خرج الدكتور عبد العزيز بن أحمد الحميدي، الأستاذ المساعد بقسم العقيدة بكلية الدعوة وأصول الدين بجامعة أم القرى، في ظهور هو الأول، شارحا ومحللا مفاهيم التطرف والغلو، والأساليب التي انتهجتها التنظيمات المتطرفة لتفسير النصوص وخلط السياقات الفكرية بهدف التضليل والهوى. جاء ذلك في برنامج للتلفزيون السعودي عرضه في الجمعة الأولى من شهر رمضان المبارك، في أولى حلقات برنامج «همومنا» في جزئه الثاني، الذي سيتواصل عرضه في كل يوم جمعة من شهر رمضان المبارك. ويعتبر الحميدي أحد المتخصصين في المذاهب، بالإضافة إلى أنه قد مر بتحولات فكرية، أكسبته فهما أشمل للظواهر المرتبطة بقضايا الغلو والتطرف. وتطرقت حلقة الجمعة الأولى من رمضان إلى قضية مهمة لها علاقة بأصل من أصول الشريعة الإسلامية، تلك المسألة قد ضل فيها أقوام عندما حادوا عن فهم هذه المسألة فهما صحيحا، وفق ما أراده الله - عز وجل - ووفق ما بلّغ به النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - ولذلك قام بعض من الناس باستغلال هذا، والولوج إلى فكر الشباب، شباب الأمة، عندما فهموا هذه المسألة وهذا الأصل فهما يغاير فهم المصطلح الشرعي، حاول البعض من الناس واستطاعوا أن يغيروا في فكر كثير من الشباب إلى ما يكون فيه تشتيت للمجتمع وزعزعة للأمن وتفرقة للصف. وسعت الحلقة وراء تمحيص مفهوم الولاء والبراء، الذي يعد أحد أهم أصول الشريعة الإسلامية، واعتبر الولاء والبراء المحبة التي ينبني عليها طاعة الله وطاعة رسوله، ونصرة الله ونصرة رسوله ودينه وكتابه، والانضمام إلى جماعة المسلمين وموالاتهم ومحبتهم ونصرتهم ضد من يناصر عدوهم، فقاعدتهم الأساسية هي المحبة التي هي قاعدة الدين الأساسية والأصلية، فلا يتصور دين بلا محبة، كما لا يتصور دين بلا موالاة تامة لله - سبحانه وتعالى - ولرسوله - عليه الصلاة والسلام - وأهل السنة يربطون موضوع الولاء والبراء بالمحبة التامة وبالنصرة وبالطاعة التامة لله بحسب الاستطاعة، ولذلك الولاء والبراء ارتباطهما بمفهوم الدين، وهو محبة الله ورسوله، ارتباط وثيق، بل هو علامة المحبة الخالصة لله ورسوله - عليه الصلاة والسلام- فإلى نص الحديث، كما ورد في التلفزيون السعودي: قال الدكتور الحميدي: «الموضوع كبير وعظيم، عندما يتكلم أي متكلم عن موضوع الولاء والبراء، كأنك وضعته أمام بحر كبير ليلخصه في كلمات يسيرة، وهذا قد يكون عسيرا، ولكن الولاء والبراء هو الدين؛ لأن قاعدة الأصلية الولاء والبراء المحبة التي ينبني عليها طاعة الله وطاعة رسوله، ونصرة الله ونصرة رسوله ودينه وكتابه، والانضمام إلى جماعة المسلمين وموالاتهم ومحبتهم ونصرتهم ضد من يناصر عدوهم، فقاعدتهم الأساسية هي المحبة التي هي قاعدة الدين الأساسية والأصلية، فلا يتصور دين بلا محبة، كما لا يتصور دين بلا موالاة تامة لله - سبحانه وتعالى - ولرسوله - عليه الصلاة والسلام - وأهل السنة يربطون موضوع الولاء والبراء بالمحبة التامة وبالنصرة وبالطاعة التامة لله بحسب الاستطاعة، ولذلك الولاء والبراء ارتباطهما بمفهوم الدين، وهو محبة الله ورسوله، ارتباط وثيق، بل هو علامة المحبة الخالصة لله ورسوله - عليه الصلاة والسلام. * في مسألة المحبة الآن الولاء والبراء، بمعنى أن الولاء والبراء المحبة بعينها والكره بعينه، أي أنني أحب المسلم وأكره الكافر، القضية هنا أصبح لها متسع، وأصبح لها مفهوم خاطئ في هذه النقطة، بمعنى أنه يجب عليك أن تكره كل كافر مطلقا، وبمعنى أنه لا توجد علاقة بين المسلم والكافر إلا علاقة الكفر، وأن لا أتصور الكره عفوا, وأن لا أتصور أنه يوجد بين المسلم والكافر علاقة محبة نسبية، هل هذا المفهوم ممكن أن ندخله في الولاء والبراء، وأن نعمم بأن الولاء والبراء المحبة مطلقا أو الكره مطلقا؟ - المقصود أن تتوجه محبة العبد المؤمن عندما يؤمن بالله ورسوله، تتوجه محبته لربه وخالقه ومبدعه ورازقه ولرسوله الكريم - صلى الله عليه وسلم - ولدينه القويم ولإخوانه المسلمين، هذا لا يمنع أن يكون الإنسان مرتبطا بمحبة طبيعية في أمور كثيرة، كقريبه لو كان كافرا، كوالده أو والدته؛ كيف نفهم حزن النبي - صلى الله عليه وسلم - على وفاة أبي طالب مثلا على غير الإسلام، إلا لأنه كان يحبه، والدليل قوله تعالى: «إنك لا تهدي من أحببت» وقيل أحببت هدايته، وكلاهما صحيح؛ كان يحب الهداية له لأنه يحبه، لقرابته منه، الميل الطبيعي والمحبة الطبيعية، كما لو تزوج. * وضح لي هذه المحبة الطبيعية - الله يحفظك - يعني هل يقصد بالمحبة الطبيعية مطلق المحبة؟ - مطلق المحبة لله، المحبة الخالصة المطلقة لله، لكن هناك محبة طبيعية لا بد منها؛ شخص أحسن إليك ورأيت منه وفاء أو رأيت منه خيرا أو رأيت منه خلقا. * أو بينك وبينه علاقة تجارية؟ - بعضهم يسميها المحبة العقلية، وبعضهم يسميها المحبة الطبيعية، أي العقل يحب أو الإنسان يحب الخلق الطيب، يحب الصدق، ويحب الوفاء، ويحب الكرم، فإذا صدرت هذه من شخص غير مسلم فسيكون له ميل، ويكون له احترام معين، ويكون له تقدير معين، لا لشخصه كشخصه، ولا لما يتبناه من دينه، ولا ليقدم هذا الحب الطبيعي أو العقلي على ما يطلب من المؤمن من محبته التامة لله خالقه ولرسوله - عليه الصلاة والسلام - وذلك عند التعارض يجب أن يلغى. * ما المحبة الطبيعية؟ - محبته الله ومحبته رسوله وإن جاهداك. * ألا تسمى محبة الله محبة طبيعية أيضا؟ - لا، هي محبة طبيعية، لكنها عاطفة دينية بمعان أعظم، العبد عرف أن الله ربه وخالقه ومعبوده والإله الحق، وهو رب العالمين، وهو الذي بيده حياته وموته ونجاته وفوزه وربحه، فكل هذه ستضيف إليه، والسبيل إلى الله والوصول إليه هو محبته التامة الخالصة، فلا بد أن تزيد زيادة كبيرة على المحبة الطبيعية، محبة الجائع للطعام محبه طبيعية، محبة الظمآن للماء محبة طبيعية، محبة المريض للشفاء محبة طبيعية. * هل تقصد أن هذا ما يدخل في الولاء والبراء؟ - ما يدخل أصلا في مجال الولاء والبراء أمور طبيعية. * دعني أستعرض معك قول الله عز وجل «يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات» ؟ - في نكاح الكتابية تقصد..؟ * نعم، ثم يقول الله – عز وجل - «والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب» أباح الله - عز وجل - لنا أن نتزوج من المحصنات من الذين أوتوا الكتاب. - نعم اليهودية والنصرانية. * هذه غير مسلمة، هل نتصور أن توجد علاقة زوجية بين الرجل والمرأة؟ - من دون محبة ومودة وتآلف ما يكون بين الزوجين. * مع أن الله - عز وجل - يقرر أنه بين الزوجين مودة وألفة ورحمة، إذن؟ - هذا هو المقصد. * كأنني وإياك نقرر.. - أن علاقة الرجل بزوجته ليست كأي علاقة. * بالضبط، فالمقصود بالولاء والبراء وبما يتعلق بالمحبة (المحبة الدينية)، أنك تحبه أو تواليه بمحبتك الدينية له، هذا الذي يجب علينا أن نتنبه له، فأنا أحب فلانا. - لذلك عند التعارض هي تظهر. وإذا عادى هذه الزوجة مثلا الكتابية، أو عادى هذا القريب، النبي - صلى الله عليه وسلم - أو سبه أو عادى الله أو قدح في الإسلام أو ظهرت منه مضرة على المسلمين، فيجب هنا أن تقدم محبة الله، ويجب عليه أن يُهجر ويُكره وُيترك وتنبني عليه مواقف. عندما أمر الله - سبحانه وتعالى - ببر الوالدين والإحسان إليهما وخدمتهما ولو كانا كافرين، ثم قال: «وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علمٌ فلا تطعهما وصاحبهما» مع وجود الميل الطبيعي أيضا، يعني قطعا كل ابن لو كان له أب مثلا غير مسلم يتمنى إسلامه أكثر مما يتمنى إسلام أي كافر على وجه الأرض، هذا الميل لأنه أبوه وهذه أمه أو هذا أخوه أو هذا قريبه، فلا بد من وجود هذه المحبة ولا يمكن إلغاؤها نهائيا، إلا عندما يعادي الله ويعادي النبي - صلى الله عليه وسلم - ويحارب ويصبح منه مضرة عظيمة، هنا يجب معاداته والتبرؤ منه تورعا لله. * دعني أنتقل الآن للمسائل المتعلقة بالولاء والبراء.. هذا هو المفهوم الشرعي للولاء؟ - نحن نريد المسائل التي قد يظهر عند البعض أنها تعارض مفهوم الولاء والبراء الشرعي، المبني على قاعدة المحبة والنصرة، وهي في الحقيقة لا تعارضها لا من قريب ولا من بعيد، نريد أن نوضح فعلا، لأن هذه هي التي تضع النقاط على الحروف كما يقال. * أنا أعتقد أن من أهم المسائل التي يتحدث عنها الناس ويتعلقون بها في مسألة الولاء والبراء، ويدخلون فيها، مسألة المحبة، ما يتوقعه البعض من أنه عندما تجري معاهدة بين دولة إسلامية ودولة كافرة، أو عقد تجاري أو عقد مصالح مشتركة بين شخص مسلم وشخص غير مسلم. - أو عقد صلح حسب تسمية الفقهاء. * أو عقد صلح، نعم، صلح وتصالح، يعتقدون أو يربطون بأن المسألة (مسألة الولاء والبراء) يجب أن ترتبط بالمحبة الدينية ارتباطا وثيقا، ولذلك يدخلون مسألة الصلح والتصالح والمعاهدات الدولية والفردية، وحتى المعاقدات التجارية في باب الولاء والبراء، ويقولون يجب علينا أن نوالي من لدينا محبة دينية معه، ولا نشارك ولا نعاهد ولا نصالح من هو على غير ذلك؟ - الصلح والتصالح مع الكفار أذن الله - سبحانه وتعالى – به، ومارسه وفعله النبي - صلى الله عليه وسلم - ممارسة عملية طوال حياته، ومورس بعده في عهود الخلفاء الراشدين، ولولا أن الله - سبحانه - علم عندما أذن للنبي بالمصالحة، وفعلها النبي، أنها لا تعارض ولا تقدح في ولاء المؤمن ونصرته وانضمامه ومحبته لله ورسوله، وبراءته من الكفر وأهله في شيء، لما أذن الله بها؛ لأن الله لا يمكن أن يأذن بشيء فيه تعارض، ولا يمكن للإنسان أن يفعل شيئا وفيه نوع من المضادة لأمر الله والمضادة لهذا العنصر الأساسي والباب الكبير، ألا وهو باب الولاء والبراء، فالصلح والتصالح مع الكفار بأنواعه أو نوعيه، والفقهاء قسموه إلى نوعين أساسيين يحتاجه المسلمون في حياتهم العملية. * وهذان النوعان ما هما؟ - هناك قاعدة مهمة جدا، وهي أن الإسلام هو الدين الختامي للأديان، والنبي - صلى الله عليه وسلم - هو النبي الخاتم، فالشريعة الإسلامية جاءت لتكون صالحة للعمل والتطبيق لكل زمان ولكل مكان، وتراعي ظروف المسلمين وأحوالهم على كل الأحوال وكل التغيرات، فليس المسلمون في كل وقت أقوياء، وليس المسلمون في كل وقت ظاهرين، وليس المسلمون في كل وقت منتصرين، تأتي عليهم ظروف وأحوال؛ إما في مجموعهم وإما في بعض بلدانهم يكونون في موضع ضعف، وفي موضع قلة، وفي موضع فقر، والكفر والكفار من حولهم بدولهم ظاهرون عليهم، فيحتاجون حاجة ملحة وضرورية لوجودهم ودفع الشر عنهم، إلى شيء من المعاهدات والمعاقدات والتصالح مع الكفار، سواء كان صلحا مؤقتا، وهو النوع الأول، كما يقسمه العلماء، بسنوات محددة؛ مثلا عشر سنوات كصلح الحديبية، صلح النبي - صلى الله عليه وسلم - مع قريش وهم من ألد أعدائه كما نعرف، وحاربوه قبل صلح الحديبية في عدة حروب كبرى كبدر وأحد والأحزاب، وعقد معهم المعاهدة على عشر سنوات يأمن الجانبان، ويختلط المسلمون بالكفار والكفار بالمسلمين وتضع الحرب أوزارها «وأن بيننا عيبة مكفوفة» أي أن الصدور سليمة ونيات حسنة على الوفاء وعدم الغدر وعدم نقض المعاهدة، ولولا أن قريشا نقضتها بإعانتها حلفاءها على حلفاء النبي - صلى الله عليه وسلم - لاستمر عليها النبي - عليه الصلاة والسلام - وهناك صلح مفتوح لا يؤقت بوقت. * هذا النوع الثاني..؟ - نعم، ويبقى ساريا ما التزمه الطرفان، هذا النوع الثاني. الإمام البخاري - رحمه الله - في «الجامع الصحيح» في أواخر كتاب الجهاد عقد أبوابا؛ أبواب الجزية والموادعة والمصالحة مع أهل الحرب وأهل الذمة، وأدخل في هذه الأبواب أبواب الجزية والموادعة، التي ختم بها كتاب الجهاد بابين يحققان المقصود في نوعي الصلح المؤقت والمفتوح، فقال - رحمه الله -: «باب الصلح ثلاثة أيام» أو أكثر مع الكفار، وذكر حديث قصة الحديبية، حديث مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة، ثم ذكر بعدها باب الصلح من دون توقيت مع الكفار (مفتوحا)، يبقى ساريا ما التزمه الطرفان، وقد فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - يعني صالح وعاهد بني قريظة وهم اليهود، يهود قريظة، ويهود النضير، ويهود بني قينقاع من دون تحديد، أنهم لا يعيننا أحدا عليه ولا هو يعين أحدا عليهم ولا غش ولا خديعة ولا حرب بينهم، ولو أن كل قبيلة من هذه القبائل الثلاث اليهودية نقضت من قبلها المعاهدة لاستمر عليها النبي - صلى الله عليه وسلم - من دون توقيت، بل ذكر البخاري قصة معاهدة النبي - صلى الله عليه وسلم - لمجوس هجر من جهة البحرين (مجوس عاهدهم النبي، عليه الصلاة والسلام) على عدم الاعتداء وعدم الحرب وتوفي النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا العهد باق ومستمر، ولذلك رعاه أبو بكر الصديق بعده واستمر عليه، ورعاه عمر بن الخطاب كذلك بعده واستمر عليه، ومعاهدته ليهود خيبر مشهورة جدا؛ على أن لهم نصف الثمار والنبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه نصف الثمار، واستمرت إلى عهد عمر حتى نقضوها لما اعتدوا على عبد الله بن عمر وكادوا يقتلونه، فاعتبر هذا نقضا لهذا العهد، فأجلاهم من خيبر، فصار صلحا مفتوحا استمر إلى وفاة النبي - عليه الصلاة والسلام - واستمر في عهود الخلفاء صلحا مفتوحا لم يؤقت، لأن المصلحة تقتضيه. ليس من مصلحة المسلمين أن يكونوا