وأهم رسالة يحملها هي رسالة التنوير وكلمة التنوير ماذا تعني .. إبادة الظلام.
فأنا فيما اكتب في مجال التاريخ , أريد وبقدر ما استطيع أن أبحث عن الحقيقة التاريخية المبنية على المعلومة الصحيحة , والبحث عن المعلومة الصحيحة أينما كانت , وفي سبيل هذا الهدف أفنيت عمري باحثاً عن مصادر تاريخنا الحديث والمعاصر في معظم أرشيفات ومكتبات العالم , في وقت كان البعض يبحث عن الحصول على الدرجة العلمية فقط , في أقصر وقت ممكن , ومن ثم المنافسة على المناصب.
أنا مؤرخ صاحب مشروع , ومشروعي هو البحث عن الحقيقة التاريخية , وعن كل ما يمت لتاريخ بلادنا بصلة من مصادر تاريخية غير معروفة أو غير مكتشفه وفي أي مكان كان , بما في ذلك مصادر تاريخنا المحلية , من وثائق وسجلات ظلت مهملة ولم توظف في كتابة تاريخنا الوطني, وبعض كتبي والعديد من محاضراتي تشهد على ذلك , لأنني لا أريد أن أكون مؤرخاً نمطياً أكرر ما قاله القدماء.
من أجل هذا المشروع أسست دار نشر , هي دار بلاد العرب للنشر , وأسست مركزا ثقافيا وحضاريا , وأنا أنفق على الدار والمركز من مالي الخاص الذي بكل أسف ليس كثيراً , لدرجة التقتير على نفسي وعلى أسرتي في سبيل صرف كل قرش نوفره على الاستمرار في ا لمشروع , والوصول به إلى أهدافه. ان أصحاب المشاريع من هذا النوع يواجهون العديد من المشكلات , ولكن المؤمنون وحدهم هم الذين يصمدون.
عندما أبحرت في عالم الرواية من خلال (سيدة أبها) المترجمة ، كيف ادهشتك؟
– لم أبحر في عالم الرواية وإنما أنا مؤرخ , وأنا بالمناسبة محب لقراءة الرواية وخاصة الروايات التاريخية .. وقصة رواية " سيدة أبها " التي فعلاً أدهشتني كونها رواية متكئة بشكل كبير على فهم مؤلف الرواية لما استوعبه من تاريخ منطقة عسير كروائي وليس مؤرخاً .. والرواية في مجملها مسرحها الأرض العسيرية ومركزها أبها .. وما مرت به من أحداث منذ اندلاع الحرب العالمية الأولى وإلى فترة ما بعد اكتمال توحيد المملكة العربية السعودية .
مؤلفها لم يكن مؤرخاً ولا يفترض في الروائي أن يكون مؤرخاً , لأن الرواية عمل إبداعي بعكس ما يجب أن يكون عليه المؤرخ .. ولقد أعجبتني تلك الرواية منذ أن قرأتها ولم يمض على صدورها الا شهور قليلة , وبما أن مسرح أحداث الرواية منطقة عسير , فقد أخذت " دار بلاد العرب للنشر " على عاتقها القيام بترجمتها , بعد الحصول على أذن من الناشر , وهي دار نشر بريطانية مشهورة , وتقديمها للقارئ السعودي والعربي .. وقد لا قت قبولاً رائعاً في معرض الرياض الدولي للكتاب على مدى عامين متتاليين , ولازالت محل إقبال.
ثمة من و صف متحفك أو المركز الحضاري الذي اقمته في بلدتك بأنه فريد من نوعه، حدثنا عنه باختصار؟
– في " مركز آل زلفة الثقافي والحضاري " في قريتي في محافظة " أحد رفيدة " متحفان .. الأول متحف قصر النائب , وهو مقر عائلتي الأثري , حيث قمت بترميمه وتحويله إلى متحف يحتوي على قطع أثرية وأدوات تراثية , والأهم وثائق تاريخية تحكي قصة تاريخ المنطقة التي بها المتحف , وهي وثائق نادرة كانت لولا عناية الله سبحانه وتعالى ثم سعي الحثيث على مدى أعوام لإنقاذها وترميمها ومن ثم عرضها في قصر النائب الذي هو قصر والدي وجدي من قبله , لذهبت مع ما ذهب نتيجة الاهمال من مصادر تاريخنا.
أما المتحف الثاني فهو متحف شخصي خاص بي , وبكل ماله علاقة بشخصي من وثائق وصور وهدايا وميداليات , وهو حديث النشأة حيث اكتمل العمل فيه خلال شهر رمضان 1436ه .. وهو في نظري جميل وأُعد ومقام بشكل جميل , وبه اكتمل بعض ما كنت أريد أن يكون في هذا المركز , الذي أصبح أحد الواجهات السياحية والثقافية في منطقة عسير.
