نفذت آليات حرس الحدود وطائرات القوات البحرية الملكية السعودية أكثر من خمسين طلعة وأكثر من خمسمئة غطسة – حتى مساء الثلاثاء الماضي – ومازالت الطلعات، والغطس، مستمرين بحثاً عن غريقة بحر جدة \"فاطمة الصعب\" التي غرقت يوم الخميس قبل الماضي شمال ميدان النورس غرب محافظة جدة، في منطقة ضحلة موبوءة بمياه \"المجاري\" وعليها لوحات تحذيرية وضعها حرس الحدود لمنع المتنزهين من النزول فيها مطلقاً. الطلعات تعني القوارب، والحوامات، والزوارق، والطائرات العمودية، والطلعة الواحدة – كما أوردت صحيفة المدينة – تحسب من الفجر حتى مغيب الشمس، أما الغطس، فيشارك فيه مئتان وخمسون غواصاً. ومن لديه اقتراحات إضافية لحرس الحدود فأعتقد أنهم يرحبون. رحم الله فاطمة، وعوض أهلها خيراً، وأعانهم بالصبر والسلوان. أما بعد ذلك، فإن الملام في حوادث الغرق في هذه الأماكن الضحلة المحظورة، تتقاسمه جهتان – في نظري. الجهة الأولى: المتنزهون على شاطئ البحر من المواطنين والمقيمين الذين لا أظن أحداً منهم لم تمر عليه في حياته جملة \"البحر غدار\". فكيف، واللوحات المنصوبة تشير إلى مضاعفة الغدر والخطر في بعض المواقع، ومن لم يقرأ اللوحة، فلا بد أن يشم \"الرائحة\"، ومع هذا نجد من يسمح لنفسه أو أطفاله أن ينزل في موقع بحري ملوث محظور كل المؤشرات أمامه تقول إن الموت فيه شبه مؤكد، وأتصور أن أي إنسان لابد أن يبتعد عن أي خطر حتى ولو كانت نسبته لا تتجاوز 5% فما بالك إذا كان الخطر مكشراً عن أنيابه، وضحاياه ملأت أخبارهم الأسماع والأبصار. ولا حول ولا قوة إلا بالله! الجهة الثانية: ثلاث إدارات حكومية أولها مصلحة المياه والصرف الصحي التي تقاعست على مدى العقود الثلاثة الماضية عن تنفيذ مشروع الصرف الصحي في مدينة جدة، التي في باطن أرضها من المياه الجوفية بسبب البحر والأمطار ما يشكل خطراً يكفيها عن خطر \"المجاري\" التي مازال مشروعها الضخم يحتاج قوة دفع جبّارة لإتمامه خلال العامين أو الثلاثة المقبلة، وما لم تتوفر هذه القوة من الآن، فإن هذا المشروع سيظل يمدد زمن إنجازه عاماً تلو الآخر، بأعذار ومبررات تمهد لكارثة قد لا تبقي ولا تذر – لا سمح الله -. الإدارة الثانية، أمانة مدينة جدة التي تعد صحة البيئة وسلامتها من أهم مسؤولياتها، ومع ذلك غضت الطرف حتى بلغت مصبات المجاري في البحر أكثر من ستمئة مصب خلال العقدين أو الثلاثة الماضية، متذرعة بعدم تنفيذ شبكة الصرف الصحي في المدينة، وكأنه لا توجد حلول أخرى يمكن الإلزام بها والإصرار عليها، ليس ذلك فحسب، بل إن مساعد الأمين لشؤون البيئة يطمئننا بثقة لا أدري من أين استمدها أن المنطقة التي سقطت فيها الغريقة \"فاطمة\" تعتبر من أقل مناطق البحر تلوثاً، وأنها طبيعية في ظل مشاريع شبكة الصرف الجبارة. شكراً يا أستاذ محمد عبدالسلام على ما أوضحت. ونأمل أن تقول لنا متى تصبح هذه المنطقة في مستوى تلوث بقية المناطق، كم من الزمن تحتاج؟ أما تأكيدك على أن قياسات الأمانة الكيماوية جاءت مواكبة لقوانين \"الأرصاد وحماية البيئة\"، ففيها نظر، لأنها تحتاج إلى توضيح من هيئة الأرصاد، فهي الإدارة الثالثة المسؤولة التي إذا كانت لا تملك سلطة لإيقاف مصبات المجاري، ولا إدانة تقاعس الأمانة عن إيقافها، فعلى الأقل تعلن للناس بصورة واضحة عن القياسات الكيماوية المعتمدة دولياً التي يجب على المتنزهين مراعاتها للاستمتاع ب\"رائحة المجاري\" على شاطئ العروس.