في حالة حرب دائمة ومستمرة في كل وقت وكل يوم مع الكفار، لا يطيقون ذلك، وستأتي عليهم ظروف، لأن الإسلام سيبقى صالحا إلى آخر الزمان. دولة مسلمة مثلا في مثل هذا الزمن الذي نحن فيه مستضعفة ضئيلة، مساحتها صغيرة، وسكانها قليلون، قوتها محدودة، حولها دول كافرة عاتية، فإن من مصالحها القوية، بل من الضرورات، أن يعقدوا الصلح مع هذه الدولة بعدم الاعتداء، ولا يؤقتونه بأي وقت ويكون بينهم تعاون تجاري، يسلمون من شرهم، ويسلمون من مكرهم، ويسلمون من أذيتهم، ويأمنون على أنفسهم وعلى دمائهم وعلى أموالهم. هذا من ما تقتضيه المصالح الكبرى، ولا يقدح ذلك في شيء، لأنه لو قدح لم يكن النبي ليمارسه - صلى الله عليه وسلم - لا في الحديبية ولا مع مجوس هجر ولا مع يهود خيبر. * يثار دائما في هذه النقاط المعاهدات التي تجريها بعض الدول الإسلامية، أو الدول الإسلامية تجريها، لأن العالم أصبح كله قرية واحدة، مع منظمات الأممالمتحدة، ومع الدول الكافرة الأخرى في أمور تجارية، وفي أمور اقتصادية، وفي أمور أمنية... - هذا أمر آخر، هذا من الممكن أن نجعله أمرا آخر كمصالح مشتركة بين البشر لا يمكن إغفالها، ولا يمكن لشعب مسلم أو بلد أن يعيش هكذا وحده، لا يبيع، ولا يشتري، ولا يتاجر، ولا يتعلم، ولا يعلم، ولا يتأثر، ولا يؤثر في مجالات كثير، وفي أمور مشتركة، وفي مصالح مشتركة، وفي أضرار مشتركة يتفق عليها البشر، يعني مثلا في زمننا الحاضر، الجريمة المنظمة جريمة عابرة للحدود - كما يقولون - الإرهاب مثلا، المخدرات، الأمراض التي تنتشر، هذه الفيروسات التي تظهر بين الوقت والآخر، الاتجار بالبشر، غسيل الأموال، أمور كثيرة جدا، تقوم بها عصابات دولية لا تعترف بحدود، ولا تعترف بدين أصلا. * فضيلة الشيخ، من يقدر المصلحة؟ - يقدرها القائم على أمر المسلمين، حاكمهم، ولي أمرهم، الذي يقدر مصلحة بلده وشعبه في ذلك، وإلا فما فائدة الإمام! ما فائدة الحاكم في ذلك؟ وما وظيفته إلا تقدير المصلحة في هذه الأمور الكبار، والأصل في ذلك حتى يأتي الدليل حتى لا يكون، وابن القيم قال عبارة عظيمة في النقطة هذه قال: «هل تقتضي مصالح الشريعة إلا ذلك» يعني كأنه رأى أنه لا يمكن إلا ذلك ما دام ما تحققت فيه المصلحة، وهي متحققة بدفع الشر ودفع الأذى ودفع الضرر، لما جاءت الأحزاب عام الأحزاب، كما ذكر ذلك ابن سعد في كتاب «الطبقات» ونقله عنه كل من كتب في السير بعده وحاصروا المدينة في يوم الأحزاب وأصبح المؤمنون في حالة من الكرب وحالة من البأس أبلغ تصوير لها ما قاله الله سبحانه وتعالى في سورة الأحزاب «إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنون. هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا» وجاء مع قريش قبائل غطفان وفزارة من شرق المدينة وحاصروها ونقضت قريظة، يهود قريظة نقضوا العهد مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وانضموا مع الأحزاب فاجتمعت الأحزاب من كل ناحية على النبي - صلى الله عليه وسلم – والصحابة، وكان الصحابة في حال من الشدة وحال من الجوع حتى والبرد الشديد وجهد لأنهم كان يحفرون الخندق لمدة خمسة عشر يوما، فلما رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - ما بأصحابه من الجهد والبرد والشدة، ولو حصل واقتحم الأحزاب المدينة