خالد بن هزيل الدبوس الشراري لم يكن الهجوم على علمّية التأريخ، سجالًا غربيًا وحسب، بل واعتباره في مصاف العلوم؛ كان أمرًا يثير الاستغراب في العقل العربي، الذي كان يعتبر التاريخ حتى القرن التاسع عشر نوعًا من شغل البطالين والدجالين، وكانت صيحة المؤرخ المصري «عبد الرحمن الجبرتي» مطلع عصر النهضة بضرورة احترام علم التاريخ والارتقاء به متزامنة مع الجدل الذي كان يحدث في أوروبا حول علميّة التأريخ. فنظرتهم إلى عمل المؤرخ أنه إعادة تمثل فكرة الحدث والواقعة في ذهنه، وهي عملية اختيار وتأويل لما حدث، وهو ما دعا «أوكشوت» إلى القول بأن التاريخ هو تجربة المؤرخ في الاختيار، أي أنه ليس من صنع أحد باستثناء المؤرخ، وكتابة التاريخ هي الطريقة الوحيدة لهذه الصنعة. وتدل لفظة «التاريخ» على معانٍ متفاوتة، ويُشمِلُ البعضُ التاريخ على المعلومات التي يمكن معرفتها عن نشأة الكون كله، بما يحويه من أجرام وكواكب، ومن بينها الأرض وما جرى على سطحها من حوادث الإنسان. ويذهب بعض المؤرخين إلى قصر معنى التاريخ على بحث واستقصاء حوادث الماضي، كما يدل على ذلك لفظة «History» المستمدة من الأصل اليوناني القديم، أي كل ما يتعلق بالإنسان مذ بدأ يسجل على الصخر والأرض، أو هو وصف لأخبار الحوادث التي ألمت بالشعوب والأفراد. وتدل كلمة تاريخ على مطلق مجرى الحوادث الفعلي الذي يصنعه الأبطال والشعوب، والتي وقعت منذ أقدم العصور واستمرت وتطورت في الزمان والمكان حتى الوقت الحاضر. وفي اللغة العربية من خلال تتبُّع التَّعاريف اللغويَّة لكلِمة «تاريخ»، نجد أنَّ تعريف الوقت هو المعنى الغالب لدى علماء اللغة، حيث ذكروا أنَّ التأريخ: مشتق من الفعل أرَّخ الذي هو وَقَّتَ والتأريخ في اللغة مصدر من «أرخ» بلغة قيس، وهو اللفظ الشائع عند العرب، وتاريخ كل شيء من حيث اللغة هو غايته ووقته الذي ينتهي إليه، ولهذا يقال: فلان تاريخ قومه في الجود؛ أي الذي انتهى إليه ذلك. وربما استعملت الكلمة بمعنى تراجم الرجال «الببليوجرافيا»، ومثال ذلك كتاب «تاريخ البخاري» للإمام محمد بن إسماعيل البخاري (194 256ه / 810 – 870 م)، وقد تستعمل بمعنى أخبار الماضي ككتاب «تاريخ الرسل والملوك» للإمام محمد بن جرير الطبري (224 – 310 ه / 839 – 923 م). وعلى الرغم من أن مفردة التاريخ لها نظائر في مختلف لغات العالم ولها عديد الدلالات الاصطلاحية بحسب البيئة الثقافية والحضارية التي تولدت عنها، لكن المتفق عليه أنها تعني السرد التاريخي؛ وهناك اختلاف بين العلماء في أصل لفظ «تاريخ» هل هو لفظ عربي أم هو لفظ فارسي الأصل واستخدمته العرب. ف «التاريخ» أو «التأريخ» يعني الإعلام بالوقت، وقد يدل تاريخ الشيء على غايته ووقته الذي ينتهي إليه زمنه، ويلتحق به ما يتفق من الحوادث والوقائع الجليلة. خالد بن هزيل الدبوس الشراري