يقصد بالصحوة الإسلامية : عودة الناس إلى المنهج الرباني القويم ، والالتزام بالمنهج النبوي الكريم ، وهي إحياء وتجديد لدين الله تعالى ، الذي وعدنا سبحانه وتعالى بحفظه ، والتمكين لأهله، (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) ، الصحوة ليست حزب معين ، ولا تنظيم محدد ، بل هي حراك فكري قائم ، ونشاط دعوي عام في كافة المجتمعات الإسلامية. وقد تجلى هذا التيار ؛ كرد فعل مباشر بعد سقوط الخلافة العثمانية ، وتقاسمت أوروبا العالم الإسلامي بعد اتفاق (سايكس بيكو) عام (1917ه) ، لكنه برز بقوة في مطلع التسعينات تقريباً ، وقد كانت المساجد قبله مهجورة ، وحلقات تحفيظ القرآن الكريم معدومة ، والمواعظ قليلة ، والبدع منتشرة ، والمنكرات كثيرة ، وأغلب الناس غافلين عن أمورهم الدينية ، وحياتهم الأخروية. جاءت الصحوة نقية في الطرح ، سلفية في المعتقد ، فجاء معها النور والخير ، والصلاح والإصلاح ، وصلت الصحوة إلى القلوب ، واستحوذت على العقول ، وتنامت في كل البلدان ، وحققت انتشاراً وقبولاً بين الناس في جميع الأقطار. وهي التي قامت ومازالت تقوم بجهود تعليمية وتربوية واجتماعية ملموسة ، حثت الناس على فعل الطاعات ، واجتناب المنكرات ، وشجعتهم على حفظ القرآن الكريم ، وعلى ارتياد المساجد ، وعلى حضور الدروس والمحاضرات ، وعلى فعل الخير ، والتطوع والاحتساب ، وبذل البر والصدقات. ازدهرت مع الصحوة البنوك والمصارف الإسلامية ، وكذلك المجالس والملتقيات العلمية ، جذبت الجيل إلى قراءة الكتب ، وسماع الأشرطة الإسلامية ، ومتابعة المناسبات الثقافية ، وحضور المخيمات الإسلامية ، ساهمت في انتشار الحجاب بين النساء ، حافظت على المجتمع من التفسخ والانحلال ، احتوت الشباب ووجهتهم التوجيه السليم ، وساعدت على قيام الجهاد في الأراضي المبتلاة بالعدوان الكافر. كذلك قاومت الأفكار المستوردة والمنحرفة ؛ كالاشتراكية والقومية والعلمانية والحداثة ، وأجهزت على كثير من البدع والخرافات ، ونشرت العقيدة الصحيحة في كل مكان ، وساهمت في إعادة الوحدة الفكرية ، وفي محاربة التعصب النسبي والقبلي والإقليمي ، وحاربت الهجمات الصليبية ، والغزوات الاستعمارية ، والحملات التنصيرية ، كما حافظت على وحدة الأمة ، وأحيت أصالتها ، وسعت إلى تميزها ، ووقفت في وجه أعدائها ، وساهمت في بناء نهضتها وتقدمها. من جالس أهل الصحوة الصادقين المخلصين ، وقارنهم بغيرهم ؛ فإنه سيجدهم أصحاب عزيمة قوية ، وصلابة شديدة في التمسك بالعقيدة السليمة ، والضوابط الشرعية ، كما سيجدهم أكثر الناس حرصاً على المعرفة والعلم ، والأخوة والإيثار ، والود والصفاء ، والبذل والعطاء. يا نهر صحوتنا رأيتك صافياً=وعلى الضفاف رأيت أزهار التقى ورأيت حولك جيلنا الحرّ الذي=فتح المدى بوابة وتألقاً (من شعر العشماوي). لكن الصحوة الإسلامية لها في كل مكان أعداء وخصوم ؛ يراقبون نشاطها ، ويبحثون عن ثغراتها ، ويضخمون أخطائها ، ويسعون إلى تحجيمها ومحاصرتها ، وقفل الأبواب في طريقها ، فكم من علماني وليبرالي منافق ؛ تمنى سقوطها ، وسعى إلى دحرها ، وعمل على إطفاء نورها. وكم هي القيادات السياسية ؛ التي ترى الصحوة خصمها الأول ، وعدوها اللدود ، وذلك بحجة مواجهة التطرف والإرهاب والغلو ، فقامت بمراقبة أفرادها ، وزجت بقادتها في السجون ، ومنعت الدروس والمحاضرات ، وأعاقت حركة الملتزمين والمحجبات ، وفتحت أماكن اللهو ، ويسرت انتشار الفساد ، وقدمت مناشط عديدة ؛ ارتكزت على التشكيك في الثوابت والمسلمات. الصحوة الإسلامية كحركة بشرية تصيب وتخطئ ، فمما يعاب عليها كما يقال ؛ اهتمامها الأكبر بالخطاب الوعظي ، وعدم تركيزها على فقه الأولويات ، والجانب المعرفي ، والمنهج الوسطي ، والشأن الحياتي ، وكذلك إهمالها لجلسات الحوار والنقاش مع الآخر ، واعتمادها على العمل الفردي ؛ وليس المؤسسي. إن مما يحتاجه تيار الصحوة اليوم ؛ هو الابتعاد عن الغلو والإفراط ، وكذلك التمييع والتفريط ، وأن يتجه إلى الاعتدال والوسطية ، وأن يرد على الشُّبه والتُّهم والأباطيل ، وأن يكسب خصومه ، وأن يرسم له خارطة جديدة ، وأن تتغير لغة الخطاب ، وأن يستفيد من وسائل التقنية الحديثة ، وأن يحدث طرقه ووسائله وآلياته ، وأن يواجه حملات التغريب والتخدير ؛ بخطط استراتيجية مدروسة، وأن يتواجد في الساحة الإعلامية والأدبية ، وأن يحرص أفراده على مراجعة أهل العلم الشرعي ؛ في كل خطوة يعملونها. وقبل كل هذا ؛ علينا أن نتجه دائماً إلى خالقنا ؛ بطلب التوفيق والثبات على الحق ، وأن يكون عملنا ودعوتنا ؛ من أجل الله تعالى ، وفي سبيل الله تعالى. أيها الإخوة الفضلاء : حركة الصحوة حركة قوية وراسخة وعميقة ، وسوف تبقى قائمة وصامدة وشامخة ، ولن تزول فالمستقبل لها ، والمؤشرات والأحداث تؤكد ذلك ، فهي من نصر إلى نصر ، (ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز) ، حتى وإن تغيرت لغة الخطاب لدى بعض رموزها والداعمين لها ، ولو انتكس بعض أفرادها ، ولو هدأ نشاطها ، ولو حدثت منها بعض الإخفاقات ، ولو كثر الكائدون والمخالفون ؛ فإن الصحوة باقية ما بقي الدين الإسلامي ، ومادامت على منهج القرآن والسنة وسلف الأمَّة ، ومادمنا حريصين على الارتقاء بأعمالها الخيرية ، وإنجازاتها الدعوية. فجرٌ تدفّق من سيحبس نوره=أرني يداً سدّت علينا المشرقا