قد عَلمَ أعداء الاسلام من خارج أمته,والمنافقون الذين في عمق دائرته,أن القضاء عليه أمرٌ ميؤسٌ منه,فهم قد يئسوا من هذا منذ السنوات الاولى للبعثة النبوية ومنذ أن كان القرأن ينزل منجّما على ُمكْث,والمعجزات النبوية تترى وتتوالى,ولم يعد لهم ولو بصيص من الآمل يعوّلون عليه!! لكنهم لم يقنطوا في تمييع منهجه,وتحريف خطابه,وسلخ ابنائه من قيمه ومبادئه,وعَلِموا حقا أن هذا لايتأتى لهم إلا عن طريق البدعة التي لاتؤدي إلا إلى إفراطٍ وانسلاخ,أوإلى تفريطٍ وغلو !! بيد أن تجاربهم مع بث البدع عبر القرون والازمان من تاريخ الاسلام,جعلتهم يقتنعون تماما أن هناك عائقا كبيرا يقف حيال تحقيق أهدافهم,وهذا العائق هو منهج السلف الصافي الذي ينبع من معين الكتاب والسنة والصحابة الكرام ومن تبعهم بإحسان..ولهم في ذلك مواقف متعددة مرت بالحسن البصري مع نشأة المعتزلة, وأحمد بن حنبل,أيام بدعة القول بخلق القرأن ومرت بشيخ الاسلام ابن تيميةمع الرافضة والصوفية وأهل الكلام حتى وصلت إلى محمد بن عبدالوهاب ومن بعده من العلماء !! وهم الآن يقفون حيارى أمام علماء المملكة العربية السعودية,والذين لهم في المنهج السلفي قدوة ومرجعا,مع قدرتهم على الاجتهاد حين يكون لازما حيال مايقتضيه الحال,من مستجدات وحيثيات تتوافق مع الاحداث المعاصرة! ولم يجدوا بدا من إستنفار كل التيارات المناوئة لهذا المنهج الاسلامي الاصيل الذي هو روح الاسلام ومحجته البيضاء,فألبوا ضده الطوائف المبتدعة,واستعاروا الافكار التغريبية الساقطة,واستقوا من الايديولوجيات البائسة أسوأ مافيها,وألصقوا به كل كارثة أو عملٍ إرهابي وشنوا حروبا إعلامية لاهوادة فيها عبر الفضائيات وعبر الصحف والمجلات والكتب والرسائل والندوات,ليوقفوا الزحف السلفي الجامح,الذي يمقته أهل البدع لآنه يخالفهم ويدعو إلى صفاء العقيدة..ويبغضه المستعمرون وأهل الملل الآخرى فهو الذي يحمل الراية الاسلامية السامقة,ضد المحتل المعتدي الغاصب,ويرفع علم الجهاد والفداء على منهج محمدٍ صلى الله عليه وسلم ومنهج أصحابه رضي الله عنهم أجمعين! وليس غريبا أن يتفق الخصوم والمخالفون,وتتقاطع المصالح عند القضاء على منهج السلف,وهذا الذي جعلهم يفرّخون في كل مرتعِ وخم أقزاما ورعاعا,يحملون معاولا للهدم والبلبلة وبث الفتن والنعرات ضد علماء ورموز هذه المدرسة الشامخة'حتى خرج من تحت عبائتها أدعياء يسمون أنفسهم (بالتنويريين),أو المصلحين الجدد,وليسوا إلا من صنع مناوئيها!! وبديهي أن لكل خلفٍ سلف,سواء كان في الاديان أو المذاهب أوالنظريات فإذا سئل الرافضي مثلا,هل هو سلفي؟فسيجيب بالنفي لآن سلفه في الكليني ونعمة الله الجزائري والمفيد وغلاة الشيعة! وإن سئل الخارجي هل هو سلفي؟فسيجيب وبلا شك بالنفي,فسلفه أبن ملجم وابن الازرق وغيرهما,ولو أن الصوفي سئل أيضا بنفس السؤال,لآجاب بالنفي لآن سلفه في ابن عربي والحلاج ورابعة العدوية! ولكن السلفية الحقة,لا تتردد في إجابتها فسلفها محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام,والتابعين الذين اتبعوهم بإحسان إلى عصرنا هذا,الذي ينتهي بالكثير الكثير من العلماء والفضلاء,كإبن باز وابن عثيمين والالباني وغيرهم في شتى بقاع العالم الاسلامي,وهذا يجعلها أشد قربا وحبا وإتباعا للدين القويم,وأما أولئك الذين تنصلوا من السلفية,وأنكروا اتباعها,فأمرهم الى الله عزوجل...