موجة الربيع العربي يبدو أنها عاصفة من دون ثمار .. كيف رأيت ذلك الحدث؟
– أجمل ما احدثه ما يسمى بالربيع العربي القضاء على بعض رموز الطواغيت في بعض البلاد العربية , مثل معمر القذافي , وعلي عبد الله صالح , وهز عرش وقواعد الدكتاتور بشار الاسد.
ولكن أسوأ ما جلبه علينا هذا الخريف العربي صعود أحزاب الإسلام السياسي , الذي بنكبة هذا الخريف وصل بعضهم إلى السلطة , فكانوا وبالاً على بلادهم حيث شاعت الفوضى والتخلف وعدم الاستقرار , وهذا مالم تأمل الأمة العربية وقوعه , ولكن لابد لهذه الغُمّة أن تزول , وتشهد منطقتنا العربية إشراقة شمس جديدة , لأن الإسلام السياسي ليس لديه سوى مشروع القتل والتدمير , وإشاعة ثقافة التخلف .. فأي ثمار ترتجي من أحزاب الخراب .
تحدثت في مقال سابق لك عن أبها ، وقلت أنها (مدينة فنانة وترفة) .. لكن معظم السعوديين يسافرون للخارج للسياحة.. ما الخلل الذي أدى لذلك الخيار الجمعي للناس؟
نعم أبها مدينة ترفه وفنانة ، لو أستمرت وتطورت على أسس ما كانت عليه في زمنها الجميل. ولكن أبها وقعت فيما وقعت فيه معظم المدن السعودية من ثقافة ما سميت بالصحوة وهي ليست بصحوة , ولكنها غير ذلك تماماً , فأصبحت أبها مدينة بلا روح , قٌتلت فيها الحياة المدينة , وتلفعت بلون واحد وهو السواد , بينما كانت في ماضيها الجميل متعددة الألوان.
فمن أجل هذا علينا أن نبحث عن أبها الجميلة , ونعيد إليها وجهها المشرق , لكي تكون جاذبة للسواح , الذين نراهم يذهبون إلى مدن في كل أنحاء العالم بالملايين , لان مدنهم وعلى رأس القائمة مدينة ابها التي فقدت الابتسامة , ولم يعد لها من وجود .. ولعل هناك بصيص أمل في تحسين أحوال أبها وجعلها مدينة جاذبة للسواح , كونها اختيرت عاصمة للسياحة العربية عام 2017م بعد منافسة قوية مع مدن أخرى.
ونحن حقيقة بحاجة إلى حملة ثقافية فيها صراحة ووضوح , يوجه خطاب هذه الحملة إلى كل سعودي وخاصة أصحاب العوائل منهم , لماذا تهربون من المدن السياحية السعودية وتذهبون بعوائلكم إلى ماليزيا، البحرين، دبي، القاهرة، استانبول، وغيرها من مدن العالم.
ما الذي تجده وتبحث عنه في تلك المدن .. ولا تجده في مدن بلادك السياحية؟
– من خلال أحاديثي الكثيرة وفي المناسبات العديدة مع من دائماً أحاورهم حول قضايا السياحة . كان جواب ان الكثيرين إن لم يكن أغلبهم يقول لك : أجد هناك من الحرية الاجتماعية ما يمكنني من الجلوس مع عائلتي في مطعم واحد , من غير أن يعكر صفوي احدا . أريد أن أذهب أنا وعائلتي لمشاهدة فيلم في السينما لأنها لا تتوفر في بلدي , أريد أن أذهب إلى مقهى مع أفراد أسرتي دون أن أُنهر أو ينظر إلى باستغراب , أريد أن أذهب مع كافة أفراد أسرتي إلى التسوق من دون قيود تفرض عليّ أو مضايقات من أحد.
أريد أن أجلس مع أفراد أسرتي في بهو الفندق دون أن يتدخل أحد في فصلنا عن بعض . أريد أن أذهب أنا و زوجتي إلى بركة السباحة أو الشاطئ لمراقبة أولادنا دون أن يقال لنا ممنوع . أريد أن أذهب أنا وزوجتي وأولادي لحضور حفلة غنائية في مكان محترم , للاستماع إلى مطربي بلدي , الذين لا نلتقي بهم ولا نسمعهم إلا هناك.
هذا بعض ما يقوله من يتركون المدن السياحية في بلادهم هرباً إلى مدن أخرى حول العالم ، هل رأيت في أجوبتهم ما يستنكر انها مطالب مشروعه وبسيطة لم يطالبوا بغير ذلك ، هل من أمل في تلبية طلباتهم .
