كانت تشتكي ليل نهار من المملل والضجر والسأم لكل من تعرفه ومن لا تعرفه حين تجد الفرصة لذلك ولم يكن بها علل غير ضياع مشاعرها بين الشكاوي ومرارة الحياة وهي التي تعيش بين أسرتها الصغيرة الطيبة، لم تشعر بالدقائق والساعات والأيام التي تمر بها كمر السحاب وهي لا تفتأ تستجدي العطف من الجميع رغم أنها متعلمة وموظفة يحسدها الجميع على مكانتها في العمل والتي تكسبها رخاء الحياة لم تكن تعاني غير عدم القناعة بأي شيء فلا تجد على لسانها غير السخط على كل شيء لم تلقِ بالاً لأنعم الله الكثيرة عليها فلم تكن مُعاقة ولا قبيحة الصورة..لم تستوعب الزمن الذي يمر بها مسرعاً ويُقصر من عمرها كانت تحتاج إلى الوقوف قليلاً والتأمل والبحث عن ذاتها بين مشاعرها المُشتتة فكم من المواقف التي نمر بها تستدعي منا تسخير بعض من تفكيرنا وطاقاتنا لإيجاد حلول تساعدنا على تخطي صعاب من الطبيعي تواجدها في طريقنا خلال رحلتنا القصيرة في هذا العالم الرائع..بل اعتمادها على الآخرين قد تغلغل في دمائها وأعماها عن ما أنعم الله عليها من صحة ولم تر غير ما ينقصها فقط وتنكر كل ما تملكه! هكذا تمر أيامها ولياليها حتى ذلك اليوم الذي استيقظت فيه على دق شديد على باب منزلها أثناء سفر أهلها وتركها وحيدة بسبب ارتباطها بالعمل، كان زوج جارتها يستغيث بمن يساعده للبقاء مع زوجته حتى يتسنى له إحضار الطبيب ولم يكن أمامه غير جيرانه الملاصقين.. كان باب بيته مفتوحاً على مصراعيه وزوجته مغطاة بملاءة وهي ملقاة على الأرض! لم تنطق ببنت شفة بل أسرعت لنجدة المرأة الممددة على مرأى منها بعدما التفت بمحرامها وتركهما الرجل وهبط الدرج مسرعاً للإتيان بالطبيب. مدت يدها لتسقي المرأة بعض الماء ابتسمت لها وهدأتها وسرها أن تسمع كلمات كم سمعتها ولكنها كانت تمر على مسمعها مرور الكرام وهي: شكراً يا ابنتي والله "جنة بلا ناس ما تنداس" توقف تفكيرها وتمعنت في معان كلمات كم غفلت معانيها في زحمة الشكوى الُمرة والإحساس السلبي وهمست لنفسها: وأنا أتمنى الوحدة والبعد عن أهلي ماذا لو حدث لي ما حدث لجارتنا؟ إذن لأرضى بما قسمه الله لي ولأبعد سلبيات المشاعر التي كادت أن تقضي علي ولأبدأ بفتح صفحة جديدة تعيد إلي الحياة ولأتعلم العيش بسلام مع نفسي وأهلي وفعلاً إغاثة المحتاج ما هي إلا الثمن الحقيقي للحياة ينشط الإنسان وينسيه همومه ويدخل السعادة على حياته بإسعاده ومساعدته للآخرين. وهكذا تسير بنا الحياة. وصدق المثل الصيني حين قال: أزرع شجرة بدلاً من صب اللعنات على الصحراء. ولا يوجد ما يستحق الندم غير ما يضيع من العمر في هذا الندم. [email protected]