لكانت إبادة وانتهاء الإسلام وانتهاء المسلمين لأن هذا هو الإسلام كله في ذلك الوقت، راسل زعماء قبائل غطفان وفزارة عيينة بن حصن وغيره راسلهم وفاوضهم وراودهم على أن يرجعوا مقابل أن يعطيهم ثلث ثمار المدينة يعني ثلث الناتج المحلي يعني بالعبارة الأوضح من ثروة المدينة في ذلك الوقت، وهي التمر لأن ما عندهم إلا التمر يعطيهم الثلث وفي بعض الروايات النصف لكن الثلث أصح على أن يرجعوا ولا يحاربوا معهم، وكأن العبارة تشير بأن المعاهدة تبقى مستمرة فلا يعادونه ولهم كل سنة ثلث الناتج من التمر تمر المدينة لهم ثلث الناتج كله، ولولا أن السعدين «سعد بن معاذ وسعد بن عبادة» منعا النبي - صلى الله عليه وسلم - وقالا يا رسول الله كنا وهم في الجاهلية لا يطمعون أن يحصلوا على حبة تمرة إلا قرى أو بيعا فقال - صلى الله عليه وسلم - «إنما شيء فعلته لكم لأني رأيت العرب رمتكم عن قوس واحدة» أنتم الآن في حالة تحتاجون لمثل هذا الأمر، وقد يقول قائل النبي - صلى الله عليه وسلم - فاوضهم وراودهم وهم ليفعل ولكنه لم يفعل لأن السعدين منعاه فكيف يتم الدليل قد يرد هذا، لكن الشافعي لما استنبط هذا الحكم من هذه القصة بناها على قاعدة الأصولية الفقهية العظيمة فقال ما هم به النبي - صلى الله عليه وسلم - وأراد فعله بالقوة ينزل في الحكم منزلة ما فعله بالفعل لأنه لا يهم ولا يقصد بفعل ما هو باطل في الأصل، هذه قاعدة مهمة فيتم بها الدليل، ولذلك البخاري - كما قلت لك - وضع هذه الترجمة كاستنباط لأن الدليل عندهم معتبر في ذلك فقال باب معاهدة التعاقد أو التصالح مع الكفار لدفع شرهم على مال ونحوه»، وابن القيم اعتبرها من الشريعة وقواعدها ومصالحها لا تقتضي أصلا إلى ذلك. * وتحقُّق العدل؟ - وتحقق العدل. * نقطة مهمة في هذه المسائل التي تتحدث عنها.. هذه المسائل التي لها دليل صحيح وصريح في المسائل المتعلقة بالولاء والبراء، نجد أن كثيرا من الشباب قد يُحجب، إما يحجب عن العلماء وعن تدارس هذه المسائل مع العلماء، وإما أن تُشوه الصورة (صورة العلماء وصورة الولاة) ليتم قطع الصلة ما بين فكر هذا الشاب والتزود العلمي من العالِم، الذي هو التوجيه الواعي الفاهم من الوالي، فتارة يتهمون العالم بأنه عالم سلطة، وتارة يتهمون الوالي بأنه يتعارض في أفعاله وتصرفاته مع الولاء والبراء، وذلك ربما يكون كافرا، أو يؤكدون كفره وكفر من لم يكفره من العلماء، ليقطعوا الصلة ما بين هذا الفكر (فكر هذا الشاب) والنقطة التي تنبع منها المعلومة الشرعية التي ذكرتموها؛ فهل لكم من تعليق لشبابنا..؟ حقيقة الشباب بحاجة لمثل هذه الأحاديث وهذه المسائل، ليعلموا أن الشريعة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان. - الشيطان يفتح للإنسان مداخل خطيرة وكثيرة ليضله عن سبيل الله، ليشغله بعيوب الآخرين عن عيوبه، هناك أمر يسمى بالتكمل الزائف، ويستخدم في باب الدراسات التربوية والنفسية، الإنسان يتكمل، خاصة في مراحله الأولى، مراحل الشباب، يتكمل تكملا وهميا زائفا لا حقيقة له، نحن نعلم أن العلم بحر واسع يحتاج إلى سنين طويلة من الدراسة والتحصيل والقراءة والحفظ، كما قال بعض العلماء: «العلم إن أعطيته كلك أعطاك بعضه، وإن أعطيته بعضك لم يعطك شيئا». فيقول الشاب: هذا العالم كافر، هذا العالم مراءٍ، هذا الداعية يحب الشهرة والظهور، هذا التاجر فاجر لأنه ما يزكي كما ينبغي، هذا كذا، هذا كذا، وهو بهذه الطريقة يستوعب الخديعة الشيطانية فيتكمل؛ أنا سلمت من هذا الكفر (كفره)، فأنا ما شاء الله. * يزهو بنفسه؟ - يزهو، أنا سلمت من النفاق الذي وقع فيه هذا العالم، فأنا أشد إخلاصا، أنا سلمت من حب الشهرة وحب الدنيا فأنا زاهد، أنا سلمت من كذا، فيتكمل بما ليس بكمال، بوهم زائف، فيظن نفسه في النهاية شيئا مذكورا، وهو لم يحقق شيئا، ومدخله هو الحكم على الآخرين؛ من أسهل الأمور أن تحكم، ومهمتنا نحن في هذه الحياة الدنيا قبل أنبياء الله وبعد أنبياء الله، ما هي مهمتنا؟ إصلاح أنفسنا وإصلاح الآخرين ما استطعنا، والدعوة إلى الله، عندنا رسالة، عندنا دين، عندنا شريعة نريد أن نبلغها للناس، نريد أن نوصلها للناس، وهذا يحتاج إلى عمر مديد وأزمان طويلة، وإلى صبر، ولكن ما تتوقع وأنت تعلم الناس أمر الله، أو تدعوهم إلى الله؟ أن يستقبلوا كلامك بالترحاب..؟ توقع العكس، فلذلك لا بد أن تصبر. * خاصة إذا تحدثت بما يخالف الهوى والرغبات والحماس والعاطفة.. - غالبا، وهذا ما نحتاجه في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي باب الدعوة، سواء مع الكفار أو مع عموم المسلمين، الصبر وطول النفس، فيستعيضون عن هذا بالحكم؛ هذا لا تكلمه، هذا لا يُسمع، هذا ما فيه خير، هذا ما كذا.. هكذا. ثم يبرر لنفسه أنه هو الذي سيقوم بالواجب عوضا عن هذا الجمع كله، نبي الله يونس - عليه الصلاة والسلام - وهو من أنبياء الله العظام الذين نؤمن بهم، وقع عليه عتاب إلهي من الله - عز وجل - تبعه عقاب تأديبي تنبيهي، ليس عقابا بمعنى العقاب؛ كان يدعو قومه كغيره من الأنبياء، ويصبر على إبطائهم عنه، وواعدوه أن يستجيبوا له ثم أبطأوا عليه، فغضب منهم، وخرج، وهجرهم، وترك البلدة التي هم فيها، وخرج قبل أن يأذن الله له بذلك، وقبل أن يأتيه أمر الله بذلك، وخرج مغاضبا كما قال الله تعالى: «وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه»، أي لن نعاقبه أو نضيق عليه، فوقع في البحر، فألقي في البحر، فلقمه الحوت، فأصبح في قاع البحر في تلك الظلمات، فسبح الله ودعاه واعترف بفقره وخطئه، فنجاه الله - سبحانه وتعالى - بسبب أنه حصل عنده نوع ما من المغاضبة لقومه لإبطائهم عليه قليلا، فنستفيد من هذا أن المسلم والمؤمن والداعية والشاب والفتاة والمرأة والكبير والصغير هم جميعا رسل، رسل بمعنى مبلغين وهداة للخلق، ليس بالضرورة بعلم ولا بكلام ولا بمحاضرة، بل ربما بالخلق، بالطهر، بالنبل، ببسطة الوجه، بسلامة التصرفات، بالوفاء، بعدم الغدر، هذه كلها وسائل ورسائل عظيمة جدا، وتحتاج إلى صبر وتحمل الأذى. أنا شفت البرنامج على قناة المجد بعد الظهر .وانتم تقولون القناة السعودية . إلا إذا كنتم تعتقدون أن قناة المجد سعودية بولائها قبل سويعات شاهدت جزءاً من البرنامج على القناة \" الإخبارية \" السعودية .. فأقول كم نحن بحاجة لشرح وتحليل المشكلات التي تتلبس في الأمة في حين تغط بعض وسائل الإعلام بأمور أشبه بالتوافه .. كلنا لتقدير لكل من سعى في تقديم كلمة الحق ، والله ولي التوفيق .. البرنامج ظهر في السعودية والمجد والاخبارية ،والواحد يتأكد قبل مايتهم عموما البرنامج كان رائع ،والشيخ ماشاء الله مليان