هناك نماذج نسائية ناجحة في عالم التجارة والاستثمار بالسوق السعودية استطاعت مواجهة التحديات والصعاب لتحفر اسمها بين الكبار في ذلك العالم الشائك.. ومن بين تلك «العلامات التجارية» سيدة الأعمال غدير الدخيل التي بدأت تجارتها بفكرة شابة وإمكانيات بسيطة بمدينة حائل إلى أن أصبحت من سيدات التجارة الكبيرات، وكانت نقطة انطلاقها من دورة «انطلاق»، حيث درب الدكتور محمد السيد المبتدئين في التجارة، وهي دورة قدمتها شركة شل العالمية لتدريب المبتدئين بالتجارة. «شمس» التقت غدير لتروي تجربتها لشباب وشابات الأعمال وما احتوته التجربة من نجاحات وإخفاقات خلال المسيرة.. فإلى الحوار. كيف كانت بداية دخولك إلى عالم التجارة؟ في بداية الأمر كنت أمارس التجارة في منزلي من خلال شراء بعض البضائع من خارج المملكة أثناء سفري وأسوقها في محيط العائلة والأهل والأصدقاء. وهل كانت تلك التجربة مجدية بالمفهوم التجاري؟ نعم، وجدت أن البضاعة التي أختارها ثم أسوقها لاقت القبول عند جميع العملاء. وكم كانت مدة عملك بالتجارة من خلال المنزل؟ ثلاث سنوات تقريبا، بعدها قررت التوسع في أعمالي وجعل الشريحة المستهدفة أكبر وأوسع. وكيف كانت أحوالك المادية عندما قررت التوسع في عملك التجاري؟ بحثت عن مصدر يقوم بتمويلي فوجدت بغيتي عند صندوق المئوية، وكان الصندوق بالنسبة لي أشبه بالكنز، فقام بتمويلي من دون فوائد ومن دون كفيل، ولم أتردد لحظة كتابة طلب المشروع، وأرسلت الطلب للصندوق عن طريق الموقع الإلكتروني، وتمت بحمد الله الموافقة ثم التمويل، وكنت قبل ذلك حددت موقع المشروع، وكان موقعا ممتازا، وكنت استأجرته ولكني تعبت كثيرا في عملية الترميم وصرفت جزءا كبيرا من المبلغ على ترميم المكان الذي اخترته بسبب وقوعه في أفضل سوق في منطقة حائل، ويرجع ذلك لعدة أسباب منها أنها السوق الأساسية والوحيدة لبيع الذهب، وأنها أقدم سوق في حائل وأكثرها ازدحاما. وكيف كانت طريقتك في إدارة مشروعك التجاري الجديد؟ كنت قبل أن أبدأ باختيار الموقع والبحث عن مصدر للتمويل أبحث أولا عن أفضل مكان أجلب منه البضائع، فكانت الوجهة المحددة لي أسواق تايلاند بسبب تميز بضائعها وتناسبها مع الذوق السعودي، وبحثت قرابة الثلاثة أشهر عن طريق الإنترنت والمكالمات مع مكاتب التسويق والتصدير في تايلاند، وجمعت معلومات كبيرة عنها، وعرفت أفضل الأسواق والمعامل والمصانع، وبعد أن بدأت الترميم في المكان الذي اخترته ليكون مقرا لتجارتي في سوق تضج بالمنافسين توجهت إلى تايلاند. وبسبب بحثي المتواصل عن أسواق تايلاند كانت معلوماتي دقيقة وواضحة، فأخذت مترجما معي للأسواق التي قرأت عنها فذهبت لسوق «الباتونام» وهي سوق كبيرة تضم خمسة طوابق كبيرة ويوجد فيها أكثر من ألف منفذ للمصانع، ويتم البيع فيها بالجملة والمفرق، وكذلك ذهبت لسوق «بوبيه» وهي سوق خاصة بتجارة الجملة فقط ثم للسوق الصينية وهي سوق كبيرة جدا أيضا تشتهر بالإكسسوارات والشنط والأحذية. وهل استغرقت مرحلة استطلاع أسواق تايلاند وقتا طويلا؟ كانت زيارتي لتايلاند ثماني زيارات فقط، ركزت فيها على معرفة ظروف السوق، ولم يكن هناك وقت عندي للسياحة أو الاستمتاع بجمال تايلاند، حيث قضيت هذه الأيام بالأسواق والتعب في البحث عن السلع الجيدة لأني حضرت لهدف محدد ومهمة مطلوب إنجازها. هل وقعت أخطاء في بدايتك التجارية؟ وكيف استفدت من تلك التجارب؟ بحمد الله كانت تجربتي جميلة وصفقاتي التجارية موفقة، حيث بعت جميع البضاعة التي اشتريتها من الملابس والشنط والإكسسوارات.. ولكن كان هناك خطأ اقترفته بالنسبة لاختياري للأحذية، حيث إني ذهبت لسوق الأحذية بعد تعب وإرهاق، وكان الوقت الرسمي للعمل انتهى فاخترت بعجالة ودون تركيز فكانت النتيجة كساد ثلاثة أرباع البضاعة الخاصة بالأحذية. وما محطاتك التجارية الأخرى بخلاف تايلاند؟ بعد تايلاند توجهت لسورية، حيث حضرت معرض «موتكس» لعام 2009 وهو خاص بالملابس الداخلية النسائية، واللانجري، وكانت رحلة موفقة أيضا بالنسبة للانجري والملابس النسائية، كما اخترت ملابس للأطفال راقية ومرتفعة بالسعر.. والنتيجة كساد أكثر من ربع البضاعة تقريبا ولكني استفدت من أخطائي كثيرا.. ثم توجهت إلى الكويت وتعاملت مع أحد تجار الجملة هناك، حيث كان يعمل بتقليد البضاعة التركية وتصنيعها في مصانع بالصين، وكذلك تعاملت مع أسواق دبي وكان تعاملي في الجلديات والشنط. هناك مواقف تظل محفورة في الذاكرة كشابة أعمال ناجحة.. فماذا تذكرين منها؟ من الشخصيات التي واجهتني وأثارت استغرابي امرأة كان تريد الاستهزاء والسخرية فحسب.. أي لا تريد أن تشتري شيئا من المتجر ووبخت الموظفات واستهزأت ببضاعة المحل، كانت شخصية غريبة جدا، فقمت من مكاني وتوجهت نحو هذه السيدة، وامتدحت ذوقها وأنها إنسانة تمتلك ذوقا صعبا لا يرضيه إلا البضاعة ذات الجودة العالية والمرتفعة بالسعر، وأخذت أتجول أنا وهي في أنحاء المتجر، وأعرض عليها بعض البضائع ثم اشترت بمبلغ كبير جدا وعند «كاونتر» المحاسبة قالت لي كلمة أعتبرها وساما، أنت ذكية وتعرفين كيف تتعاملين مع الزبونة.. وابتسمت لها وقلت بل أنت ذوقك راق وأنا كل ما فعلته خدمت ذوقك الراقي فحسب، وخرجت من المتجر وهي سعيدة جدا. وماذا تعلمت أيضا من حياة السوق والتجارة؟ تعلمت أيضا لغة الإشارة، وكيف أقنع العميلة، وكيف أكون صداقة بيني وبينها، فجميع زبائن المحل يثقون بتعاملي لانتهاجي مبدأ الصدق والنصح مع الزبائن وترك الاختيار الأخير للزبونة.. لكن بالتأكيد هناك صعوبات وعقبات واجهتك.. فماذا تذكرين منها؟ الصعوبات والعقبات التي عانيت عديدة أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر.. صعوبة استخراج التراخيص وكثرة الشروط فيها وقلة الخبرة، وتأخر وصول البضائع بسبب مشاكل الشحن مما أدى إلى تأخر افتتاح المحل وارتفاع إيجار المحل، وعدم توافر العمالة المدربة مما سبب لي الإرهاق والعمل لساعات إضافية لتدريب الموظفات، بجانب كثرة انسحاب الموظفات من العمل بعد تدريبهن نظرا لظروفهن العائلية وعدم التزامهن بالعقود، وإنفاق جزء كبير من المال على الترميم والديكور مما اضطرني للاقتراض من والدي. ومن الصعوبات الأخرى كون المركز نسائيا يجعل بعض الزبائن من النساء يتخيلن أنه مركز فاشل بسبب فشل المراكز النسائية السابقة على مستوى المملكة، كما وجدت معاناة في الإدارة المالية لمشروعي، وهذا يعتبر من أكبر العقبات التي واجهتني في مشروعي، وكذلك انعدام الدورات التدريبية أو قلتها.. وكيف تقيمين أداء السوق النسائية في المملكة؟ وهل هو فاشل أم أنه ناجح في نظرك؟ هناك عقبات عديدة تواجه السوق النسائية وتم التغلب عليها نسبيا، وتم تغير المعتقد السائد أن السوق النسائية فاشلة وعلى المستوى الشخصي أصبح متجري محط ثقة العميلة فهو يحقق كل متطلباتهن. وما نصائحك كتاجرة ناجحة لجيل المبتدئين في العمل التجاري؟ كنت دائما أتمنى أن تكون هناك دورات يستفيد منها التاجر المبتدئ لكي يتغلب على الصعوبات التي تواجهه، وأنا أنصحهم جميعا شبابا وشابات بالتدريب والإخلاص في العمل والأمانة، والصدق لأن التاجر الصدوق مع الأنبياء والصديقين والشهداء. وما نقطة الانطلاق أو المنعطف المحوري في حياتك التجارية؟ تحقق هذا الأمل بدورة «انطلاقة» التي نظمتها شركة شل العالمية بالتعاون مع صندوق المئوية، وتمنيت لو كانت هذه الدورة قبل سنتين لأني أمضيت سنتين وأنا في متاهات لا أعرف سوى اختيار البضاعة ولم أعرف كيف أدير مشروعي وكيف أسوق لمشروعي، ولا أعرف كيف أرتب ميزانية متجري فكنت أخلط الحابل بالنابل، أصرف من جيبي على مشروعي، وآخذ من مشروعي دون حساب، كنت أعرف فقط أن دخلي الشهري يقارب 45 ألف ريال، ورأس المال يقارب 600 ألف ريال، هذا كل ما أعرفه عن متجري. أما معرفتي عن الميزانية فكانت تخبطا في تخبط، ولكن بعد أن يسر الله لي دورة انطلاقة التي قام الدكتور محمد السيد بتدريب المبتدئين بالتجارة عليها كانت بالنسبة لي بداية انطلاقة فعلا.. فلا أستطيع ذكر كل ما كان يجول في خاطري وقت التدريب كدت أبكي من الحزن أني أضعت سنتين وأنا أتخبط وأسير في طريق قد يكون السبب لا قدر الله في انهيار متجري وخسارتي. على المستوى الشخصي.. ما «الفائدة الكبرى» من دورة «انطلاقة»؟ تعلمت من دورة «انطلاقة» كيف أخطط للتسويق، وكيف أدير متجري، وكيف أسجل كل صغيرة وكبيرة، وأن أجرد وأن أعد ميزانية خاصة للمخاطر، لا قدر الله، وأن أشتري ما يكفي حاجتي من البضائع.. وألا أعتمد على ما يعجبني فحسب من البضائع وإنما أجلب لجميع الأذواق ولا أركز على السلع ذات التكلفة المرتفعة فحسب، وأقدم شكري وامتناني للقائمين على شركة شل على دعمهم وجهودهم، وأرجو منهم المزيد من الدورات. وكيف ترين حاجة الشباب المقبل على عالم التجارة إلى التدريب بنظرك؟ كلنا بحاجة ماسة للتدريب والتطوير، فكل التجارب التجارية الناجحة في بلادنا اعتمدت على التدريب والتطوير والاستفادة من تجارب الآخرين. أخيرا.. من قدوتك في عالم التجارة؟ أعتقد ليس هناك أعظم وأنبل من أم المؤمنين السيدة خديجة بنت خويلد فكانت مثالا للتاجرة الصادقة التي تبحث عن الربح الحلال وترفض الغش والاحتكار والتدليس وتكرس الصفات والسلوكيات الحميدة في العمل التجاري .