شهد الذهب أفضل بداية سنوية له منذ سبعينيات القرن الماضي، مسجلاً ارتفاعاً تجاوز 27 % منذ بداية العام، متفوقاً بذلك على مكاسب العام الماضي، وقد قفز إلى مستوى قياسي جديد بلغ 3,357.78 دولارا للأونصة، ليسجل أكبر مكاسب يومية له بنسبة 3.5 % يوم الأربعاء، وهي الأعلى منذ مارس 2023. أسهمت عوامل عدّة في هذا الصعود، من بينها المخاوف المرتبطة بالرسوم الجمركية، وتراجع الدولار إلى أدنى مستوياته في ستة أشهر، إلى جانب استمرار مشتريات البنوك المركزية وتدفقات الاستثمار في صناديق المؤشرات المدعومة بالذهب. وتجري حالياً مفاوضات تجارية بين الولاياتالمتحدة واليابان بهدف التوصل إلى اتفاق خلال فترة السماح البالغة 90 يوماً، في حين يواصل ترمب الضغط على دول أخرى للحد من علاقاتها التجارية مع الصين، في ظل تجاهل بكين لمطالبه. تستمر حالة عدم اليقين بشأن السياسات التجارية في دعم الإقبال على الملاذات الآمنة، وعلى رأسها الذهب. وقد تراجع الذهب، في التداولات الأخيرة، بنسبة 0.78 % إلى 3,317.34 دولار للأونصة، مع مستويات دعم عند 3,270 دولار ومقاومة عند 3,357 دولار. وأسهم الطلب الكامن من البنوك المركزية، خلال العامين الماضيين، وتخفيضات الفيدرالي في أسعار الفائدة، وتزايد القلق من تراكم الديون الحكومية، إلى جانب العقوبات والقيود على الصادرات والاستثمارات، في تعزيز جاذبية الذهب. ومؤخراً، أضفت مخاطر الركود والتضخم المدفوع بالرسوم التجارية الأميركية دعماً إضافياً. والجدير بالذكر أن الذهب -بخلاف السندات السيادية التي تتأثر بالسياسات، أو العملات التي تتأرجح وفقاً للتحالفات التجارية- يُعد أصلاً محايداً سياسياً، معترفاً به عالمياً وغير مرتبط بتصنيف ائتماني معين. ولهذا السبب، يواصل المستثمرون -سواء أفراداً، أو مؤسسات، أو بنوكاً مركزية- التوجه إليه، حتى عند هذه المستويات القياسية. في الأجلين القصير والمتوسط، نرى أن مزيجاً من التوترات الاقتصادية العالمية المتزايدة، وخطر الركود التضخمي (انخفاض النمو والتوظيف مع ارتفاع التضخم)، وضعف الدولار، سيستمر في دعم الذهب، وإلى حد ما الفضة أيضاً، بالنظر إلى رخصها النسبي بعد هبوط أوائل أبريل، ويُضاف إلى ذلك تسعير الأسواق حالياً لخفض يزيد على 75 نقطة أساس من قبل الفيدرالي بحلول نهاية العام، فضلاً عن استمرار الطلب من البنوك المركزية والأفراد ذوي الثروات العالية، خصوصاً في آسيا، الذين يسعون للتحوط أو تقليص انكشافهم على السندات الأميركية والدولار. ورغم أن الذهب تجاوز حاجز 3,300 دولار مسجلاً مستوى قياسياً جديداً، لم تتمكن الفضة بعد من ملامسة ذروتها في أكتوبر 2024 عند 34.90 دولارا، خاصة بعد أن تعرضت لتصحيح حاد بنسبة 18 % عقب إعلان ترمب عن رسوم جمركية جديدة في 3 أبريل. غير أن تحليل القوة النسبية بين الذهب والفضة يُظهر أن متوسط النسبة بينهما خلال السنوات الثلاث الماضية بلغ نحو 85، حتى خلال فترات الشراء المكثف من البنوك المركزية. يثير هذا التساؤل حول ما إذا كانت النسبة الحالية التي تلامس 100 تُبرر ضعف الفضة بالنظر إلى انكشافها الصناعي الكبير (50 %) ومخاوف الركود. ونحن نرى أن ذلك غير مبرر للأسباب التالية: * الطلب الصناعي على الفضة، خصوصاً في إطار التحول الطاقي، لن يتأثر سلباً بشكل كبير حتى في حال حدوث ركود. * الارتفاع الحاد في سعر الذهب يدفع المستثمرين نحو شراء "نظيره الأرخص". * من المتوقع أن تشهد الفضة عجزاً في المعروض خلال عام 2025، للعام الخامس على التوالي. وبالنظر إلى جميع هذه التطورات، نرفع توقعاتنا لسعر الذهب لعام 2025 إلى 3,500 دولار للأونصة، أما الفضة، ورغم انكشافها الصناعي ومخاوف الركود، فقد لا تتفوق بشكل ملحوظ على الذهب كما كنا نتوقع سابقاً. وبدلاً من ذلك، نرى أن تراجع نسبة العقود الفورية للذهب مقابل العقود الفورية للفضة من أكثر من 100 حالياً إلى قرابة 90 قد يدفع الفضة للصعود نحو 40 دولار للأونصة. العوامل الداعمة للذهب: * توقعات أسعار الفائدة الأميركية: * الطلب الاستثماري على الذهب "الورقي" عبر العقود والصناديق المتداولة: يعتمد الطلب على المنتجات المالية المدعومة بالذهب على عوامل تقنية مثل الزخم السعري، والمؤشرات الكلية. كما أن أحد العوامل الحاسمة لمستثمري الصناديق هو تكلفة الاحتفاظ بأصل غير منتج، والتي تنخفض في ظل توقعات انخفاض تكلفة التمويل. حالياً، تبلغ حيازات الصناديق المدعومة بالذهب 2,773 طناً، بزيادة 269 طناً عن مايو الماضي، لكنها لا تزال دون الذروة المسجلة عام 2020 عند 3,453 طناً. * ارتفاع توقعات التضخم في الولاياتالمتحدة: يلجأ المستثمرون إلى الذهب كأداة تحوط ضد التضخم. وقد أدى تراجع العوائد الحقيقية (العوائد الإسمية مطروحاً منها توقعات التضخم) عبر منحنى العائد على سندات الخزانة الأميركية، إلى تأجيج المخاوف بشأن التضخم المستقبلي، ما عزز جاذبية الذهب. * المخاطر الجيوسياسية: تعزز الاضطرابات العالمية الطلب على الأصول الآمنة مثل الذهب. وتُظهر العلاقة الحديثة بين أسهم شركات الدفاع والذهب، أن ارتفاع التوترات -كالصراعات والحروب والتوترات الدبلوماسية- يدفع المستثمرين نحو الذهب، كما أن الحرب التجارية الراهنة تُضيف مخاطر على النمو، وتزيد من حرارة التوترات الجيوسياسية، خاصة بين الصينوالولاياتالمتحدة. * طلب البنوك المركزية وسط مساعٍ لتقليص الاعتماد على الدولار: يتجه عدد متزايد من البنوك المركزية نحو تنويع احتياطاتها بعيدا عن الدولار الأميركي، ويُشكل الذهب الخيار المفضل كأصل احتياطي محايد. وتُعد الصين، والهند، وتركيا، وروسيا من الدول الرائدة في هذا الاتجاه، وخلال السنوات الثلاث حتى 2024، اشترت البنوك المركزية أكثر من 1,000 طن سنوياً، وهو اتجاه يُتوقع استمراره في 2025 وما بعدها، ما يُسهم في سحب المعروض من السوق.