لا يكتفي الديكتاتور العربي بقصر منيف كي يكون مقرا لسكنه، بل يسكن منطقة كاملة تحتوي على مجمع للقصور ومكاتب وشوارع ومخازن وثكنات عسكرية ومحطات إذاعية، فصدام حسين كان يسكن في المنطقة الخضراء ومعمر القذافي كان يسكن في منطقة باب العزيزية، وكلاهما انتهى به الأمر في حفرة!. لا يقتنع الديكتاتور العربي بوظيفة واحدة، فهو رئيس وقائد عسكري وملهم للحركات الثورية العالمية ومفكر وخطيب مفوه وعالم دين، فصدام حسين كان يكتب الروايات في الوقت الذي يقود فيه الجيش ويدير وزارات الدولة، وكذلك فعل القذافي حيث قام بتأليف القصص في الوقت الذي كان يقود فيه جماهيريته البائسة!. وكثيرا ما يشعر الديكتاتور العربي بأن الألقاب التقليدية مثل فخامة الرئيس أو زعيم الأمه لا ترضي غروره، لذلك يبحث دائما عن ألقاب مبتكرة لا يمكن أن ينازعه عليها أحد، فصدام اختار لقب «القائد الضرورة»، بينما اختار القذافي لقب «ملك ملوك أفريقيا»!. ويسعى الديكتاتور العربي دائما لجمع أسلحة الدمار الشامل ويدفع مليارات الدولارات من أجل الاستحواذ على الأسلحة المحرمة دوليا، لأنه يظن أنه سوف يستخدمها حين تبدأ معركته التاريخية الكبرى، وما إن تكشر القوى الكبرى عن أنيابها حتى يقوم بتسليمها طائعا مختارا حفاظا على كرسيه .. هكذا فعل صدام وكذلك القذافي، حيث تجاهل كل واحد منهما الأموال الطائلة التي حرم منها شعبه كي يشتري بها هذه الأسلحة ثم سلمها للأمريكان كي يبقى في سدة الحكم. وينسى الديكتاتور العربي غالبا أنه قتل واعتقل ونفى مئات الآلاف من أبناء شعبه وأدخلهم في مواجهات عالمية لا قبل لهم بها، فهو يفترض أن هذه الجماهير المسحوقة تحبه وتعشق التراب الذي يسير عليه، لذلك صدم القذافي كما صدم من قبله صدام حسين حين اكتشف أن الشعب تحالف مع من كان يسميهم بالأعداء كي يتخلصوا من بطشه. لا يفهم الديكتاتور العربي أن النفط ثروة يمكن أن تغير واقع بلاده المزري، وأن الثروات التي تتدفق على خزائن البلاد من شأنها أن تجعل العراق أفضل من ألمانيا وليبيا أكثر تطورا من فنلندا، فقد بدد القذافي وصدام ثروات بلديهما على أجهزة الاستخبارات والحركات الثورية العالمية والأسلحة والمثقفين المأجورين، فقد كان كل واحد منهما يعتقد أن أفضل استثمار للثروة النفطية هو أن يجعل حركة التاريخ تتمحور حول شخصيته الفريدة فإذا بكل واحد منهما يتجه إلى مزبلة التاريخ. الديكتاتور العربي يبدأ مسيرته في الحكم مناضلا اشتراكيا وينتهي به الأمر مجاهدا إسلاميا، يقضي سنوات حكمه وهو يشرح لشعبه المسكين نظريات الثورة الأممية ثم ينتهي به المطاف مختبئا في مضارب عشيرته البدوية الصغيرة.. هكذا كان صدام وهكذا كان القذافي!. لا يقبل الديكتاتور العربي بالهزيمة كقائد عسكري محترف لأنه لم يكن في يوم من الأيام عسكريا محترفا حتى لو زور رتبة «المهيب» أو «العقيد» بل يحارب حتى يتم تدمير البلاد وتحطيم الجيش.. ويستمر في القتال حتى اللحظة التي يقتل فيها أبناؤه وتلجأ فيها نساؤه لدول الجوار.. ثم يختبئ في الحفر والأنابيب حتى يصل إليه خصومه، فيقتل في حفلات الثأر المجنونة التي تسيطر عليها أجواء الحقد الدفين.. وحينها يتعاطف معه بقية العرب الذين لم يطالهم طغيانه لأنهم يعتقدون بأنه ديكتاتور شجاع ويكفيه فخرا أنه تمسك بالطغيان حتى آخر لحظة، فيضعونه في مرتبة الشهداء!. في نهاية الأمر يموت الديكتاتور العربي بعد أن ملأ البلاد بالمقابر الجماعية، بينما تعيش الأمة التي لا تتوقف عن تمجيد الطغاة في حفرة أبدية!.