رغم مرور 250 عاماً على ميلاده اختلفت اراء المؤرخين واساتذة التاريخ في مصر في ندوة حول شخصية ابو المؤرخين عبد الرحمن الجبرتي، فمنهم من وصفه بانه كان موسوعة تاريخية استطاعت ان تجمع بين دفتيها كل تفاصيل ووقائع الحياة المصرية لعقود طويلة شهد خلالها التاريخ المصري احداثاً وازمات عدة وانه كان منصفاً ومدققاً في كل ما يصل اليه من معلومات. وذهب هؤلاء الى ان الجبرتي ساهم في حفظ تاريخ مصر المعاصر، وعلى الجانب الاخر وصفه آخرون بأنه لم يصنع التاريخ او يؤرخ له وانما الاحداث والوقائع التي عاشها هي التي صنعته وقال هؤلاء ان الجبرتي بمقارنته بمعاصريه من المؤرخين قد تخلف كثيراً عن ملاحقة التطور الذي شهدته مدارس التاريخ في العالم كما انه لم يكن منصفاً في تأريخه وكانت له مواقف شخصية من بعض الرموز التاريخية في مصر ومنهم محمد علي ومحمد كريم، وبذلك تحولت الاحتفالية التي اقيمت بمعرض القاهرة الدولي للكتاب بمناسبة ذكرى مولده الى محاكمة اعتبرها البعض ظالمة في حين اكد البعض الاخر انها عادلة ومع ذلك فانها قابلة للاستئناف وتبادل مزيد من الحوار حول تأريخه للاحداث. في بداية الندوة أشار الدكتور عبد العظيم رمضان استاذ التاريخ ورئيس تحرير سلسلة تاريخ المصريين الى جهود الجبرتي في حفظ تاريخ مصر وذلك بالتأريخ الذي كان ان بصورة يومية للاحداث التي شهدتها مصر خلال فترات زمنية عصيبة واعتبر ما سقط من التاريخ لا يرجع الى قصور في اداء الجبرتي او عن قصد منه وانما الى فقدان العديد من المؤلفات التي تبعثرت في اكثر من مكان فمنها ما هو في مصر ومنها ما هوفي كمبردج ومنها ما هوم في لندن وايضاً منها ما هو في فرنسا وهي نسخ متفرقة بخلاف النسخ الاصلية التي تم حفظها في مكتبة بولاق وهي اصل المكتبات. واعرب رمضان عن اعتقاده بأن الجبرتي على الرغم مما قدمه لتاريخ مصر لم يحصل على حقه في تأريخ تاريخه ذاته وذلك لان قصته تعد مغامرة للباحثين والمؤرخين من بعده وهو الامر الذي اوجد ما يشبه المعارك بين الباحثين حول تاريخ الجبرتي. وبدأ الدكتور عبد الرحمن عبد الرحيم استاذ التاريخ ومحقق موسوعة الجبرتي حديثه بوصف الجبرتي بانه كان موسوعة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وكان اميناً من الناحية العلمية بذكر مصادره التي اعتمد عليها في البداية وفي الاحداث التي لم يتابعها وكان يكتب الاحوال السياسية كما يراها ويبتعد عما يرى ان فيه الضرر. وعدد الدكتور عبد الرحيم محاسن الجبرتي واشار الى انه بجانب امانته العلمية في التأصيل التاريخي خاصة في المراحل التاريخية الهامة التي مرت بها مصر لكنه عاد وانتقده في بعض مواقفه خاصة من محمد علي واسلوبه في بناء الدولة الحديثة وما يتطلبه ذلك من ضرورة القضاء على النظام السابق خاصة النظام المالي الذي كان يطبق على المصريين وتطبيق نظام الاحتكار وقال: ان الجبرتي لم يفهم محمد علي جيداً وهدفه في بناء الدولة الحديثة ولذلك انكر كثيراً مما كان يفعله محمد علي لانه كان ينظر للناس من موقع التعالي ولذلك اتخذ محمد علي من الجبرتي موقفاً حتى مات الجبرتي بشكل مسيء.واتهم الدكتور عماد ابو غازي استاذ الوثائق والمكتبات بجامعة القاهرة الجبرتي بانه اعتمد ولفترة طويلة في تدوين التاريخ على مصادر الا انه كان يفتقد في تدوينه الى التحليل والتدقيق فيما يصل اليه من معلومات مما جعله في مرتبة ادنى مقارنة بغيره من المؤرخين المعاصرين له. وقال: ان الجبرتي بسبب عدم تحليله لما يصل اليه من معلومات لم يضف كثيراً للتاريخ اذا ما قورن ببعض المؤرخين مثل تقي الدين المقريزي الذي اعتمد في تأريخه للاحداث السياسية والاقتصادية على التحليل وهو ما غاب عن الجبرتي .هذا في الوقت الذي تخلف فيه الجبرتي باسلوبه عن ملاحقة التطورات التي حدثت في المدرسة التاريخية العالمية والتي كانت تختلف كثيراً عن المدرسة المصرية. وانتهى الدكتور غازي في اتهامه للجبرتي بأن اعماله تشكل مادة خاما وبها الكثير من المعلومات الهامة التي يمكن ان يعتمد عليها الباحثون الا انها تفتقد للتحليل وهو ما جعلها تتراجع من حيث الاهمية بمرور الزمن والاطلاع على الوثائق التي لم تكن موجودة من قبل.