لايكاد الزائر لقرية الباحة التراثية في الجنادرية أن يتحسس عطاء الأرض والإنسان فيعيش فن الماضي وجمال الحاضر، ويتنقل في أرجاء القرية التراثية ليشاهد ما ينتجه ذلك المكان، من تنوع حرفي وصناعات يدوية تقليدية، حينها يقبل الزائر على الكثير منها كونها ارتبطت بتراث عريق وماض تليد صنعه الآباء والأجداد، ليثبت للأجيال القادمة ما صنعه التاريخ على مر السنين. ويجلس بين تلك الأركان والزوايا "عبد الله بن مبارك البشيري" بجوده وكرمه وعطائه، رغم التجاعيد التي رسمها عليه الزمن، واعتلت على ملامح وجهه الشيخوخة، إلا أن عيناه تشع أملاً وجمالاً وتطلعاً نحو مستقبل واعد. يشارك " البشيري" منذ 30 عاماً في المهرجان الوطني للتراث والثقافة ملازماً جنبات "بيت الباحة" في الجنادرية، ويتجدد نشاطه كل عام وهو يشهد للزائر عن أصالة الهويّة وعراقة التراث في مسقط رأسه "الباحة". وتخصص "البشيري" في الصناعات الخشبية التي أبدعتها يداه الماهرتان ورسمت أشكالها منذ عشرات السنين، لتظل هذه الحرفة مهنة موروثة ارتبطت بحياة الناس وطريقة معيشتهم على مر الزمن. ويرسم ركن المنتجات الخشبية في قرية الباحة التراثية بالجنادرية لوحة جمالية رائعة، حيث يطبع صورة حقيقية عن الماضي العريق، ويجد الزائر خلاله الطرق المتبعة قديماً في تهذيب الأشجار التي ينتج منها أدوات الحرث الزراعية المتعددة مثل (المحراث - الضمد الركاب - الوصل - العراقي) وبعض الأواني الخشبية المخصصة للطعام والشراب مثل (القعب - الصحفة المكيلة المذنب). ويروي "عبد الله البشيري وهو يتنقل في ركنه الصغير ذكريات عشرات السنين، متألماً عن ماضٍ في جوفه على أشخاص شاركوه في الأعوام الماضية كانت له معهم أجمل اللحظات، رافعاً يديه إلى الله مبتهلاً أن يتغمد من فارقه منهم بالرحمة والمغفرة، ويشفي مريضهم، ويمدّ في عمر الصحيح ممن لازال يشاركه أجمل اللحظات. ويسعد البشيري بما قدمه في المهرجان من مشاركات، حيث يقول : أجدها فرصة لهذا الجيل أن يستمتع بجماليات البيئة وطبيعة المكان في منطقة الباحة وما كان عليه حال الأباء والأجداد وكيف كانوا يصنعون بإيديهم ومن إنتاجهم ما يحتاجونه في حياتهم اليومية.