محكمة في نيويورك ستقرر الثلاثاء مصير الأميركي من أصل إيراني، منصور أربابسيار، لتدينه بالعقوبة القصوى كما طلب الادعاء العام، وهي السجن 25 سنة، أو 10 أعوام تلبية لطلب الدفاع، أو ربما بحل وسط يزجوه معه 15 سنة وراء القضبان، لمحاولته اغتيال السفير السعودي في واشنطن، عادل الجبير، بتكليف من مسؤول إيراني وبأسلوب دموي من السهل الممتنع، أي بتفجير مطعم كان سيرتاده السفير، وبمن فيه من زبائن. أربابسيار، الذي جمعت "العربية.نت" معلومات واردة عنه في ما كتبوه طوال 19 شهرا منذ اعتقاله، مولود قبل 57 سنة في إيران التي هاجر منها بعمر 21 عاما في 1977 إلى الولاياتالمتحدة، حيث دخل كلية للهندسة الميكانية، لكنه لم يكمل دراسته، ثم تزوج من أميركية انفصل عنها في 1987 ليتزوج بثانية طلقها أيضا، وله منها ابن وحيد يقيم معها حاليا، ثم تعرف إلى ثالثة لم يتزوجها وأم من سواه لثلاثة أبناء، ومعها ومعهم أقام في منزلها ببلدة "كوربس كريستي" الساحلية في تكساس، ثم انفصل عنها وأقام وحيدا في مدينة "راوند روك" بالولاية نفسها. أما السفير الجبير، فأبصر النور في 1962 بمدينة المجمعة في شمال منطقة الرياض، وكان في السابق مستشارا للمك عبد الله بن عبد العزيز للشؤون الخارجية، وهو حاصل على بكالوريوس من جامعة شمال تكساس بالاقتصاد والعلوم السياسية، كما وماجستير بالعلوم السياسية والعلاقات الدولية من جامعة جورج تاون في واشنطن، وتم تعيينه سفيرا في 2007 لدى الولاياتالمتحدة. مليون دولار لاغتيال الجبير كان أربابسيار ميسور الحال يملك عقارين ومرآبا لشراء وبيع السيارات المستعملة، مع محل للوجبات السريعة في مركز "صنرايز مول" بالمدينة التي كان مقيما فيها، الا أن أحواله ساءت، فسافر ببداية 2011 الى ايران والتقى بابن عم له اسمه علي غلام شاكوري، الموصوف في التحقيقات بأنه عضو بارز في فيلق القدس، فعرض عليه قتل السفير الجبير لقاء مبلغ كبير، وللحال وافق أربابسيار الذي عاد الى تكساس لينسج فيها مخططا "كان يديره من طهران شريكه وابن عمه الفار من العدالة الأميركية" وفق الوارد في صحيفة الاتهام. يمضي الاتهام بحيثيات وموجبات مستمدة من التحقيق مع أربابسيار بعد اعتقاله، فيذكر أن تصفية السفير كانت ستتم ساعة تناوله الطعام يوم 5 أكتوبر 2011 في مطعم اعتاد ارتياده مرتين بالأسبوع في واشنطن، ولقاء مليون دولار كان سيتقاضاها، وأكثر منها بنصف مليون كانت ستذهب لمهربي مخدرات مكسيكيين اتصل بهم ليساعدوه بالتنفيذ. وكان ممثلو الادعاء أوضحوا في وثائق قدموها للمحكمة بنيويورك قبل شهر أن أربابسيار يستحق أقصى عقوبة بالسجن لأنه كما كان سيقضي على العشرات لو نجح مخطط الاغتيال في مطعم سيكون مكتظا بالرواد كعادته وقت الغداء أو العشاء، لذلك وصفوا ما خطط له بأنه "جريمة خطرة للغاية" على حد تعبيرهم. لكن محاميته سابرينا شروف، طلبت بعد اعترافها بخطورة ما كان سيقدم عليه، أن تكون العقوبة 10 سنوات على الأكثر، متذرعة بأنه يعاني من مرض Bipolar mood disorder المعروف باسم "الاضطراب الثنائي القطب" عربيا، وهو نفساني يدفع بصاحبه الى أعمال غير مسؤولة، ويجعله مستصغرا للشرر لا يعي عواقب ما يفعل، طبقا لما قرأت "العربية.