أقرب تفسير لإلغاء هيئة الاتصالات المؤتمر الصحفي الذي وعدت بعقده يوم السبت الماضي هو أنها لا تملك إجابة مقنعة على السؤال الذي مازال معلقا حتى الآن عن إصرارها على إلزام شركات الجوال بإلغاء خدمة التجوال الدولي. هذا التفسير تؤكده الهيئة نفسها من خلال البيان الذي أصدرته ونشرته الصحف أمس فهي لم تقل شيئا ذا قيمة في البيان الذي أكد عجز الهيئة عن تقديم مبرر مقنع لقرارها العجيب. الهيئة تقول في بيانها العظيم إنها ليست ضد مصالح المشتركين فهل تعتقد الهيئة أن إلغاء خدمة مجانية لمصلحة المشتركين؟ والهيئة تقول إنها حريصة على التنافسية العادلة فهل عدالة التنافس تقضي بإلغاء خدمة مجانية يقدمها تاجر، والإصرار على تحميل المستهلك مصاريف سبق أن تنازل عنها هذا التاجر، هل الهيئة تعتقد – مثلا – أن المسؤولين في شركات الاتصالات مجانين أو سفهاء حتى تهب لحماية حقوق المساهمين؟ وتقول الهيئة إن قرارها هذا قديم وإن الشركات لم تلتزم فأين كانت نائمة حتى تم التطبيق ومر الزمن؟ وتقول الهيئة إن القرار مدروس وإنه ينطلق من (نظرتها الشمولية الآخذة في الحسبان النواحي الاقتصادية والأمنية، والتوجه العام للدولة الساعي إلى نشر خدمات الاتصالات وتقنية المعلومات في مختلف أنحاء المملكة وحماية المنافسة بما ينعكس إيجابا على المشتركين). حسنا، هل الخدمات المجانية التي تقدمها شركات الاتصالات تنعكس إيجابا على المشتركين، أم أن قرار الهيئة بمنع خدمة التجوال الدولي مجانا هو الذي ينعكس إيجابا؟ أسأل لأننا فيما يبدو أمام مفاهيم جديدة تسعى هيئة الاتصالات إلى إقناعنا بها بينما عقولنا لا تستوعب، وتبعا لعدم الاستيعاب هذا نرجو أن تتلطف الهيئة وتشرح لنا نظرتها الشمولية اقتصاديا وأمنيا وتنافسيا وتنظيميا، وهي نظرة لابد أنها تجلت في الدراسة التي أجرتها الهيئة وبنت عليها قرارها بمنع الخدمة المجانية للتجوال الدولي بزعم أنه لمصلحة المشتركين. شرح الهيئة أو نشر دراستها الجاهزة منذ أكثر من سنة لن يكون مفيدا لها فقط ولكنه سيكون مفيدا لوزارة التجارة التي تتعرض بين الحين والآخر للنقد من جراء تقاعسها في لجم ارتفاع الأسعار في الأسواق، حيث سيكون لديها وصفة جاهزة من ابتكار هيئة الاتصالات تقنع بها المستهلكين أن رفع الأسعار لمصلحتهم، وأن أي تخفيض لسلعة أو مجانيتها إنما هو ضد المستهلكين. صحيح أن الموضوع صعب الاستيعاب، لكن ربما أن لدى هيئة الاتصالات مفهوما قد يحدث انقلابا في مفاهيم الاقتصاد العالمي التي تعارف عليها الناس، فمن غير المعقول أن تصر الهيئة على قرار غير مقنع وهي لا تخبىء مفهوما انقلابيا سيغير الكثير من مفاهيم العقول والجيوب، وهي تخبئه حتى الآن بحكم خبرتها العريقة في التسويق إذ إنها تعرف أهمية التشويق وتدرك أن مشتركي الاتصالات مشتاقون الآن لمفاجأتها.