ظهر سيف الإسلام القذافي في حوار على قناة العربية هادئا على غير العادة فلم يحرك بأصبعه مهددا عباد الله ولم يساوم الناس على حقوقهم الطبيعية في التعليم والصحة والأمن، وبالرغم من أن سيف الإسلام لا يملك أي صفة رسمية تمنحه حق الحديث عن الأوضاع في ليبيا باستثناء أنها (جماهيرية أبيه) إلا أن إيقاعه الهادئ هذه المرة مكنه من الإشارة إلى قضية مهمة جدا حين تحدث عن المشايخ وعلماء الدين العرب الذين يهاجمون أباه هذه الأيام ويهدرون دمه بينما كانوا قبل أشهر قليلة يذهبون إلى ليبيا كي يتملقوا القذافي ويحصلوا على الهبات والعطايا ويمتدحون (الأخ القائد) وأبناءه، وقد قال سيف الإسلام مانصه: (لقد كانوا يلعقون أحذيتنا)!. ولا أظن أن هؤلاء المشايخ والعلماء البارزين يستطيعون إنكار ما ذكره القذافي الابن لأن صورهم في خيمة قائد الجماهيرية العظمى وكذلك مقالاتهم وتصريحاتهم التي تمجد القذافي موجودة وموثقة وهي تفضح زيفهم وتبين أنهم ينقسمون إلى نوعين الأول: مع من يدفع أكثر؟ بحيث إذا ظهر زعيم آخر وطلب منهم إهدار دم من مدحوه بالأمس فإنهم سيصدرون هذه الفتوى مدفوعة الثمن دون تردد، أما النوع الثاني: فهم (مع الواقف)؟ بحيث إنهم إذا ما وجدوا أن الزعيم الذي امتدحوه بالأمس ساقط لا محالة انقلبوا عليه إرضاء للجماهير التي يعرفون مسبقا أنها جماهير تعاني من ضعف الذاكرة!. وللأمانة والتاريخ فإن (تجارة لعق الأحذية) ليست حكرا على بعض رجال الدين البارزين فقط ولكن العديد من المثقفين والأدباء والصحفيين العرب تورطوا في مدح الأنظمة المتسلطة وتولوا مهمة تجميل الوجوه القبيحة وساهموا في تبرير أعمال بعض الطغاة العرب وحين وجدوا أن الحوالات البنكية سوف تتوقف عنهم لأن ديكتاتورهم الكريم أصبح محاصرا في قصره انقلبوا على (ولي نعمتهم) وبدأوا يتحدثون عن الحرية والديمقراطية وحقوق الأنسان!. إن الجريمة التي ارتكبتها النخب العربية من رجال دين ومثقفين وإعلاميين ورؤساء جمعيات مدنية لا تقل بشاعة عن الجرائم التي ارتكبها أي دكتاتور عربي، فقد منحوا غطاء شرعيا للأعمال الدموية بل إنهم ساهموا في تغذية شعور الطغيان داخل الدكتاتور العربي فكانوا أحد الأسباب الرئيسة لتفشي مرض جنون العظمة في ديار بني يعرب، ولا أظن أن أي أمة في عالمنا المعاصر تعاني من (النخب المرتزقة) مثلما هو الحال في العالم العربي اليوم، لذلك فإن حملات التغيير والإصلاح يجب أن تشمل فضح هؤلاء المنافقين و(لاعقي الأحذية) ووضع تصريحاتهم المتناقضة جنبا إلى جنب كي يعرف المواطن العربي حقيقتهم المخادعة، خصوصا أن أغلب هذه النخب ليست من بلد الدكتاتور كي نقول بأنها كانت مضطرة للنفاق أو مجبرة عليه بل جاءت من خلف الحدود بحثا عن الدولارات والجنيهات الاسترلينية!. وبشكل عام قد يسحق الدكتاتور بحذائه العسكري شعبه المسكين فتبقى الدماء العالقة بهذا الحذاء شاهدا على طغيانه وجبروته فيظل ينظر إلى حذائه بين وقت وآخر وهو يشعر بالقلق من لحظة الثأر، ولكن لاعقي الأحذية الذين يتولون عملية مسح آثار الجريمة عن الحذاء هم من يهون عليه الأمر فيسير بخطوات واثقة وهو ينظر إلى الأعلى دون أن يكترث بصرخات المساكين الذين يسحقهم بحذائه. النخبة التي روجت للطغاة شريكة في جرائمهم حتى لو حاولت الانقلاب على مواقفها السابقة بعد أن تأكد لها سقوط الدكتاتور .. يا لاعقي الأحذية: ارحلوا .. أو على الأقل استحوا واصمتوا!. [email protected]