نت" مما كتبوه عن المرض المعتبر من عائلة الشيزوفرانيا الخفيفة تقريبا. ووقع أربابسيار في الفخ الحاسم وبدأت القصة، طبقا لما راجعته "العربية.نت" في مصادر متنوعة، باستئجار أربابسيار لمن كانوا سينفذون عنه اغتيال الجبير "بتكليف من مسؤولين عسكريين إيرانيين" طلبوا منه السفر إلى المكسيك للالتقاء بمهربي مخدرات يمكنهم تأمين قادرين على التنفيذ، فسافر مرات عدة الى هناك بين ربيع وخريف 2011 لاعداد المخطط لقاء مليون دولار قال ان مسؤولا بفيلق القدسالايراني كان سيدفعها له، وهو ابن عمه شاكوري. وأهم ما طرأ على المخطط هو فخ حاسم وقع فيه أربابسيار منذ أول يوم بدأ يتصل بمهربي المخدرات المكسيكيين ليساعدوه، لأنهم كانو مثله تماما لا يدرون أن ممثلهم الذي كلفوه ليتفاوض معه على التنفيذ حين كان يلتقيه في المكسيك، لم يكن سوى مخبر لجهاز مكافحة المخدرات الأميركي، فكشف المخبر للقيّمين على الجهاز حقيقة أربابسيار ومخططه لاغتيال السفير، وسريعا رصده "أف.بي.آي" وظل وراءه حتى اعتقلوه قبل أسبوع من اليوم الموعود للاغتيال. أيضا في صحيفة الاتهام التي قدمها الادعاء العام لمحكمة مانهاتن الفيدرالية، ما ذكره أربابسيار نفسه للمحققين عن التقائه في مناسبات عدة بين مايو ويوليو/أيار وتموز 2011 بمن انتحل شخصية ممثل لمهربي المخدرات المكسيكيين، في حين لم يكن ذلك "الممثل" سوى العميل CS-1 في المكسيك لجهاز المكافحة الأميركي، وفي أول لقاء سأله أربابسيار عما اذا كانت لديه معرفة بالمتفجرات وتوابعها، وأخبره بنيته شن هجوم على السفارة السعودية في واشنطن وقتل السفير، فرد "سي أس-1" بالايجاب وأن بامكانه مساعدته على تنفيذ ما يرغب. "لا تهتم، وامض في المشروع" بعدها بأقل من 3 أسابيع أبلغه "سي أس-1" عند لقائهما في المكسيك ثانية بحاجته لما لا يقل عن 4 رجال لاغتيال السفير، وطلب مليون و500 ألف دولار كمقابل للتنفيذ، فوافق أربابسيار مشترطا أن يتم قتل السفير أولا قبل شن هجمات أخرى سبق وناقشها معه، كما أخبره أن لديه وشركائه 100 ألف دولار جاهزة للدفع له كمقدم، وصارحه بأن ابن عم له يقيم في ايران هو من طلب منه العثور على شخص لاغتيال السفير، وأن ابن العم جنرال بالجيش الايراني. في 17 يوليو/تموز 2011 اجتمعا ثالثة في المكسيك، وأخبره "سي أس-1" أنه كلف أحد العاملين معه بالتوجه إلى واشنطن لمراقبة السفير، ثم أثار مع أربابسيار احتمال مقتل مارة أبرياء عند التنفيذ، فقلل أربابسيار من مخاوفه وشجعه على المضي في المخطط، وقال: "يودون الاجهاز عليه ولو قتل معه المئات.. ليذهبوا الى الجحيم". ثم اقترح تفجير مطعم في واشنطن يرتاده السفير عادة لقتله فيه، فنبهه "سي أس-1" بأمكانية سقوط قتلى بالتفجير، ومنهم أعضاء بالكونغرس الأميركي اعتاد بعضهم ارتياد المطعم نفسه، فقال له أربابسيار: "لا تهتم، وامض في المشروع". في أول أغسطس/آب، كما في 9 منه أيضا، أجرى أربابسيار حوالتين خارجيتين بقيمة 100 ألف دولار الى حسابات سرية عدة من دون أن يعلم بأنها لمكتب التحقيقات الفيدرالي "أف.