حضر الفن والأدب والثقافة والإعلام في ليلة تكريم خفاجي، فكانت ليلة تاريخية أشبه ما تكون بحفلة عُرس أحياها فنان العرب محمد عبده، من خلال سرده للذكريات الجميلة التي جمعته بإبراهيم خفاجي، فقد تنقل فنان العرب من خلال حديثه عن خفاجي بين مرحلة البدايات وقربه منه «إنساناً وشاعراً ومعلماً وناصحاً، واستذكر أشعاره و«غنى للحضور» بصوته العذب العديد من كلمات خفاجي، مثل «صبية»، و«ظبي الجنوب»، و«أشوفك كل يوم وأروح»، و«أوقد النار يا شبابها»، ما جعل الحضور يعيش جواً من المتعة، والتي نجح الإعلامي علي فقندش المبدع وبدرجة امتياز أن يجعل فنان العرب يقول عن خفاجي ما لم يقله في السابق، أو ما لم يعرفه كثيرون، حيث قال: محمد عبده لا يحتاج إلى مقدمة، فهو رسول محبة وعنوان جميل ووفاء، ووجوده في هذه الليلة ترجمة حقيقية لعلاقته بإبراهيم خفاجي، هكذا يجوز لي أن أقدم محمد عبده. خفاجي هو أستاذي ومعلمي لأصول الغناء، علمني كيف أغني، ومتى أغني، وهو أيضاً من اكتشف محمد عبده الملحن. وخفاجي الذي عرفته في مكةالمكرمة في عام 1961م، في ذلك الوقت كان من الصعب على صوت ناشئ وواعد أن يلقى له مكاناً بين الكبار والعمالقة التي كانت تزخر بهم الساحة الفنية، وكان لابد لي من معين بعد الله سبحانه وتعالى، ومن الأشياء التي كانت تثقل كاهلي هي عدم وجود الملحن، لأن الملحنين في تلك الفترة كانوا يتسابقون على الحصان الرابح، وكان الحصان الرابح هو صوت أستاذنا طلال مداح يرحمه الله، ومن هنا وجّهني خفاجي إلى فكرة لم تكن في ذهني، فقال لي أنت الآن في حاجة إلى ملحن ينطلق بك إلى مصاف الفنانين، ولابد أن تجد ملحناً بعيداً عن هذه المنطقة، فقلت له كيف، فقال: محمد عبده الملحن. فاكتشفت في نفسي فعلاً أنني أحظى بثقافة تراثية من الجنوب وعسير واليمن، وأحفظ الكثير، كما علمني طريقة الألحان وطريقة الغناء المكي وعلمني أشياء كثيرة، فتعلمت منه كيفية الغناء والأداء، وكان يسميني «المسجل»، فتربيت وتتلمذت على يديه، ومن هنا بدأت مراحل التطور في حياة محمد عبده، وواصلت الإلمام بالتراث النجدي، وما كان في ذهني أن أبدأ التلحين في سن مبكرة، وضعت الكثير من الألحان التي تتردد اليوم وتسمعها وكأنها جديدة، وهي من كلماته، مثل «ما في داعي من حنانك» ومثل «صبية بالغواني ما تشوف»، و»ظبي الجنوب»، و»لو كلفتني المحبة»، وكثير من الأغاني. حقيقة، الكلمة التي تميز بها إبراهيم خفاجي السهل الممتنع والكلمة البيضاء، والتي هي بين الفصحى والعامية. وأضاف «عندما كنت أغني خارج المملكة من كلمات خفاجي، سواء في مصر أو لبنان أو أي بلد عربي آخر من خلال المهرجانات والاحتفالات والحفلات كانت أغانيه تصل بسرعة، وبدون أي تساؤل عن المفردات التي تحملها تلك الأغاني، هذا جانب مضيء من جوانب كلماته، ولكن الذي لم يعرفه الكثير ممن يعرفونه أنه شاعر فصحى له كثير من النصوص الفصحى التي تُغنَّى على حناجر المطربين في مكة بطريقة المجس، أو بما يسمى بالموال الحجازي، وأبرزهم حسن