أن يعبر الناس عن أفراحهم فهذا جميل، وأن يكون الوطن جوهر هذه الأفراح فهذا أجمل، لكن حين يتحول التعبير عن الفرحة بالوطن في يومه إلى كابوس يقلق من يريدون أن يشاركوا في الفرح فإن الأمور تحتاج إلى إعادة حسابات ليعرف الجميع القيمة من اليوم الوطني أو من الفرحة ذاتها أو من أسلوب التعبير، والذين شاهدوا مقتطفات من أساليب التعبير على اليوتيوب أو قرأوا بعض الأحداث في الصحف وهي ليست إلا الحد الأدنى مما يرويه الذين عانوا من هذه التصرفات، سوف يجد أن المسألة تجاوزت حدود المسموح به في التعبير عن الفرح إلى الجريمة والإرهاب والفوضى، والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة بل وعلى العائلات والأفراد. هؤلاء يعيدون الوطن إلى ما كان عليه قبل أن تتحقق الوحدة الوطنية وقبل أن يبدأ مسيرة التحديث والتطوير، حيث كانت الفوضى وقطع الطريق والسلب والنهب والاعتداء على الآخرين دون وازع من سلطة أو دين، وإذا كان هذا ما يريدون تحقيقه من استغلالهم هذا اليوم بالذات للتعبير عن قيم وتصرفات وأخلاقيات تناقض تمام التناقض ما يهدف اليوم الوطني إليه فإن هناك خللاً في أن يبقى المجال مفتوحاً لهذه الممارسات لأنها هي الفرصة المناسبة لأصحاب النوايا المنحرفة والأجندات الخفية كي يمارسوا ما يسعون إليه في ظل التعبير السائد عن الفرحة في يوم يجمع أبناء الوطن على حبه. ما يزيد من المرارة اندفاع المئات خلف ملثمين يحملون أسلحة بيضاء وكأنهم مخمورون لا يعرفون شيئاً مما يجري أمام أعينهم، ويدخلون مطاعم ومقاهي وصيدليات ومتاجر ليعيثوا فيها تخريباً وإفساداً، وتخويفاً وإرهاباً، ويحسب بعض الدهماء أنهم يحققون الفرحة بعيدهم في يوم وطنهم، بل إن منهم من ذهب يلاحق السيارات التي تحمل عائلات وأطفالاً حتى اضطرهم أمام الخوف والهلع إلى الاعتصام بالبيوت وعدم مغادرتها تاركين أمر الاحتفال لهؤلاء الغوغائيين الملثمين وغير الملثمين . البعض يلتمس لهؤلاء العذر بأنهم صغار لم يتجاوزوا الثامنة عشرة والبعض الآخر يرى أن المناسبة تستوعب هذه التصرفات على اعتبار طغيان الفرح ومشاعر الابتهاج، وفي ذلك ما فيه من التسطيح حتى وإن استشهد البعض بما قد يجري في دول الغرب فهناك الخمور وغير الخمور مما يذهب بالعقول فتأخذ النشوة سبيلها إلى التصرفات الرعناء، ولا عذر إطلاقاً لمن يعتدي على ممتلكات الآخرين أو حرياتهم مستغلاً مناسبة وطنية أو حدثاً يسعى الناس مجتمعين إلى التعبير عنه. هناك حلول وقائية وأخرى علاجية لابد من الأخذ بها حتى تظل هذه الاحتفالات راقية وجميلة ومعبرة عن حس وطني جميل، فلو أن أمانات المدن وبلدياتها تتعاون مع الجهات الأمنية في تحديد أماكن كالملاعب الرياضية أو بعض الشوارع لمشاركات احتفالية منظمة يشاهد الناس فيها إبداعات المشاركين وهي كثيرة في الغرب إما في الكرنفالات أو المسيرات، مع الحد من استخدام السيارات التي يغلق أصحابها بها الشوارع والطرقات العامة فيعطلون المصالح ويمنعون أحياناً سيارات الإسعاف أو ذوي الحاجات من بلوغ حاجاتهم. ومن العلاج أن يؤخذ هؤلاء الجانحون إلى مراكز إعادة تأهيل بحيث يقومون بأعمال ذات نفع عام خلال فترة زمنية تناسب أعمارهم وأعمالهم التي ارتكبوها، ويمكن أن يعهد بذلك كله إلى فرق يتم إنشاؤها بشكل دائم في الحرس الوطني، فهم أقرب وأقدر على القيام بهذه الأعمال حتى يخرج كل واحد من هؤلاء المخالفين وقد عرف أن المجتمع أمانة في عنقه وأن عليه المحافظة على ممتلكاته وأمن أفراده وسلامة العائلات فيه، وأن يعرف أن التصرف المذموم غير مقبول وعليه أن يدفع ثمنه خدمة للمجتمع واعترافاً بما ارتكبه من أخطاء وتصرفات يدفع المجتمع ثمنها بشكل أو آخر. حين يستثمر البعض الاحتفال باليوم الوطني في إشاعة قيم العدوان والسلب والنهب على اعتبار هذه قيم التعبير عن الفرحة والانتشاء بيوم الوطن فإن في ذلك بداية لعودة ما كان سائداً قبل أن يتحقق للوطن ما يهدف إليه من أمن وأمان واطمئنان على الأرواح والممتلكات وعلى ملتمسي الأعذار لهؤلاء أن يعيدوا النظر في فهمهم للوطن والقيم التي يقوم عليها حبه والاحتماء به أو حمايته .