بي.آي" كدفعة أولى لصالح "سي أس-1" مقابل عملية الاغتيال، ظنا منه أن الحسابات تخصه، ثم أخبره بأنه سيقوم بتأمين بقية المليون و500 ألف دولار بعد قتل السفير مباشرة، لكن "سي أس-1" طلب ضمانات حين أخبره يوم اجتمعا مجددا في 20 سبتمبر/أيلول بأن كل شيء اكتمل للاجهاز على الجبير بتفجير المطعم وهو فيه يتناول الطعام اذا اقتضى الأمر. تمضي صحيفة الاتهام وتذكر أن "سي أس-1" طلب في ذلك الاجتماع من أبرابسيار تسديد بقية النصف مليون و500 ألف دولار المتفق عليه، أو أن يتوجه بنفسه إلى المكسيك ليكون فيها رهينة لدى زملائه مهربي المخدرات حتى تسديد كامل المبلغ، فوافق أربابسيار وتوجه بعد 8 أيام إلى المكسيك، وحين وصل الى مطار عاصمتها منعوه من دخولها، من دون أن يشرحوا الأسباب، وأعادوه في اليوم التالي على أول طائرة إلى الوجهة التي أتى منها، وهي نيويورك، وفي مطارها يوم 29 سبتمبر/أيلول 2011 كان رجال "الأف.بي.آي" بانتظاره، فاقتادوه مكبلا بالأصفاد. "انسفه عن بكرة أبيه" أما الشريك والممول ومدير لمخطط، غلام شاكوري، فالمعروف عنه وارد معظمه في موقع "همبستجي" الاخباري الايراني الذي أطلعت "العربية.نت" على ترجمة ما ذكره، بأنه جنرال يتقن العربية واسمه الأول بهنام، وهو من مدينة همدان وانضم بنهاية 1979 للحرس الثوري، وشارك بالحرب العراقية الإيرانية، وكان واحدا ممن قاموا في 1980 بتعذيب وقمع المعارضة الإيرانية، كما شارك بمذبحة السجناء السياسيين في 1988 بايران، وله مكتب في لبنان، واتصال مباشر بنعيم قاسم، نائب الأمين العام لحزب الله. ورد في "همبستجي" أيضا أن القصد من مخطط اغتيال السفير السعودي "هو العمل على تسريع وتيرة الثورة في البحرين، بطرق تمت مناقشتها ووضعوها في قمة أولويات لجنة خاصة تنسيقية برئاسة علي أصغر حجازي، وتحت إشراف المرشد الأعلى علي خامنئي". وان مخطط الاغتيال "كان بمباركة وموافقة خامنئي نفسه، وتولى شاكوري مسؤولية تنفيذه باعتباره الساعد الأيمن للمرشد للعمليات في البحرين" على حد ما ورد في الموقع الاخباري. وعودة الى صحيفة الاتهام، فقد تضمنت ما لا يمكن تجاهله، وله معنى من الاصرار على قتل الجبير مهما كانت العواقب، وهو نقاش جرى مرة بين "سي أس-1" وأربابسيار، طبقا لاعترافاته الواردة في ملف التحقيقات، وخلاله وجه الأول سؤالا مهما: "سيكون هناك أميركيون بالمطعم، فهل تريد قتل السفير داخله أم في الخارج" ؟ بسرعة أجاب أربابسيار: "الطريقة ليست مهمة، اذا كنت أنت من سيفعلها فاقتله مباشرة. لكن اذا رأيت آخرين حوله فلن يكون لك خيار". وعاد "سي أس-1" وقال: "سيكون في المطعم بين 100 و150 شخصا في وقت واحد، وبينهم أعضاء في الكونغرس" فأجابه أربابسيار بما معناه: "اذا استطعت قتله خارج المطعم، فلا بأس، والا فانسفه وهو فيه.. أعني، انسف المطعم عن بكرة أبيه".