جارالله، وسعيد أبو خشبة. واختتم حديثه قائلاً «أستاذنا ومعلمنا إبراهيم خفاجي هذه الليلة وهو يحظى وفي مهرجان الجنادرية بوسام الملك عبدالعزيز من لدن خادم الحرمين الشريفين، فهذا وسام لجميع المبدعين والفنانين السعوديين الذين يحظون برعايته حفظه الله، أتمنى له طول العمر والصحة والعافية». وبعدها حول زريقان المايكروفون للإعلامي حسين نجار والذي تحدث قائلاً «الحديث عن هذه القامة الإعلامية هو حديث ذو شجون، فقد كانت مظلته الوارفة يستظل بها القاصي والداني؛ لأنه لا يميز بين فنان وفنان، وبين واهب وموهوب». وأضاف «دماثة خلق خفاجي لا تشوبها أي بهرجة ، فقد كان يفضل الابتعاد عن الأضواء، وبحكم أنني في بداياتي من خلال الإذاعة كنت أميل إلى البرامج الفنية بدرجة عالية جداً وكان لديّ برنامج «نادي الهواة»، وكنت حريصا على مواكبة نتاج الفنانين في مناسبات مختلفة، فكان إبراهيم خفاجي هو الملاذ الذي أصل إليه؛ لأجد كوكبة من الفنانين، وأقول إن هذا هو المكان المناسب للخروج بأكبر قدر ممكن من البرامج التي تسعد الجماهير في ذلك الوقت، وتزاملت معه في مرحلة تكوين وتأسيس الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون، وكان هو أول رئيس لها، وكان إذا دخل إلينا نحن الأعضاء لا تستطيع أن تميز من هو الرئيس؛ لأنه كان يرفض أن يجلس على مكتب الرئيس، وهذا التواضع أجبرنا على حبه واحترامه. عندما نجح في صياغة النشيد الوطني لأنه صادق فيما قال الكلمات محمد عبده هي من السهل الممتنع وفيها البساطة والإيجاز، وكلنا نعتز بما كتب لأنه قدم صورة صادقة ومن النفس والقلب. وهذا ما يجعل إبراهيم خفاجي في الذاكرة من خلال هذا النشيد الوطني والأبيات الجميلة والمعبرة التي يرددها كل مواطن على أرض المملكة العربية السعودية، وخادم الحرمين الشريفين تأسى بوالده مؤسس هذه البلاد، عندما أتى ليعطي الإنسان كل قيمة يحتاجها، فكيف للإنسان أن يصبح شاعرا أو أديباً دون أن تكون البيئة تساعده على ذلك، فالبيئة لن تكون صحيحة إلا إذا حورب فيها ثلاثة أعداء، الجهل والفقر والمرض، وكان هذا ديدن المغفور له بإذن الله الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن طيب الله ثراه وأبنائه الكرام. وقبل أن ينقل الميكرفون إلى علي فقندش قال الإعلامي يحيى زريقان «السياق اللغوي عند إبراهيم خفاجي والبعد الإنساني في شخصيته جعله قريبا من أبناء المجتمع السعودي كاف، وبذلك فرض نجاحه وبراعته في تصوير ما يجري من تطلعات وطموحات لدينا في تلك المفردات العذبة الندية اللطيفة والرقيقة جداً ذات الخيال الواسع، أعتقد أن علي فقندش الذي يشاركنا اليوم، قد ركض في دروب الكلمة واقترب منها حتى انصهر فيها ببراعة تامة. بعد ذلك تحدث الإعلامي علي فقندش قائلاً «إبراهيم خفاجي الذي لا أستطيع الحديث عنه أكثر من هذا، ولكنني سأوجز، وأقول: إنه صنع وجداننا في أغنيته، وجعلنا ننظر إلى أنفسنا بشكل جميل من خلال أغنيتنا وهو الذي فلسف الكثير من الأمور من خلال