ولكن صحة الدين وسلامته لاتكون إلا في إتباع أصله لافي إبتداع فرعه!! ولا غرابة البتة,أن يظهر علينا,في هذا الزمن فريق,يدعي الاصلاح والتنوير للسلفية,فنحن في زمن التيارات الوافدة البغيضة, وتداعي الآمم على المسلمين أو لنقل(على أهل السلف) !! والذي يزيد الآمر سوءاً,أن هذا الفريق (اللبرواسلاميك)(العصرانيون) يجاهر بأنه الابن الوفي للسلفية,والمناصر الصادق لها,والذي ما انبرى إلا لرفعة شأنها وإضاءة الدروب أمامها,ولربما كان صادقا,أنه ابن للسلفية,ولكن كم من ابن لم يبرأمه طرفة عين!! بيد أن نقده للسلفية, يجعلنا نجزم أنه لايوافقها,في قواعدها الاساسية التي تنطلق من خلالها,في عقيدتها وفقهها ومصطلحاتها الفكرية,والتي أوجزها العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين في قوله: السلفيَّة هي اتباع منهج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ؛ لأنهم هم الذين سلفونا وقدمونا وتقدموا علينا , فاتباعهم هو السلفية . وأما اتِّخاذ السلفيَّة كمنهج خاص ينفرد به الإنسان ويضلل من خالفه من المسلمين ولو كانوا على حقٍّ واتخاذ السلفية كمنهج حزبي فلا شكَّ أن هذا خلاف السلفيَّة ، السلف كلهم يدْعون إلى الإسلام والالتئام حول كتاب الله و سنَّة رسوله صلى الله عليه وآله سلم ، ولا يضلِّلون مَن خالفهم عن تأويل ، اللهم إلا في العقائد ، فإنهم يرون أن من خالف فيها فهو ضال .أما المسائل العمليات فإنهم يخففون فيها كثيرا لكن بعض من انتهج السلفيَّة في عصرنا هذا صار يضلِّل كل من خالفه ولو كان الحق معه، واتَّخذها بعضهم منهجاً حزبيّاً كمنهج الأحزاب الأخرى التي تنتسب إلى الإسلام ، وهذا هو الذي يُنكَر ولا يُمكن إقراره، ويقال :انظروا إلى مذهب السلف الصالح ماذا يفعلون في منهجهم وفي سعة صدورهم للخلاف الذي يسوغ فيه الإجتهاد , حتى إنهم كانوا يختلفون في مسائل كبيرة ، في مسائل عقديَّة ، وفي مسائل عمليَّة ، فتجد بعضَهم – مثلاً – يُنكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى ربَّه ، وبعضهم يقرُّ بذلك ، وبعضهم يقول : إن الذي يُوزن يوم القيامة هي الأعمال ، وبعضهم يرى أن صحائف الأعمال هي التي تُوزن ، وتراهم – أيضاً – في مسائل الفقه يختلفون كثيرا ، في النكاح ، في الفرائض ، في العِدَد ، في البيوع، في غيرها ،ومع ذلك لا يُضلِّل بعضهم بعضاً . فالسلفيَّة بمعنى أن تكون حزباً خاصّاً له مميزاته ويُضلِّل من سواهم :نقول هؤلاء ليسوا من السلفيَّة في شيء السلفية اتباع منهج السلف عقيدة وقولاً وعملاً وائتلافاً واتفاقاً وتراحماً وتواداً كما قال النبي عليه الصلاة والسلام : مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد ) أو قال :مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر(انتهى كلام الشيخ) غير أن هؤلاء التنويريين الجدد,قد جحدوا الكثيرمن هذا القول الذي أتى من عالمٍ يعد من أكابر علماء عصره,ويعد امتدادا للمدرسة السلفية النقية! فهم يزعمون أن المدرسة السلفية,ذات غلو وجمود,ولاتقبل الرأي الآخر وأنها ترفض التجديد في الفكر الاسلامي المستنير,المتفق مع مجريات