شكراً لحرس الحدود الذين نجحوا أخيراً في استخراج جثة الغريقة «فاطمة الصعب» من وحل المجاري في شاطئ بحر جدة، لكن الشكر وحده لا يكفي، فلا بد أن يعرف الجميع، أن «حرس الحدود» ضحية أخطاء غيره، فالغريقة رحمها الله لم تكن تسبح في موقع من البحر تجوز فيه السباحة، بل إن اللوحات المنصوبة تشير إلى الخطر المتربص في مكان غرقها، والرائحة الكريهة توقظ النائم، ولكنه أمر الله وما شاء فعل، ولا حول ولا قوة إلا بالله. المهم أن «حرس الحدود» تحمل النتيجة، وظلت معداته وغواصوه يخوضون المجاري على مدار اثني عشر يوماً حتى عثروا على الجثة، فمن هي الجهة التي يتجه إليها «حرس الحدود» ويرفع قضية ضد الذين أوقعوه في هذا الموقف؟ سأوضح. لو أن الغريقة تسبح في موقع نظيف مسموح بالنزول إليه ثم غرقت، فإن واجب «حرس الحدود» أن ينقذها حية، وليس فقط استخراج جثتها، أما وقد غرقت في منطقة محظورة، تستحيل السباحة فيها، وبالتالي يصعب على الغواصين المحترفين البحث فيها، الأمر الذي كلف حرس الحدود مالاً وجهداً، وحمله مسؤولية، وربما لوماً من البعض، ألا يحق له أن يشتكي، وأن يرفع «قضية»؟ أقول هذا، وأنا أعرف أن «حرس الحدود» لن يشتكي ولن يرفع قضية على أحد، بل سيكتفي بنجاحه في استخراج الجثة، ويبقى متحفزاً منتظراً للجثة القادمة التي ربما تكون في نفس الموقع، أو في موقع مشابه محظور، بينما على الطرف الآخر، لاحظوا ما يحدث، والد «الضحية» على اعتبار أنه غير مسؤول عما حدث يتهدد الأمانة برفع قضية عليها، لأنها سمحت أو غضت الطرف، عن مصبات المجاري التي بلغت أكثر من ستمئة مصب في البحر، والأمانة لم تسكت، فقد نقلت المسؤولية إلى شركة المياه الوطنية، وهذا وكيل الأمانة للشؤون البيئية يستشهد بأكثر من عشرين خطاباً وجهتها الأمانة للشركة دون أن تتلقى أي رد، ويقول عبدالسلام ل»عكاظ» أمس إن الشركة مسؤولة عن تنقية مصب مياه المجاري، لكنها لم تقم بواجبها في تنظيف المصب من التكون الطيني والطحالب، كما أن الشركة مسؤولة عن إجبار المقاولين على تركيب أجهزة تنقية للمياه «فلاتر» لكنها، لم تجبرهم. وأنا أقول إنه ربما أجبرتهم لكنهم لم يلتزموا، لذا فإن شركة المياه – ربما – تخلي مسؤوليتها، وتحملها على المقاولين، والمقاولون يخلون مسؤوليتهم ويحملونها على التجار الموردين للفلاتر، والموردون يخلون مسؤوليتهم ويحملونها على المصانع التي أوقفت تصنيع الفلاتر، وهكذا تصبح القضية دولية بحيث تتولى سفاراتنا في الدول التي نستورد منها الفلاتر رفع قضية على المصانع هناك، وإلى أن تنتهي القضية وتعود المصانع للإنتاج، يظل «حرس الحدود» مسؤولاً عن الضحية تلو الأخرى، ويظل «صامتاً»، إن نجح في استخراج الجثث من المجاري قلنا له شكراً على استحياء، وربما مع لومه، وإن طمرت المجاري الجثة واستحال الوصول إليها حملناه المسؤولية، ونسينا المتنزهين الذين يرمون بأنفسهم أو بأطفالهم إلى التهلكة، ونسينا مسؤولية الأمانة والصرف الصحي، وبقينا نتفرج عليهما وهما يطمران البحر بالمجاري، ويتقاذفان المسؤولية إلى أن وصلت إلى مصانع الفلاتر في الدول الغربية. قلت إنني أعرف أن «حرس الحدود» لن يرفع قضية، ولكن لأن اللوحات التحذيرية والرائحة الكريهة لم تعد كافية لتوعية المتنزهين بالخطر، ولأن أمانة جدة وإدارة المياه والصرف تتنصلان من مسؤوليتهما علناً، وأمام الجهد الضخم مادياً ومعنوياً الذي يتحمله «حرس الحدود» فإنني أطالبه برفع قضية لدى المحكمة أو ديوان المظالم، ضد المهملين كلهم «متنزهين، والأمانة، وإدارة المياه»، وأنا لا أريد «حرس الحدود» أن يكسب تعويضاً مادياً ولا معنوياً، ولا حتى شكراً، أريده بهذا الفعل أن يسهم مساهمة عملية في التوعية بأهمية تجنب الخطر، وأهمية تحمل المسؤولية. أما المتعاطفون «المولولون» فإنني سأردد معهم رحم الله الغريقة، وعوض أهلها خيراً، لكنني أقول لهم، اهدؤوا وتأملوا وفكروا من المسؤول الأول عن غرق «فاطمة» ثم رتبوا فصول المسؤولية بموضوعية.