يعد الكتاب أحد أهم مصادر المعرفة ، وهو وعاءٌ من أوعية العلم ، وإن انتشار الكتب والمكتبات من مؤشرات التقدم الحضاري والرقي في كل أمة ، ولقد أكثرت الأمة في التأليف والتصنيف ؛ فكثرت المؤلفات وتنوعت بجميع فنونها ، وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى ( 10 / 665) ما نصه وقد أوعبت الأمة في كل فن من فنون العلم إعاباً ؛ فمن نور الله قلبه هداه بما يبلغه من ذلك ، ومن أعماه لم تزده كثرة الكتب إلا حيرةً وضلالاً ). وفي هذه الأيام نستعد لاستقبال مناسبة ثقافية هي إحدى الواجهات الحضارية والمعرفية للمملكة العربية السعودية ؛ ألا وهي افتتاح معرض الرياض الدولي للكتاب . ولم يعد هذا المعرض مجرد حراك ثقافي محلي فحسب ؛ بل أصبح تظاهرة معرفية على مستوى العالم العربي والدولي ، مجسداً المنهجية الثقافية للمملكة ، ومستقطباً للكثير من العلماء والمثقفين والأدباء ، والعديد من دور النشر والمكتبات من جميع أنحاء العالم العربي والإسلامي ، ويحتوي هذا المعرض* على بعض المراكز الثقافية والتعليمية وأجنحة للجامعات والمعاهد ، وإن حضوره لفرصة سانحة وثمينة لطلاب العلم وللمثقفين والباحثين ؛ لكي يتزودوا من موارد المعرفة ، ويتحصلوا على الجديد من نفائس الكتب وأوعيتها الحديثة ، تحت سقف واحد دون أي عناء أو تعب ، وعلى الراغب في الذهاب لحضور هذه المناسبة الثقافية أن يستحضر* في ذهنه وفي أجندته قبل الذهاب ما يلي : أولاً: كتابة قائمة بأهم الكتب والمراجع المراد شراءها . ثانياً : مراجعة بعض العناوين الجديدة عن طريق الشبكة العنكبوتيه الإنترنت . ثالثاً: استحضار أسماء أهم دور *النشر والمكتبات . رابعاً: الانتقاء عند أخذ الكتب وعدم الإقبال على شراءها إلا بعد تفحصها سريعاً والتأكد من محتواها وعدم وجود أي سقط أو بياض في ثناياها . خامساً: تحديد وقت كافي للتجول في المعرض والإطلاع على البرامج الثقافية المصاحبه له. سادساً : التأكد من تسعيرة الكتاب إذ قد يوجد في مكتبة بقيمة وفي أخرى بقيمة مغايرة. سابعاً : شراء بعض الكتب المناسبة وإهدائها للزوجة والأبناء ؛ لغرس حب القراءة في نفوسهم وتعويدهم عليها وجعل شعار لهم مكتبتي .. تبني حضارتي . والمؤمل من هذا المعرض أن يسهم بشكل فاعل في إثراء الحركة الثقافية والمعرفية ، بما يقدمه من عناوين جديدة ، وأمسيات فريدة ، وندوات عديدة ، بما يمثل مهرجاناً ثقافياً وفكرياً ، متجاوزاً ما يصاحبه من مظاهر ؛ كالإقصاء في زمن العولمة ، لبعض الكتب باستثناء ما يمس المعتقد والأخلاق والسياسة الشرعية ، وتكرار بعض العناوين المعروضة ، والفعاليات المستنسخة ، وفي هذا المعرض وغيره من المعارض تظهر قيمه الكتاب الورقي ومزاحمته للتقنية ، ويظل هو الحدث الأبرز بعيداً عن الأوعية المعرفية الأخرى: لا شيء أجمل في الدنيا لمكتسب** ** إلا الثقافة بالآداب والكتب بها الرياض رياض العلم يانعة**** قطوفها قد دنت تهدى لذي طلب *ومما يلفت النظر إليه *من خلال المعارض السابقة تهافت الكثير من أبنائنا وبناتنا على شراء بعض الروايات التي لا فائدة