يعد الكتاب أحد أهم مصادر المعرفة، وهو وعاء من أوعية العلم، وإن انتشار الكتب والمكتبات من مؤشرات التقدم الحضاري والرقي في كل أمة، ولقد أكثرت الأمة في التأليف والتصنيف، فكثرت المؤلفات وتنوعت بجميع فنونها، وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في «مجموع الفتاوى» (10 / 665) ما نصه:( وقد أوعبت الأمة في كل فن من فنون العلم إعابًا، فمن نور الله قلبه هداه بما يبلغه من ذلك، ومن أعماه لم تزده كثرة الكتب إلا حيرةً وضلالًا ). وفي هذه الأيام نستعد لاستقبال مناسبة ثقافية هي إحدى الواجهات الحضارية والمعرفية للمملكة العربية السعودية؛ ألا وهي افتتاح «معرض الرياض الدولي للكتاب» والمنعقد خلال الفترة 13/4/ إلى 23/4 / 1433ه ولم يعد هذا المعرض مجرد حراك ثقافي محلي فحسب؛ بل أصبح تظاهرةً معرفيةً على مستوى العالم العربي والدولي، مجسدًا المنهجية الثقافية للمملكة، ومستقطبًا للكثير من العلماء والمثقفين والأدباء، والعديد من دور النشر والمكتبات من جميع أنحاء العالم العربي والإسلامي، ويحتوي هذا المعرض على بعض المراكز الثقافية والتعليمية وأجنحة للجامعات والمعاهد، وإن حضوره لفرصة سانحة وثمينة لطلاب العلم وللمثقفين والباحثين؛ لكي يتزودوا من موارد المعرفة، ويتحصلوا على الجديد من نفائس الكتب وأوعيتها الحديثة، تحت سقف واحد دون أي عناء أو تعب، وعلى الراغب في الذهاب لحضور هذه المناسبة الثقافية أن يستحضر في ذهنه وفي أجندته قبل الذهاب ما يلي: أولًا: كتابة قائمة بأهم الكتب والمراجع المراد شراؤها. ثانيًا: مراجعة بعض العناوين الجديدة عن طريق الشبكة العنكبوتية» الإنترنت» . ثالثًا: استحضار أسماء أهم دور النشر والمكتبات. رابعًا: الانتقاء عند أخذ الكتب وعدم الإقبال على شرائها إلا بعد تفحصها سريعًا والتأكد من محتواها وعدم وجود أي سقط أو بياض في ثناياها. خامسًا: تحديد وقت كافٍ للتجول في المعرض والاطلاع على البرامج الثقافية المصاحبه له. سادسًا: التأكد من تسعيرة الكتاب إذ قد يوجد في مكتبة بقيمة وفي أخرى بقيمة مغايرة. سابعًا: شراء بعض الكتب المناسبة وإهداؤها للزوجة والأبناء؛ لغرس حب القراءة في نفوسهم وتعويدهم عليها وجعل شعار لهم «مكتبتي .. تبني حضارتي». والمؤمل من هذا المعرض أن يسهم بشكل فاعل في إثراء الحركة الثقافية والمعرفية، بما يقدمه من عناوين جديدة، وأمسيات فريدة، وندوات عديدة، بما يمثل مهرجانًا ثقافيًا وفكريًا، متجاوزًا ما يصاحبه من مظاهر ؛ كالإقصاء -في زمن العولمة-، لبعض الكتب باستثناء ما يمس المعتقد والأخلاق والسياسة الشرعية، وتكرار بعض العناوين المعروضة، والفعاليات المستنسخة، وفي هذا المعرض وغيره من المعارض تظهر قيمة الكتاب الورقي ومزاحمته للتقنية، ويظل هو الحدث الأبرز بعيدًا عن الأوعية المعرفية الأخرى: لا شيء أجمل في الدنيا لمكتسب إلا الثقافة بالآداب والكتب بها الرياض رياض العلم يانعة قطوفها قد دنت تهدى لذي طلب ومما يلفت النظر إليه من خلال المعارض السابقة تهافت الكثير من أبنائنا وبناتنا على شراء بعض الروايات التي لا فائدة منها والمبالغة في