كما انني وجدت بعض من أحاورهم أو أسألهم ممن كانت تلك أجوبتهم عند توجيه سؤال مباشر : هل لديكم معارضة أن توفر لكم مدنكم ما تذهبون إلى مدن العالم بحثاً عنه ؟ .. كانت أجوبة بعضهم وهم الأقلية وانا أدخلهم في دائرة المنافقين ، لا نريد شيئاً من هذا في مدننا السعودية , لأن لنا خصوصيتنا وتقاليدنا وديننا يمنعنا عن ذلك.
– أليس هذا عجب العجاب؟
كيف يكون خطاب الحملة التي أدعوا إلى تنظيمها من إقامة حملة أخرى تدعوا إلى أننا كمجتمع ونظام لدينا الاستعداد لتأمين طلبات هذه الملايين الهاربة , وبكل ما يطلبون تأمينه في مدنهم السياحية , وان يكون هؤلاء الهاربون جزء من الحملة وليس ضدها إذا تخلوا عن النفاق .. أنهم لا يدركون أهمية البلايين من الريالات التي ينفقونها بسخاء في كل مدن العالم , لكن ماذا لو أنفق جزء منها ولا أقول كلها على تنمية السياحة في أبها والطائف والباحة وغيرها , فكم من آلاف اليد العاملة التي ستتوفر لها لهم كعمل في مجال السياحة , وكم من اقتصاد سيزدهر ما سيعود نفعه على تنمية تلك المناطق , خصوصا إذا شحت الموارد التقليدية وأعني عائدات البترول , فالدنيا لا تدوم على حال واحد , ولا نعيش على دخل واحد , ولا تستمر المجتمعات على نوع واحد من التفكير.
12- راجت قبل سنوات وربما لازالت تصنيفات في مجتمعنا للناس بين ملتزم، وعلماني، وليبرالي … الخ.. هذا التفكير والتماهي معه.. ماذا يعني على الحقيقة؟
– الفراغ , والدعة , وضيق منافذ الثقافة , وزخم الخطاب الديني في المجتمع السعودي , هي من شجع على تبني مثل هذه الأفكار التصنيفية .. وستستمر إلى أن يجد الناس أنفسهم مشغولون بما هو أهم , ويكون خطاب التسامح هو السائد.
كتب منتقداً برنامج (حافز) .. ما الذي تراه من اشكالية للبطالة في بلد نفطي ، لا يجد كل ابنائه فرصاً وظيفية ؟
– ليس من المفروض أن يكون لدينا بطالة , ولكن المشكلة كما تبدو لي لها علاقة بثقافة العمل في السعودية , ونظرة البعض لمفهوم العمل .. ومع كل اسف فبعض من يشتكون من البطالة يريدون عملا مفصلا على مقاساتهم , يريدونه عملا مريحا ، وساعات العمل فيه قليلة .. هم يغضبون من المحاسبة أو المسألة عن الغياب أو الإنتاجية.
وهناك مشكلة أخرى وهي اجتماعية , وخاصة ما يتعلق بالمرأة فلازالت القيود تحاصرها من كل جانب , مما سيجعلها مقيمة دائمة في خانة البطالة , وما سيترتب على ذلك من عواقب غير جيدة , اجتماعية ونفسية للمرأة , ومكلفة لخزينة الدولة إذا استمرت معتمدة على الإعانات , أو مستنزفة لموارد عائلها.
ومما يشجع على البطالة في صفوف الشباب خاصة اتكالية الكثير منهم على أهاليهم , فلا يحرص الشباب على القبول بأي عمل إلا حسب مواصفاته.
حدثت لك صدامات غير مرة مع عدد من المشايخ.. ما نقطة او نقاط التقاطع بينك وبينهم، وكيف يمكن تقريب المسافة بينكم؟
– المشكلة بيني وبين بعض ممن ذكرت هي مشكلة حضارية , أو سوء فهم من قبلهم لمفهومي لنقاط الخلاف حول قضايا المرأة , حيث أن بعضهم وخاصة المتشددين منهم أو من يخشى بأسهم من المعتدلين أو يجاملهم يشتط في آرائه تجاه المرأة , لدرجة يتمنى نفي كل النساء من البلاد , لأنها – أي المرأة – في نظرهم رأس كل فتنة , وينسى أنها أمه وأخته وزوجته وابنته , وأنها تشكل نصف المجتمع , وأن لها حقوقا , وعليها واجبات يكفلها الدين والقانون .
