أكد الكاتب والإعلامي نايف كريري في ورقة قدمها في أدبي جازان الأربعاء الماضي أن سؤال الثقافة لا يزال يتردد في فضائنا العربي، وهو بحاجة إلى المزيد من الإيضاح، كون الحديث عن القضايا الثقافية العربية، التي لا تستند في مفهومها البسيط إلا إلى مجرد قراءة كتاب، أو نظم قصيدة، أو كتابة منجز نقدي، أو مشاهدة فيلم سينمائي، أو الاستمتاع بمعرض تشكيلي، لا تفي بالغرض المطلوب من سؤالنا عن الثقافة التي يمكن أن تتواكب مع روح العصر الحديث. وتتوافق مع تطلعات الجيل. وتكون قادرة على صناعة التنمية في مختلف المجالات. لم نستطع الخروج بثقافتنا العربية من عالمها الذي رزحت فيه زمناً إلى عالم أكثر تحول من ذي قبل. علما بأن الثقافة حاسمة ورهاناتها عالية في كسب المستقبل، أو إضاعته..! كونها سلطة معرفية تقود المجتمعات إلى التطور والتقدم، من خلال الإسهام الفاعل في صناعة المستقبل عبر التخطيط المعتمد على النظرة العلمية النقدية والرؤى الاستشرافية. ربما لا يزال تمثيل الثقافة في وطن بحجم وطننا شاسع المساحة، مترامي الأطراف يتطلب أدواراً عدة حتى يفي بهذا الغرض، ويصل إلى جعبة كل مهتم ومتعطش في أي اتجاه يقطنه، ليصبح العمل الثقافي سمة المجتمع الأبرز. وإن الأدوار المهمّة التمثيلية للثقافة بمفهومها الشامل تتطلب صوراً عدة، ومقومات مختلفة تسهم في بناء المجتمع ثقافياً ومعرفياً، وهذا العمل الثقافي لا غنى له عن وسائل اتصالية وإعلامية تساعد في نشر غاياته وأهدافه وطموحاته، وتعكس له ردود الأفعال ورجع الصدى مع كل دور ثقافي ينجز أو خطوة تتحقق. وإذا ما ركّزنا حديثنا حول تخصص مهم في مجال الإعلام ألا وهو «الإعلام الثقافي» فنجده حاضرا في صحافتنا المحلية منذ البدايات الأولى لإصدارات الصحف السعودية، ومر وقت طويل منذ نشأته إلى اليوم، ولكنه مع ذلك لم يجد الاهتمام الكافي بالدراسة والتحليل والبحث. كان يغلب على مرحلة البدايات الصحفية أو ما يسمى بصحافة الأفراد، الطابع الأدبي والثقافي، ومن أبرز سمات تلك المرحلة كانت المعارك الأدبية، والقضايا النقدية والثقافية الأخرى، وكان الأدب في تلك المرحلة هو من يصنع الصحافة ولم تكن الصحافة تصنع الأدب. تلتها مرحلة المؤسسات الأهلية الصحفية ومنها ظهر صراع الحداثة الأدبية، فعكست الصحافة السعودية عموما والإعلام الثقافي خصوصا هذا الصراع من خلال الصفحات الثقافية والأدبية والملاحق الثقافية، وتباينت مواقف الصحف السعودية بين مؤيد ومعارض فيما لازمت بعضها الوسط بين منطقتين. تتسم المرحلة الحالية بما يمكن أن نطلق عليه تعدد الأصوات الصحفية، تزامناً مع بداية القرن الحادي والعشرين، إذ تجاوز الإعلام الثقافي في الصحافة السعودية مرحلة البدايات والصراع وبدأ في تلمس مفهوم الثقافة الشامل الذي انعكس على كثير من الصفحات الثقافية، في محاولات للخروج من إطاره المتعارف عليه إلى مساحات ثقافية أشمل وأوسع، بدأ الواقع المعاصر بفرضها خصوصا مع ظهور الإعلام الجديد ومواقع التواصل الاجتماعي. والمؤمل من الإعلام الثقافي أن يكون شاملا في تناوله لمختلف القضايا الثقافية والأدبية والفكرية، وتقديم المعرفة التي ينتظرها الجمهور الذي تعددت أمامه الوسائل الإعلامية، ولا يكتفي بمتابعة الحدث الثقافي وإنما قراءة ما بعد الحدث. ولا ينتظر أن يظهر مشروع ثقافي ليكتب عنه وإنما يبادر إلى اقتراحه وتناوله وطرحه بوعي. وتكثيف الاهتمام بالشأن الخارجي على غرار الشأن الداخلي، كونه الصوت الذي نعوّل عليه كثيراً بمقدار ما نعوّل على الإعلام السياسي في هذا الشأن.