تحفظت منظمة اليونسكو العالمية على إدراج جدة التاريخية ضمن قائمة التراث العالمي بعد قرار المجلس الدولي للمعالم والمواقع الأثرية «الأيكومس» أبعاد ملف جدة من أجندة مؤتمر لجنة التراث العالمي المزمع عقده في شهر يوليو المقبل في مملكة البحرين. وأسند مندوب المملكة الدائم في اليونسكو الدكتور زياد الدريس في حديث ل «عكاظ» أسباب الرفض إلى عوامل فنية بحتة، نتيجة تعرض مواقع جدة إلى حالة من الإهمال، حيث كانت عرضة للاستخدام من قبل من لا يدرك قيمتها، وهي بلا شك كانت محل دراسة معمقة، وقد أثرت بشكل كبير على تقرير الأيكومس، مما دعا الجهات المقيمة في اليونسكو أو في مركز التراث العالمي إلى عدم إخفاء أو تجاوز امتعاضهم من هذا الإهمال لسنوات عديدة. أكد الدريس أنه لا يزال لديهم حتى اللحظة تحفظ على أن إعادة رعاية جدة التاريخية وجدة القديمة تحتاج إلى مزيد من الجهد والبذل، على الرغم من الجهد الكبير الذي تقوم به الهيئة العليا للسياحة والآثار والعزم الذي يوليه صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان للمواقع الأثرية في المملكة، لكن الأكيد أن هناك صعوبات مع جهات أخرى، إضافة إلى انعدام ثقافة الالتفات إلى المواقع الأثرية وهي ثقافة تأخذ عادة وقتا طويلا لدى الشعوب والأوطان ونحن ما زلنا حديثي التجربة وهذه حقائق لا بد أن نعترف بها. وأوضح مندوب المملكة في سياق حديثه ل «عكاظ» أنه عند التفكير في دخول لائحة التراث العالمي واستحضار متطلبات الملف التي تكفل لنا النجاح، فإن تجربتنا من سنتين إلى ثلاث سنوات فقط، وهي تعتبر غير كافية، حيث لابد أن تمر علينا سنوات تعرفنا بكيفية إعادة تأهيل المواقع والمحافظة عليها وكيف يمكن إعادة المواقع المطموسة وبناؤها على نفس الصورة القديمة التاريخية وهذه تلتزم اشتراطات والتزامات في غاية الصعوبة لدى منظمة اليونسكو حتى يمكن أن تسجل في ذاكرة العالم. وأكد الدريس، أن جدة تتطلب جهدا كبيرا مثلما تقوم به الهيئة العاليا للسياحة والآثار، وذلك من قبل محافظة جدة وأمانة مدينة جدة، ونأمل أن تصحح الأوضاع ونستطيع تسجيلها لاحقا. وفي سؤال عن مدى تفاؤله بتسجيلها قريبا، قال الدريس «قريبا .. لست متفائلا، لكني متفائل بتسجيلها، لأنه تم استبعادها في هذه الدورة ولن تكون الدورة الثانية إلا بعد سنة إلى سنتين من الآن، حيث ستكون الفرصة الأولى، وهذا يعطينا مساحة لإضافة تحسينات وجهود أكثر». وفي سؤال عن أن الأسباب تقنية بحتة كما ذكر، لكن كيف يمكن أن تتعارض مع القيمة التاريخية للمكان، قال الدريس: بلا شك أن اليونسكو تقر بأن المكان محتفظ بقيمته التاريخية لكن ما ضاع من القيمة التاريخية الحقيقية يمثل نسبة كبيرة جدا جعل الهيئة المختصة في التقييم «الأيكومس» تتردد في إعطاء القيمة لما بقي. وامتعض مندوب المملكة من القرار قائلا «إن هذا ليس من الإنصاف لأنه حتى لو بقي هناك الشيء البسيط تظل هناك القيمة التاريخية، وإذا نجحت الخطة الموضوعة لتشغيل الموقع وحمايته وإمكانية الاستفادة منه سياحيا سيكون الموقع جاهزا للتسجيل». من ناحية أخرى، أوضح ل «عكاظ» كيشور راو مدير مركز التراث العالمي في منظمة اليونسكو أنه لم يقع رفض ملف جدة حتى اللحظة من قبل منظمة اليونسكو بشكل مباشر، كونه لا يزال في مراحله الأولى التي تبدأ عادة من مركز «الأيكومس» في باريس المكلف بدراسة الملفات بناء على منهج علمي ومتطلبات واشتراطات اليونسكو المملاة عليه مسبقا، ووضع التوصيات التي تكفل انضمام الموقع إلى قائمة التراث العالمي خلال جلسة المؤتمر السنوي، موضحا أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال تجاوز توصيات «الأيكومس»، وقد جرت العادة حسب قانون التراث العالمي عند وجود أية ملاحظة أو تحفظ أن يعاد الملف كاملا إلى الدولة التي تطلب الترشيح وفق تقارير علمية توضح الخلل أو التعديل المطلوب، وفور التصحيح يتم قبول الطلب فورا وتسجيله في مؤتمر العام الذي يليه. وأكد في سياق حديثه على أن ملف جدة تمت إعادته من قبل «الأيكومس» مباشرة متضمنا نقاط الخلل التي تحتاج إلى عمل مكثف من أجل التسجيل قبل الرفع به إلى لجنة التراث العالمي في منظمة اليونيسكو. وقال كيشور راو إن اليونسكو تهتم كثيرا بتسجيل المواقع الأثرية في ذاكرة العالم وخاصة تلك التي تحمل رمزية تاريخية تراثية أو ثقافية أو إنسانية جمالية. وسبق للمملكة أن سجلت موقع مدائن صالح كأول موقع أثري عام 2008، وتبعه تسجيل الدرعية القديمة في العام 2010 كمواقع أثرية سعودية تجمع النسق بين الجوانب التاريخية والثقافية بعد أن تجاوزت كل متطلبات واشتراطات اليونسكو بجدارة. من جهته، أوضح ل «عكاظ» مدير المنظمة الدولية للمواقع والمباني التاريخية مونير بوشناق أن أكثر ما اعترض تسجيل موقع جدة التاريخي هي مراحل تطور الملف، لأن تقديم الملف يتطلب وقتا، والحقيقة أن طريقة تعامل اليونسكو مع هذه تسجيل المواقع التاريخية معقد جدا، لكنني متأكد من خلال اطلاعي مع مجموعة من الخبراء السعوديين أن جدة التاريخية منطقة طبيعية وثقافية في نفس الوقت لأنها في حقيقة الأمر تجلب النظر لأي زائر.