فازت فلسطين مرة أخرى، وهذه المرة بتصويت ذي أغلبية كبيرة فاقت التوقعات على منحها العضوية الكاملة في منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) على الرغم من ضغوط الولاياتالمتحدة المكثفة التي مارستها على هذه المنظمة وعلى قسم كبير من الأعضاء فيها، بما في ذلك التهديد بقطع التمويل عنها. والنصر الفلسطيني بقبول عضوية فلسطين الكاملة له مغزاه الكبير في هذا التوقيت على وجه الخصوص، بينما يكافح الفلسطينيون بشراسة من أجل الحصول على عضوية دولة فلسطين الكاملة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، ويتعرضون لتهديد "الفيتو" الأميركي في مجلس الأمن. هذا التصويت يشكل صفعة قوية للولايات المتحدة ولسياستها الهادفة إلى مواجهة حق الشعب الفلسطيني في الحصول على الاعتراف الدولي بدولته تمهيداً لإجراءات دولية تضمن إنهاء الاحتلال الأخير على الأرض. وفي الوقت الذي من المفروض فيه أن تعلن الولاياتالمتحدة صراحة وعلى رؤوس الأشهاد أنها فشلت بشكل ذريع وتام في رعاية العملية السياسية وفي تحقيق أي إنجاز يذكر على أي مستوى أو صعيد حتى لو كان لذر الرماد في العيون والتغطية على عدم قدرتها على دفع التسوية، وأنها ترفع يديها عن الملف الشرق أوسطي لتتسلمه الأممالمتحدة بصفتها الجهة الأقدر على تولي هذه القضية والعودة بها إلى المرجعيات الدولية التي صدرت عنها وخاصة قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة التي تؤمن حلاً عادلاً للصراع يفضي إلى السلام والاستقرار والأمن في المنطقة، نجدها تبدو مهلوعة وجزعة من فكرة أن تقرر المنظمة الدولية بأي شأن قد يسمح للفلسطينيين بتحقيق خطوة على طريق الاستقلال وإنهاء الاحتلال. ولا شك أن الموقف الذي تتخذه إدارة الرئيس باراك أوباما من فكرة الاعتراف بدولة فلسطين في أي منظمة دولية حتى لو على مستوى (اليونسكو) مناقض لكل الادعاءات الأميركية التي تظهر الآن كاذبة وفارغة ولا رصيد لا. فلا معنى للحديث عن حل يقوم على خطوط الرابع من حزيران من العام 1967، وفي الوقت نفسه السماح لإسرائيل بالاستيطان في هذه المناطق. وعدم اتخاذ أي موقف لثني الحكومة الإسرائيلية عن مواصلة سياستها الاستيطانية، ولا معنى للدعوة للعودة إلى المفاوضات طالما تعارض الولاياتالمتحدة التزام إسرائيل بمرجعيات العملية السياسية المقرة في قرارات الشرعية الدولية والتي وافقت عليها واشنطن وخاصة "خارطة الطريق" والمبادرة العربية للسلام وقراري 242 و338 لمجلس الأمن الدولي. كما أن الحديث عن وقوف الولاياتالمتحدة إلى جانب بعض الشعوب العربية من أجل حصولها على الحرية والديمقراطية والتخلص من أنظمتها الديكتاتورية هو عبارة عن مزحة سمجة عندما تعارض واشنطن حق الشعب الفلسطيني الأساسي في التخلص من الاحتلال والقمع والقهر وفي الاستقلال الوطني. إدارة الرئيس باراك أوباما ذاهبة في طريق يفتقر إلى الحد الأدنى من الصدقية أو النزاهة أو العدالة. والآن تبدو هذه الإدارة كما الغريق الذي يبحث عن قشة يتعلق بها لعله ينجو في الفشل في الامتحان الانتخابي القادم. ولعل القشة التي يتعلق بها أوباما هي السعي لإرضاء إسرائيل بأي ثمن من أجل الحصول على دعم اليهود له في الولاياتالمتحدة في العملية الانتخابية القادمة. وهذا أكيد له ثمن غالٍ يمس بدور الإدارة الأميركية وبسياسة الولاياتالمتحدة. وليس غريباً أن تكثر التقديرات والتحليلات، في الولاياتالمتحدة وفي أماكن أخرى، التي تشير إلى ضعف الولاياتالمتحدة وتزايد حدة مأزقها على المستوى الدولي، وهو ضعف له أبعاد اقتصادية وسياسية وغيرها. ولكن الأهم هو فقدانها ماء الوجه وما تبقى من أخلاق كانت أساساً في حدودها الدنيا. لن يساعد الولاياتالمتحدة كثيراً إن توقف الدعم عن اليونسكو أو تتخذ إجراءات عقابية أخرى ربما بالتنسيق والتعاون مع إسرائيل، فالأخيرة تشعر بمرارة الهزيمة ولا تدري ماذا تفعل، ولو تتبعنا تصريحات زعمائها، سنجدها مرتبكة متناقضة وتعبر عن هزيمة وفشل مدويين. فمرة يريدون وقف تحويل الأموال، ومرة يريدون معاقبة قيادات السلطة، ومرة أخرى يريدون القضاء على السلطة وتستهويهم فكرة حل السلطة. ولكنهم يشعرون أن الأرض من تحت أقدامهم تهتز وتكاد تميد بهم. فماذا يكون موقف واشنطن عندما يذهب الفلسطينيون إلى منظمات الأممالمتحدة الأخرى غير الجمعية العامة ومجلس الأمن ويحصلون على العضوية الكاملة لدولة فلسطين. وهي تعلم أن هناك 17 وكالة ومنظمة يمكن أن تحصل فيها فلسطين على عضوية كاملة، هل ستبقى تلاحق الفلسطينيين وتطاردهم وتعاقبهم، أم ستستمر في موقفها من العضوية الكاملة في الأممالمتحدة، وهنا قد لا يكون للمعارضة الأميركية أي معنى، وتكون متناقضة مع عملية التصويت والحصول على عضوية في مؤسسات الأممالمتحدة المتخصصة؟! الواضح أن واشنطن كمن ضُرب على رأسه وفقد اتزانه وقدرته على السير بشكل مستقيم، تشعب هجومها بشكل متناقض في كل الاتجاهات وتريد كسب كل العوالم مرة واحدة. وأوباما الذاهب نحو هزيمة شبه مؤكدة في الانتخابات القادمة، لا يعرف أن بلاده ستفقد ما تبقى من هيبة واحترام في سبيل سعيه للحصول على الكرسي. وأنه وإدارته وحلفاءه لا يمكنهم أن يوقفوا عجلة التاريخ، فقد بدأت العدالة، ولو متأخرة كثيراً في أخذ مجراها، ولا بد من مواصلة السير على الطريق نفسه. وهنا لا يوجد خيار أمام القيادة الفلسطينية سوى التدويل وإلقاء الكرة وبقائها في ساحة الأممالمتحدة. فهناك صدر قرار التقسيم، وهناك حصلت إسرائيل على الاعتراف، وهناك حصل الإجحاف والظلم، وهناك تتحقق العدالة النسبية فهل تكون الأممالمتحدة على مستوى المسؤولية؟!.