ذلك .. على أن بعضها لا تساوي المداد والورق الذي كتبت به، ولكنها تظل ملء العين والبصر عند أصحابها وكما قيل : « كل فتاة بأبيها معجبة « في حين أنه يوجد في المقابل بعض الروايات الرائعة والهادفة والممتعة . ومما يلفت النظر كذلك ظاهرة « توقيع الكتاب « والتي بدأت تجتاح الوسط الثقافي، في حين أن قيمة الكتاب في محتواه لا في توقيع صاحبه، ونجد بعضًا من الرجال والنساء يتجمهرون على منصات التوقيع ويتزاحمون لشراء بعض الروايات والكتب الموقعة من مؤلفيها، وإقامة بعض المناسبات والاحتفالات لهذا التوقيع، وأخذ الصور الفوتوغرافية مع المؤلف وهو يوقع الكتاب! فما فائدة هذا التوقيع إذا لم يكن إهداءً، وأخشى أن تكون ظاهرة «توقيع الكتاب» ماهي إلا من دواعي التقليد أو الترويج للكتاب ليس إلا ..حيث تجعل من المؤلف يقوم بدور غير مطلوب منه؛ في وقوفه كسلعة أمام إصداره! بينما «التوقيع» في حقيقة الأمر في نظري هو الذي يُقَدَمُ «إهداءً» حاملًا بين طياته صدق المحبة والتعبير، وعمق المشاعر، ونشر ثقافة الإهداء. وأتمنى من وزارة الثقافة والإعلام أن تدرس مدى إقامة هذا المعرض في أكثر من مدينة ليسهل على الجميع الحضور إليه والمشاركة فيه، والحرص كذلك على المزيد من التطوير لهذا المعرض، وإكسابه صفةً تجديديةً أكثر اتساعًا وعمقًا ؛ بعرض نماذج من تجارب المثقفين والأدباء مع القراءة والتأليف، وتجارب بعض الوراقين في طباعة الكتب، وعقد ندوات عن «المحافظة على التراث» وعن «تغريب الألقاب العلمية»، وإيجاد أجنحة للكتب المستعملة للبيع والتبادل -سواء كانت نادرةً أو أقل ثمنًا- ؛ وأخرى للمخطوطات للعرض والشراء، ودعم بعض البرامج المتخصصة في عرض الجديد من الكتب على مدار العام، كبرنامج «مداد» بقناة دليل الفضائية والذي يقدمه الأستاذ الفاضل إبراهيم السلمي، أو برنامج «عصير الكتب» وغيرها من البرامج الفضائية والإذاعية ؛ بإتاحة فرصة المشاركة لها من خلال عرض الجديد من الكتب، وإجراء المقابلات مع بعض المؤلفين والوراقين، لإيصال الجديد للقارئ ومعرفته به قبل مجيئه للمعرض. وآمل أن يساهم « معرض الرياض الدولي للكتاب « لهذا العام في ربيع موعود للقراءة وتوسيع للمدارك بالاطلاع والفهم، وأن يخلق فضاءً علميًا وفكريًا يقيم جسورًا للمعرفة والثقافة لرواده؛ إذ أن نجاحه ليس مقتصرًا في كثرة الحشود والأفواج المتزاحمة عليه؛ بل في التنقيب والبحث الدؤوب عن الكتاب المميز، والتحقيق الهادف المستحق للقراءة و المجالسة والاقتناء. أعز مكانٍ في الدنى سرج سابح وخيرُ جليسٍ في الأنام كتابُ وختامًا: أرفع لمقام رائد نهضة الثقافة والتعليم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود -أمده الله بالصحة والعافية- جزيل الشكر والعرفان على رعايته الكريمة لهذا المعرض، والشكر موصول لوزارة الثقافة والإعلام ممثلة في معالي الوزير الدكتور عبدالعزيز خوجة، ولجميع رؤساء وأعضاء اللجان المنظمة لهذا المعرض سائلين الله عز وجل للجميع التوفيق والسداد. * عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية.. وعضو الجمعية السعودية للدراسات الدعوية