يمثل الصيام في شهر رمضان المبارك تجربة سلوكية نفسية مهمة تتجاوز الامتناع عن الطعام والشراب إلى تهذيب السلوك الإنسان وضبط انفعالاته وتعزيز تحكم الذاتي في سلوكه. ومن منظور علم النفس فإن الصيام يعد ممارسة سلوكية إرادية من شأنها تنمية مهارات القدرة على تأجيل الإشباع الفوري للرغبات، مما يعزز من قيمة الصبر والانضباط الذاتي، وهما من المهارات الأساسية في التكيف النفسي الفعّال لدى الإنسان، كما أن الالتزام بممارسة شعائر شهر رمضان يخفض من مستويات التوتر والقلق لدى الفرد، من خلال تفعيل آليات التكيف الإيجابية وتعزيز الشعور بالرضا الذاتي. وتؤكد دراسات وبحوث علم النفس العصبي أن الصيام كشعيرة إسلامية يؤثر بشكل مباشر على العمليات البيولوجية المرتبطة بالحالة النفسية، من خلال تحفيز إنتاج النواقل العصبية المسؤولة عن تحسين المزاج، كما أن الامتناع عن الطعام والشراب بشكل إرادي لفترات زمنية محددة يسهم في تحسين وظائف الدماغ، ويزيد من عمليات التركيز، ويعزز من المرونة النفسية، ويضبط الانفعالات، مما ينعكس إيجابًا على مستوى الصحة النفسية، ويجعل الجهاز العصبي يتكيف مع التغيرات الفسيولوجية للصيام، وهذا بدوره يخفض احتمالية استثارة الانفعالات، ويعمل على تعزيز القدرة على السيطرة على ضغوط الحياة المختلفة. كما أن الصيام يعزّز من مستوى الصحة النفسية من خلال تقوية الروابط الاجتماعية وتنمية الشعور بالانتماء، من خلال ممارسة العبادات المختلفة كصلاة القيام والتراويح، وحضور موائد الإفطار، والتواصل الاجتماعي خلال هذا الشهر الكريم، والتي بدورها تؤدي إلى إشباع الحاجات النفسية الأساسية لدى الإنسان، مثل الشعور بالأمان والقبول الاجتماعي، كما أن الالتزام بنظام حياة يومي محدد، يشمل مواعيد ثابتة لتناول الطعام والنوم والعبادات، يساعد على تحقيق الاتزان النفسي والحد من تقلبات المزاج التي قد تنجم عن الفوضى الحياتية. وبما أنه لا يمكن حصر الفوائد النفسية لممارسة هذه الشعيرة الإسلامية من خلال هذه المساحة المحدودة، إلا أنه يمكن النظر إلى الصيام على أنه تجربة نفسية متكاملة تسهم في إعادة تنظيم العمليات العقلية المعرفية والانفعالية، وتعزيز الرفاه النفسي وجودة الحياة النفسية، من خلال تعزيز مهارات الضبط والتحكم الذاتي، وتحسين مستوى القدرة التكيف مع الضغوط المختلفة، وتعزيز المشاعر الإيجابية، مما يجعله أحد عوامل دعم الصحة النفسية، وتحقيق الاتزان النفسي لدى الإنسان.