•• كان لسهرات رمضان طابعها الخاص الذي يتفاوت من مجلس إلى مجلس .. فهناك مجلس يبدأ بعد صلاة "التراويح" عادة وهو يكاد يكون يومياً. وهناك مجلس أسبوعي أي يوم في الأسبوع .. يلتقي الأصدقاء والمعارف في جو الصفاء والاخوة. اليوم سوف نقوم بزيارة لأحد هذه المجالس والذي ينطبق عليه القول بأنه "مجلس" للأدب أقرب منه مجلس لأي صنف آخر من صنوف الحياة فلا تسمع إلا قولاً يكاد يكون منحصراً في ظاهرة الرواية التي بدأت تنتشر في الفترة الأخيرة وبالذات "للروائيات" اللاتي ظهرن على الساحة بكل عنف وإصرار كأنهن يردن أن يطوين تلك السنوات القليلة التي عشناها بعيداً عن السباق وكان الرجل هو المسيطر على كل تلك الفترة الزمنية الماضية في دنيا الأدب والرواية على وجه الخصوص. عندما قال – أحدهم – إن هذه الروايات في معظمها لا تحمل تكنيكاً – روائياً أو قماشة روائية كما يجب بل هي تتحول إلى القصيدة الوجدانية أو لنسمه إلى البوح الذاتي أكثر منها إلى رواية لها خصوصيتها. آخر قال الملاحظ هو إغراق بعض الراويات في الجنوح إلى "الجنس" وفي هذا كسر "للتابوهات". قال آخر كان يتابع الحوار في صمت أراكم نصبتم "مجانيقكم" عليهن لإحساسكم بأنهن بدأن في سحب البساط الأدبي من تحت أقدامكم الذي طال الزمن وأنتم ترتعون عليه، إنني لا أرى إلا قدرات قادمة تستطيع أن تشكل حياتها.. دعوهن يمارسن إبداعهن بعيداً عن "اصفادكم" لهن.. أعطوهن قليلاً من الثقة وقليلاً من الدعم وقليلاً من الصبر فسوف تجدون صفاً رائعاً من القادرات على المسير نحو الأحسن والأقوى. رد عليه آخر قائلا: نعرف أنك من أنصار – المرأة – دون تعمق منك لما قد يذهب بها هذا "التناصر" لها إنهن لا يستطعن أن يحققن ما تفتقده من آمال إنهن كفقاعات – الزبد – الطافي. قال له: لا يذهب بك تفكيرك وعقدك النفسية إلى هذا الحد من اللامنطق ثم أريد أن أسألك ماذا لدينا من تراث فكري به خصوصية في عالم الفكر أقصد في عالم – الرجل – هل لدينا أحد كالعقاد أو طه حسين أو كشوقي أو كزكي نجيب محمود وغيرهم من أساطين الكلمة في مصر فقط وليس غيرها من الدول. قال له آخر: أنت تقصد أن ليس لدينا من هم في مستوى أولئك الفكري. نعم أعطني مثلاً على عدم صحة ما أقول كان يمكن أن يكون لدينا شاعر ومفكر فذ كحمزة شحاته لكنه لم يجد المناخ الذي يساعده على الإبداع أكثر فانكفأ على نفسه حتى إنه أنكر ذاته لا بل أزيدك من الشعر بيتاً كما يقال: خذ عندك في المجال الفني كالشعر الغنائي لدينا شاعر أغنية له طابعه هو إبراهيم خفاجي هل وجد ذلك الاهتمام مثل أحمد رامي.. أو حسين السيد إن جيلنا الشاب ظهر بدون جذور له .. رد عليه قائلاً: تقصد تقول إننا في الجانب الأدبي وفي الجانب الغنائي كنا بلا أساتذة واننا نبت شيطاني .. يسلم "فمك" هكذا رد عليه. قال الأول إذن لا نلومهن ان غرفن من نتاج الآخرين. عاد ذلك الصامت وهو يقول ذكرتني بشعراء الأغنية العرب مثل أحمد رامي وحسين السيد وإبراهيم خفاجي من منكم يذكر بعض أغاني هؤلاء الثلاثة. دارت العيون في المحاجر.. فقال هو: خذوا عندكم لحسين السيد ست الحبايب، المارد العربي لفايزة أحمد ولعبد الوهاب قل لي أعملك ايه؟ دقت ساعة العمل كارم محمود عيني بترف ياحبة عيني لنجاة الصغيرة ساكن قصادي وبحبه لصباح حبيبة أمها لوردة في يوم وليله ولفريد الأطرش المارد العربي أما أحمد رامي فأغانيه عديدة ولكن لأختصرها في هذه الأغاني هلت ليالي القمر اقابله بكره سهران لوحدي رباعيات الخيام وذكريات ولعبدالوهاب هان الود أما شاعرنا الفذ مهندس الأغنية السعودية إبراهيم خفاجي يا ناعس الجفن ارحم جفني المقروح وليس المجروح لأن الجفن لا يجرح ما في داعي من حانك مالي ومال الناس اعذروني في الهوى يا أهل الملام يعني حبك والهلاك يعني مامنو فكاك أوبريت عرائس المملكة : سارعي للمجد وأغاني كثيرة جداً جداً. خيم على المجلس حديث طويل عن الفن والفنانين عندما كانت "البشك" يسهرون على "العود" أو حتى "السمسمية" عندما كانت النفوس "صافية" هكذا قالها ذلك الذي كان يتابع ما يدور حوله من نقاش جعله يعيش لذة الأيام قبل أن يدخل هذا "الجهاز" اللعين إلى بيوتنا فحرمنا لذة الكلام مع بعضنا البعض أقصد التلفزيون الذي تحول هو الموجه وهو الذي لابد أن يسمع والكل صامتون. رد عليه آخر: الآن أصبحت وسائل الاتصال أكثر فتكاً بالوقت انني أشعر بالغربة في منزلي فكل واحد أو واحدة معها جهازها الصغير "اللابتوب" وتتحدث مع صديقاتها في صمت ان صلة الربط تكاد تكون منقطعة هذه الأيام بين أبناء الأسرة. لقد تحول المنزل إلى ما يشبه المطعم لتناول الطعام أو إلى فندق للنوم فقط. ران صمت رهيب على الجلساء وهم يستمعون إلى ما وصلنا إليه في بيوتنا كأن ذلك القول أصابنا في مقتل عندما أفضى المجلس في صمت حزين.لأجد نفسي أسجله هنا مع إغفال أسماء المتحاورين احتراماً لخصوصياتهم حيث لم أشعرهم بأن ما سوف يقال هنا سوف يتحول إلى مادة للنشر وتلك أمانة النقل. وعلمي سلامتكم