العصر,وعلى هذا الاساس,فلا بد لهم من إصلاح وتنوير هذه المدرسة! ويرى التنويريون الجدد أنه يجب إعادة النظر في أربعة قواعد اساسية! (1)إعادة النظر في منهج الاستنباط من النصوص المبني على الحرفية, وهذا يجعلنا والعياذ بالله نؤمن ببعض ونترك بعض(وما كان لمؤمن ولامؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) ويقول عليه الصلاة والسلام(من أحدث في أمرنا هذا ماليس منه فهو رد) (2)إعادة قراءة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين مع ترتيب الاولويات. ولم تشتهر السلفية في شيء أكثر من شهرتها,في الإقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين الذين أتبعوهم بإحسان,وقد قال عليه السلام(عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ),ومتابعة الرسول وأصحابه من سلامة الدين! (3)التعامل مع الآخر المسلم وغير المسلم. ولعل السلفية هي التي تتميز بعدم التكفير إلا بأدلة قاطعة,يُجمع عليها,وإن كانت تعتبر من يخالفها في العقيدة ضال ,وتخفف في مسائل العمليات,والسلفية تعطي المعاهدين وأهل الذمة والمستأمنين حقوقهم وافية غير منقوصة,وتقبل الحكمة أنّى وجدَتها,وتتعامل مع أهل الكتاب وغيرهم,بحسب كتاب الله وسنة رسوله وصحابته الابرار! (4)إحياء فقه الخلاف الديني,وتعويد الناس على سماع الخلاف الفقهي ليستوعبه الجمهور,وعدم الإقتصار على رأي واحد! وهذا القول يعد دعوة صريحة,لترك الباب مفتوحا لكل من هب ودب ليقول بما لايعلم ولايفقه,إذا تُرك للعامة وأنصاف المتعلمين,وليس من الصواب ابدا,أن يفتي المفتي لسائله العامي,بجميع الاقوال والخلافات ويخيره فيما بينها,وقد إشتهرت المدرسة السلفية بسعة صدور علمائها في مسائل الخلاف,ومايدرس في الجامعات السعودية والدروس العلمية وما يتبعه قضاة المحاكم السعودية من ترجيح للاقوال المعتبرة في الفقه الاسلامي,لآدلة واضحة على قبول الخلاف والاخذ به بضوابط وقواعد يعرفها الاصوليون والفقهاء! إذن فالسلفية لاتحتاج إلى من ينورها,فهي نور على نور ولاتحتاج إلى أدعياء,عشقوا الآضواء فسلطوا أدواتهم وألاتهم الشرعية للغمز واللمز في منهج السلف الذي لم يبق صامدا في وجه البدعة والضلال إلا هو, إن السلفية التي يريدون تنويرها وإصلاحها هي التي كانت على ماكان عليه الصلاة والسلام وأصحابه الكرام,إنها التي لازالت على المحجة البيضاء,وهي التي لم تخضع للعلمانية العمياء ولا اللبرالية الهوجاء,والتي لاتعد نفسها حزبا سياسيا ولا دينيا بل منهجا نبويا محفوفا بالسنة النبوية المطهرة,على منهج أهل السنة والجماعة! إن دعوة التنويريين الجدد إلى إطلاق العقل المجرد بما يوافق المصلحة لدعوةٌ تذكرنا بأفكارجمال الدين الآفغاني ومحمد عبده ورفاعة الطهطاوي,والتي تطورت حتى أصبحت تنادي بإخراج المرأة من عفافها وتقدم العقل على النقل في كل شيء,فأماتت العقيدة وأوهنت الآمة,وأججت البدعة,وسلخت القيم الحميدة,ودلفت إلى جحور أهل الاهواء والمستعمرين! إن منهج السلف لغني كل الغنى عن تنوير هؤلاء,ولغزير ووافر بكل علم وفن وإجتهاد,فيما تحتاجه الآمة في كل مسألة من مسائل الدين والدنيا معا,فدعوها أيها التنويريون(اللبراسلاميك)فلا تكونوا أهل بدعة وابتداع! رافع علي الشهري [email protected]