فهؤلاء المتشددون يفسرون الدين كما يريدون فهمه , أما القانون والأنظمة التي تسنها الدولة حماية للمرأة وصيانة لحقوقها فينظرون إليها بأنها بدع يجب محاربتها , وتصنيف من يدعون اليها أو يشجعها .. وهناك قضايا أخرى يختلفون معي حولها وهي قضايا دنيوية , لا علاقه للدين بها مثل : وقوفي إلى جانب حق المرأة في قيادة سيارتها , لما في ذلك من حفظ لكرامة المرأة وسلامتها من الذئاب المنفلتة , والذين ندفع لتربيتها بين اسرنا. وأرى الزمن كفيل بتقريب مسافات ما حوله نختلف.
درست الماجستير في امريكا والدكتوراه في بريطانيا.. ما الذي تعلمته من الغرب كفكر وحياة ؟
ذهبت إلى الغرب – أمريكا وأوروبا للدراسة – وتعلمت في جامعات تلك البلدان الشيء الكثير , واستفدت الشيء الكثير , وتأثرت بما هو مفيد ولم ابحث عما لا أراه مفيداً .. والحكمة (العلم) ضالة المؤمن يستفيد منها أينما وجدها . والواقع انني لم أكن خائفاً من ثقافة الغرب , لأن من يخاف في داخله قابلية لما يخاف منه , وهي الهزيمة وعدم القدرة على تحصين ذاته , فيقع فيما يخاف منه.
وحقيقة فقد استفدت من جودي في جامعات الغرب فكراً نيراً ومفهوماً واسعاً لمعنى الحياة.
الى أي مدى نجحت مؤسسات المجتمع المدني في اداء دورها الحقيقي وخاصة لكل من الطفل ، المطلقة، كبار السن، والمرأة عموماً؟
– لازالت مؤسسات المجتمع المدني في السعودية في طورها الطفولي , فلا ننتظر منها الكثير . لان مؤسسات المجتمع المدني هي نتاج ثقافة الشعوب , وشعبنا ليس مهيأ لخلق مؤسسات مجتمع مدني بعد .. وربما الدولة بإمكانها سن القوانين لحماية الطفل والمرأة وكبار السن وغيرهم .
ولازال وبكل اسف هناك حتى تحت قبة مجلس الشورى من لا يرى ضرورة لسن بعض القوانين , مثل قانون التحرش وغيره مما يتعلق بالمرأة .. ولكن ذلك لا يعني أنه لا يوجد في المجتمع ناشطات وناشطون , ويمكن مع الزمن أن يؤسسوا لمؤسسات مجتمع مدني فاعلة.
ما مشكلة العقل السعودي مع الحوار الحضاري، وما دور الجامعات والمدارس في تأسيس هذه الثقافة الغائبة؟
– ثقافة الحوار والحوار الحضاري ثقافة حديثة النشأة في المجتمع السعودي , ونشأت بقرار من الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز يرحمه الله . والبعض من شرائح المجتمع السعودي لم يستوعب أو يقبل فكرة الحوار .. وقد أخذنا وقتا لكي يقتنع بأهمية وضرورة الحوار الوطني , وكذلك الحوار مع الثقافات الأخرى .
ولايزال البعض وخاصة ما يسمى بالمحافظين غير مرحبين بالحوار , لان لديهم ثقافة المسلمات , ويخشون عليها من الاهتزاز إذا ما قبلوا بالحوار.
وأنا أتفق معك تماماً أن ثقافة الحوار يجب أن تكون في مقدمة ما يدرس في مدارسنا وجامعاتنا , ونوادينا الأدبية والمخيمات الدعوية , وحتى من خلال أئمة المساجد وحلقات التعليم في المسجد الحرام , ومسجد من كانت دعوته قائمة على الحوار نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
ما ابرز المواقف اللافتة التي واجهتك سواء في دراستك بالخارج او اسفارك؟
– المواقف اللافتة التي واجهتني في حياتي في الجامعات الغربية ومن خلال اسفاري كثيرة , منها حب الإنسان هناك , وعشقه لما يقوم به من عمل , لأن هذه العلاقة الحميمية بين الإنسان وما يعمل يعني الإبداع والتميز.
وهناك تفاني المؤسسات الأكاديمية والبحثية في خدمة الباحث , وتأمين كل ما يساعده على النجاح .. وهناك عدم التمييز في تقديم تلك الخدمة والتكريم والتقدير لكل مبدع , بصرف النظر عن جنسه أو دينه أو لونه.
ما الكلمة الاخيرة التي تود اضافتها؟
لا أعتقد أنه بقي في المساحة ما يستوعب أية إضافة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.