الإعلان المفاجئ الذي أعلنته اليونسكو من تحفظها على ملف تسجيل جدة التاريخية في قائمة التراث العالمي وما أعقبه من تعقيب وإيضاح لسمو الأمير سلطان بن سلمان رئيس الهيئة العامة للسياحة من أن الهيئة هي التي قامت بسحب الملف المبدئي وليس النهائي بعد التشاور مع إمارة منطقة مكةالمكرمة ومحافظة جدة وإرجاء عرض الملف على لجنة التراث العالمي باليونسكو بعد عامين وذلك لما لحق بالمنطقة التاريخية من أضرار كبيرة نتيجة الأمطار الغزيرة التي تضررت منها جدة مؤخراً إضافة إلى بطء احد المستثمرين في تنفيذ مشاريع التطوير والتحسين والترميم المخططة لهذه المنطقة منذ عدة سنوات. وكما أشار سمو الأمير سلطان في تعقيبه المذكور إلى أن هناك فرقاً كبيراً بين رفض المنظمة لملف الترشيح وبين سحبه لإتاحة الفرصة لمعالجة الأوضاع التي طرأت على الموقع وإعادة تقديمه مرة أخرى بشكل لائق ووفق الأسس العملية التي تستحق بناء عليها أن تسجل ضمن المواقع العالمية و للحقيقة فهذا الأمر وان فوجئ به البعض فهو لم يكن مفاجئاً للكثيرين من عشاق ومحبي جدة والحريصين على تاريخها العريق ومستقبلها المتألق وان تكون دائماً في أبهى وأجمل صورة وممن تعالت أصواتهم منذ زمن طويل بضرورة المحافظة على جدة القديمة خصوصاً وهي البوابة الرئيسية للحرمين الشريفين كما أن عدم تعاون ملاك هذه المباني وإهمالهم لها طوال السنوات الماضية وتحولها إلى دور خربة وآيلة للسقوط لعدم وجود الصيانة الدائمة والاهتمام الكافي بطلائها وتحسينها إضافة إلى التشويه المتعمد لمظهرها الخارجي من قبل البعض منهم ماساهم في سوء وضعها. وبرغم ذلك الإعلان فإن جدة لم تخسر شيئاً بعد وأمامها وقت آخر لاستئناف تقديمها إلى لجنة التراث العالمي بكل ثقة ومسؤولية ومستوى مشرف و لتنضم بجدارة إلى موقعي الدرعية التاريخية ومدائن صالح اللذين سبق أن قدمتهما هيئة السياحة وتم تسجيلهما رسمياً ضمن خارطة المواقع التراثية العالمية. ولعل ثقتنا تزداد أكثر رسوخاً بمستقبل جدة وما ينتظرها من تطوير وتحسين في خدماتها وتاريخها بعد أن لمسنا اهتمام ولاة الأمر حفظهم الله وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي ما أن علم قبل عدة سنوات بما تتعرض له جدة التاريخية من إهمال وانهيارات وحرائق متكررة حتى صدرت توجيهاته حفظه الله بإعداد دراسة متكاملة لتطوير احتياجات المنطقة التاريخية بجدة ووضع برنامج لحماية هذا الإرث الحضاري التاريخي العريق من مخاطر الحرائق وما أعقبه من إعلان أمانة جدة عن القيام بمشروع كبير لمعالجة هذا الوضع المتدهور وبشكل يمثل نقلة نوعية لوضعها المتردي،ولاشك أن تأخر هذه المعالجات حتى الان يشير إلى أن هناك عقبات كثيرة تعترض سرعة التنفيذ وهو ما يتطلب تضافر كافة الجهود من جهات رسمية ورجال مال وأعمال وتعاون ملاك هذه الدور وحرصهم على أن لا تنقرض رئة جدة التاريخية وكنزها المعماري الجميل. وسواء تم تسجيل جدة مستقبلاً أو لم يتم تسجيلها فهي لن تسقط من ذاكرة أهلها وذاكرة الوطن وستظل هي عروس البحر الأحمر وواجهة التراث الحجازي الأصيل ودرة السياحة العربية وكما قيل عنها أم الرخاء والشدة.. وهذا علمي والسلام.