يولد الإنسان لا جاهلا ولا عالما ، وعقله عبارة عن مساحة واعية ولا واعية ذات قابلية للنمو والإستيعاب لأي شيء ، إذا ، لا وجود لشيء أسمه جهل أو علم دون تعلم ، فمن لم يتعلم ليس جاهلا ، ولكن من تعلم قد يكون جاهلا ! هناك كم ونوع من المؤثرات الخارجية ، وطرق متعددة لإيصالها للعقل ، وطرق مختلفة لاستقبال العقل لها ، وهناك مؤثرات ذاتية قد تتأثر بطرق التعلم والإكتساب المعرفي ،، هذا الكم والنوع من المؤثرات يمكن تصنيف استقبال العقل لها وتفاعله معها إلى - علم - جهل - ثقافة - معرفة - مهارات ، ويمكنني تعريف كل صنف من هذه التصنيفات فيما يلي - العلم - الإيحاطة بالشيء وفهمه ، الجهل - الإيحاطة والفهم الخاطئان ، الثقافة - هي كل ما يحيط بالإنسان منذو ولادته حتى وفاته من عادات وتقاليد وقيم وعقائد ومعتقدات وتصورات وسلوكيات وأنظمة وأيديولوجيات ومهارات ، وهي الأنماط المهنية والمعيشة والوسائل وأنماط الحياة الاجتماعية والأفكار السائدة ومعطيات الحضارة والتكيف العقلي والمصادر المختلفة للمنافع والأضرار ، المعرفة - كل ما أحاط به الإنسان فهما وإدراكا من الوجود ، القدرات الذاتية - وهي القدرات الذهنية والإبداعية والقدرة على الخلق والتجديد والتحليل ومهرات التوظيف الغوي والفكري ، مصادر التعلم واكتساب العلم والمعرفة والجهل وتنمية المهارات القدرات العقلية - أ- التراكمية البيئية - كل ما يتلقاه الإنسان من بيئاته المحيطة - الاجتماعية ، الطبيعية ، والثقافية من علوم ومعارف ومهارات مهنية ، إلا أن الفرد يمكن أن يتلقى "الجهل" ويتعلمه بشكل أبرز من الثقافة المحيطة ، ولكن قدرة العقل لدى البعض على الفرز والإنتقاء واستيعاب ما يتوافق مع رؤيته الذاتية ولفظ المتعارض معها يمكن أن يحد من امتصاص وتشرب الفرد ل"مادة" الجهل في الثقافة ، وذلك على العكس من الإستيعاب المطلق لدى البعض الآخر للجهل من الثقافة أما بسبب تشربه لمعلوماتها الناقصة والمشوشة أو بسبب تقبله لكل ما تفرزه الثقافة دون تمحيص 0 ب- النظام التعليمي - يتلقى المتعلم في المدارس والجامعات والمراكز التعليمية الأخرى شتى العلوم الطبيعية والمعارف والنظريات والأفكار الفلسفية ، وجميعها مستمد من نتاج الثقافة الذاتية والثقافات الأخرى ، وتراكميات الحضارات المختلفة العلمية والمعرفية والفلسفية ، ويؤدي النظام التعليمي وظيفته التعليمية وفقا لمنهجيات واستراتيجيات وأساليب تعليمية معينة تخضع لحاجة النظام من التعليم وتنمية الإنسان ، ودور النظام التعليمي نفسه ، ووعي المجتمع ، واتجاهات القائمين على النظام التعليمي ومؤسساته التعليمية نحو المتعلم وكيفية تكون هذه الاتجاهات ، ويهتم التعليم باكتشاف وخلق وتنمية القدرات الذاتية للفرد وتفجيرها ، وتنمية المواهب والقدرات الإبداعية لدى الفرد وإكسابه طرق التفكير العلمية ، ويسعى التعليم دائماً لتطوير أساليب الاكتشاف والخلق وتنمية الجوانب الإبداعية والقدرات والمهارات الذاتية للفرد ، إذا ، هذا هو المبدأ الأساس المفترض في النظم التعليمية في العالم ، ولكن الإختلاف من مجتمع لآخر يأتي حينما يتبع التعليم أساليب تعليمية متخلفة ، أو يخضع لسياسات تعليمية تقلل من أهمية التعليم والمتعلم وتهمش المعلم وتنتهج انتقائية معينة في بعض ما "يعلم" تتفق مع اتجاهات الأشخاص المؤثرين في العملية التعليمية من جهة ومع الاتجاه الذي يساوي بين التعليم وبين الخدمات الاجتماعية الأخرى كوظيفة تقليدية من جهة أخرى ، أو حينما تجتمع كل هذه العوامل السلبية معا ، فأن الإنسان (المتعلم) يكتسب ويتعلم الجهل ! بل ويصبح التعليم حافزا لاكتساب المزيد من الجهل من الثقافة المحيطة بالفرد ، وعاملا هاما من عوامل التأثير السلبي للجهل على المجتمع ، ثم لا يتوقف الأمر عند هذا الحد بل أن "خريج" مدرستي الجهل "التعليم والثقافة" يعلم بدوره الجهل ويعمل على نقله للأجيال التي تليه ! أما كيف يمكن للتعليم - إذا ما استوعبنا سهولة اكتساب الفرد للجهل من الثقافة - أن يعلم الجهل فيمكن فهمه من خلال المنهج والأساليب التعليمية التالية - - الحفظ ، وكثير من المعلومات المحفوظة أما خاطئة أو مبنية على معايير وأراء خاطئة ، - حشو وتلقين كثير من المعلومات والآراء كحقائق مطلقة يقينية لا تقبل التشكيك أو المناقشة ، - الإعتماد في تقدير مستوى المتعلم التعليمي على "الحفظ" لا على الفهم والاستيعاب والاستنتاج والقدرة على التحليل ، - اعتماد فرص العمل بعد التخرج على "الشهادة" لا على ما تعلمه الطالب وكيفية تعلمه ، - انعدام الحوافز المشجعة والدافعة للتعلم والبحث وتنمية التفكير بطريقة علمية ، - إهمال وإغفال المؤسسات التعليمية جوانب اكتشاف وتنمية المواهب والخلق والإبداع والقدرات الذاتية 0 على أساس ما تقدم استطيع القول أن الجهل يعلم ويلقن ويكتسب في بلادنا ، في مؤسساتنا التعليمية وفي بيئتنا الثقافية ، كما تعلم الفيزياء والفلسفة وكما تكتسب العادات والتقاليد !!