عاميته وفصيحه». وبعد كلمة الإعلامي علي فقندش، قال مدير تلك الاحتفالية الإعلامي يحيى زريقان «والآن، نحن مشتاقون لنسمع أستاذنا ومعلمنا إبراهيم خفاجي». وبالفعل اعتلى الشاعر والأديب المحتفى به إبراهيم خفاجي صهوة الحديث، وقال بصوت مؤثر ونابع من القلب «إخواني وأشقائي وأحبابي الذين أتشرف بحضورهم هذه الليلة، أتقدم بالسلام عليكم وأحمد الله سبحانه وتعالى أولاً على ما أغنانا به الله من نعمة، وهذه النعمة العظيمة التي حبانا بها بفضله، ثم بفضل قادتنا وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين، نعمة الأمن والأمان والعزة والكرامة. وأشكر سمو سيدي ولي العهد الأمير نايف بن عبد العزيز ورئيس الحرس الوطني الأمير متعب بن عبدالله بن عبدالعزيز، وعبدالمحسن التويجري الذي حمل لي الخبر الجميل والأمنية التي طالما تمنيتها، وهو الذي اتصل بي وزف لي هذه البشرى، وهي أمر مولاي خادم الحرمين الشريفين بهذا التكريم، وأتقدم بالشكر لكافة الحضور ولا يفوتني أن أشكر محمد عبده، وعلي فقندش، وحسين نجار، ويحيى زريقان، وكل من شارك بهذا التكريم. وختم حديثه قائلاً «لقد بلغت من العمر عتياً وأنا الآن في مرحلة التسعين من العمر، وأتقدم بشكري العميق وسأبقى أكرر شكري الكبير لقادتنا، لما وجدته في بلدي وفي أهلي وفي عروبتي وإسلامي وأرجوكم السماح. وعلى هامش تلك المناسبة، قال السفير اليمني لدى المملكة محمد علي محسن الأحول ل»الشرق»: إبراهيم خفاجي الذي عرفته وقرأت له شعره الذي فيه من العذوبة وفيه من الروح الطيبة، للأرض الطيبة للإنسان الطيب، شاعر تلمس بأشعاره أحاسيس الناس من خلال الأغنية الوطنية أو من خلال الأغنية الطربية وربط أشعار ولهجات الجزيرة العربية، واستطاع أن يربط حتى الشعر الحميني بجزء كبير من شعر الفصحى، خفاجي سننتظر سنوات طويلة حتى تجود الجزيرة العربية بفنان بهذا الحجم بهذا العطاء والتميز الذي عرفناه من خلال أشعاره الجميلة». ومن جهته يقول وزير الثقافة الأردني السابق الشاعر حير محمود ل»الشرق» استمعت إلى كل الكلام الجميل الذي قيل في إبراهيم خفاجي، والذي يستحق التكريم ليس فقط من بلده المملكة العربية السعودية وإنما من كل من لهم علاقة بالكلمة الطيبة لأعترف أمامكم سلفاً، فأنا كشاعر فصحى، ومنحاز للفصحى منذ زمن بعيد ولا أؤمن إلا بها، ولكن شاعراً واحداً من بين شعراء هذه الأمة اسمه إبراهيم خفاجي هو الذي أقنعني وغيرت رأيي بعد أن سمعت كلماته التي هي في كثير من الأحيان أجدها أفضل من الفصحى، وهذه الأغاني الجميلة والتي كتبها خفاجي لمحمد عبده جعلتني على قناعة بأن من الممكن أن نكتب العامية ونطرب لها وتصبح في الواقع أحياناً أفضل منها». وقال رئيس هيئة مهرجان جرش للثقافة والفنون أكرم مصاروة «كل الشكر للقائمين على هذا الحدث العربي الكبير مهرجان الجنادرية الذين أتاحوا لنا الاستمتاع ومعرفة قيمة أدبية ثقافية فنية كبيرة، مثل إبراهيم خفاجي، والمترجم لها حبيب مهرجان جرش محمد عبده». حسن النجار