منها والمبالغة في ذلك .. على أن بعضها لا تساوي المداد والورق الذي *كتبت به ، ولكنها تظل ملء العين والبصر عند أصحابها وكما قيل : كل فتاة بأبيها معجبة في حين أنه يوجد في المقابل بعض الروايات الرائعة والهادفة والممتعة . *ومما يلفت النظر كذلك ظاهرة * توقيع الكتاب والتي بدأت تجتاح الوسط الثقافي ، في حين أن قيمة الكتاب في محتواه لا في توقيع صاحبه ، ونجد بعضاً من الرجال والنساء يتجمهرون على منصات التوقيع ويتزاحمون لشراء بعض الروايات والكتب الموقعة من مؤلفيها ، وإقامة بعض المناسبات والاحتفالات لهذا التوقيع ، وأخذ الصور الفوتوغرافية مع المؤلف وهو يوقع الكتاب ! فما فائدة هذا التوقيع إذا لم يكن إهداءً ، وأخشى أن تكون ظاهرة توقيع الكتاب ماهى إلا من دواعي التقليد أو الترويج للكتاب ليس إلا ..حيث تجعل من المؤلف يقوم بدور غير مطلوب منه ؛ يتمثل في وقوفه كسلعة أمام إصداره! بينما التوقيع في حقيقة الأمر في نظري هو الذي يُقَدَمُ إهداءً حاملاً بين طياته صدق المحبة والتعبير ، وعمق المشاعر ، ونشر ثقافة الإهداء . *وأتمنى من وزارة الثقافة والإعلام أن تدرس مدى إقامة هذا المعرض في أكثر من مدينة ليسهل على الجميع الحضور إليه والمشاركة فيه ، والحرص كذلك على المزيد من التطوير لهذا المعرض ، وإكسابه صفة تجديدية أكثر إتساعاً وعمقاً ؛ بعرض نماذج من تجارب المثقفين والأدباء مع القراءة والتأليف ، وتجارب بعض الوراقين في طباعة الكتب ، وعقد ندوات عن المحافظة على التراث وعن تغريب الألقاب العلمية ، وإيجاد أجنحة للكتب المستعملة للبيع والتبادل - سواء كانت نادرةً أو أقل ثمناً - ؛ وأخرى للمخطوطات للعرض والشراء ، ودعم بعض البرامج المتخصصة في عرض الجديد من الكتب على مدار العام ، كبرنامج الخزانة بقناة زاد الفضائية والذي يقدمه الأستاذ الفاضل عبدالله البطاطي، أو برنامج واحة الكتب بقناة الرسالة والذي يقدمه الأستاذ ابراهيم السلمي وغيرها من البرامج الفضائية والإذاعية ؛ بإتاحة فرصة المشاركة لها من خلال عرض الجديد من الكتب ، وإجراء المقابلات مع بعض المؤلفين والوراقين ، لإيصال الجديد للقارئ ومعرفته به قبل مجيئه للمعرض. وآمل أن يساهم معرض الرياض الدولي للكتاب لهذا العام في ربيع موعود للقراءة وتوسيع للمدارك بالإطلاع والفهم ، وأن يخلق فضاءً علمياً وفكرياً يقيم جسوراً للمعرفة والثقافة لرواده ؛ إذ أن نجاحه ليس مقتصراً في كثرة الحشود والأفواج المتزاحمة عليه ؛* بل في التنقيب والبحث الدؤوب عن الكتاب المميز ، والتحقيق الهادف المستحق للقراءة و المجالسة والاقتناء : أعز مكانٍ في الدنى سرج سابحٍ*** * وخيرُ جليسٍ في الأنام كتابُ وختاماً : أرفع لمقام رائد نهضة الثقافة والتعليم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود أمده الله بالصحة والعافية جزيل الشكر والعرفان على رعايته الكريمة لهذا المعرض ، والشكر موصول لوزارة الثقافة والإعلام ممثلة في معالي الوزير ، ولجميع رؤساء وأعضاء اللجان المنظمة لهذا المعرض سائلين الله عز وجل للجميع التوفيق والسداد.