خلال السنوات القليلة الماضية، كتبت عن مجلس الشورى عدة مقالات، تناولت فيها أداء المجلس الموقر من عدة جوانب، تارة بالإشادة حينما يكون هناك ما يستحق الثناء، وأخرى بالنقد عندما أعتقد أن هناك ما يستلزم التقويم، أو نقل انطباعات الرأي العام للمجلس، والملفت أنه لم يحدث أن حظيت كتاباتي عن الشورى بأية ردود أفعال من إدارة المجلس، وإن كانت هناك حالات محدودة، تفاعل فيها بعض الأصدقاء من أعضاء الشورى بالتعليق على ما كتبت، في حين تفضّل زملاء تويتر الشوريين بإعادة نشر بعض مقالاتي عبر وسيلة التواصل الاجتماعي الأبرز في المملكة. والغريب هو حدوث ذلك رغم وجود أمرين ملكيين ساميين، تم تتويجهما بقرار صادر عن مجلس الوزراء عام 1433ه، وجميعها تصب تجاه تنظيم العلاقة بين الأجهزة الحكومية، وما تنشره وسائل الإعلام، وتطالب بضرورة تفاعل تلك الأجهزة مع الانتقادات، وإذا كنت (قد) أتفهّم دواعي تجنّب بعض الوزارات التعقيب على المطالب الشعبية المنشورة إعلاميا من قبل المواطنين، فإن من الصعوبة بمكان قبول استمرار صمت مجلس الشورى؛ لأنه مؤسسة تشريعية ورقابية لها طابعها ومكانتها الخاصة، وذلك بخلاف الوزارات التي تقوم بالتنظيم والإشراف والمتابعة على الأداء التنفيذي لأعمال الحكومة، وهو ما قد يضعها غالبا في موقف الدفاع عن أوجه القصور، لذلك تتجنب التواصل مع الرأي العام. وقد لاحظت خلال الفترة القريبة الماضية تطورا جيدا على أداء المجلس الموقر، بشقيه التشريعي والرقابي باقترابه أكثر من القضايا التي تهم شرائح مجتمعية عريضة، وذلك بعد فترة ساد فيها التوتر وسوء الفهم بين الجانبين؛ نتيجة لإخفاق المجلس- برأي الكثيرين- في إقرار توصيات يطالب بها الناس، أو دراسة مشاريع أنظمة يرونها ملحة، وتتداخل مع حياتهم وأسلوب معيشتهم، ورغم ذلك لا يزال تفاعل المجلس محدودا مع تطلعات غالبية المواطنين الذين يأملون أن تعبر قراراته عن رغباتهم، وأن لا يكتفي فقط بدراسة ما يحال إليه من الجهات الرسمية بل لا بد أن يبادر إلى تبنّي القوانين أو التعديلات النظامية التي يقترحونها، ويرون أنها تخدم مصالحهم وتحقق المصلحة العامة. ومن أجل ردم الفجوة الحالية بين المجلس والمجتمع، وتحسين صورته الذهنية لدى المواطنين، أقترح قيامه بعدد من المبادرات منها: 1 - تأسيس وحدة لاستطلاعات الرأي، تقوم بشكل دوري بعمل دراسات واستبيانات حول الموضوعات التي تشكّل محور اهتمام أصحاب العلاقة، وتقيس مدى رضاهم عن أداء المجلس، وتقييمهم للقرارات أو التوصيات التي يوافق عليها أو يرفضها؛ ولا مانع أن تتم تلك الاستطلاعات بأثر رجعي، بالإضافة للأمور التي يعتزم المجلس مناقشتها في المستقبل. 2 - عقد مؤتمر صحفي بعد كل جلسة، يقدِّم فيه المتحدث الرسمي للمجلس موجزا لمحضر الجلسة، ويتطرق إلى أبرز الموضوعات التي تمت مناقشتها، ونتائج التصويت عليها، مع استعراض وجهات النظر المختلفة بشأنها. 3 - ترتيب لقاء إعلامي أسبوعي يجمع بين أعضاء المجلس الراغبين في المشاركة في اللقاء، وبين ممثلي مختلف وسائل الإعلام، يعرضون فيه آراءهم، ويوصلون صوتهم ومرئياتهم حول قرارات المجلس التي تم اتخاذها خلال يومي العمل، وذلك بكل حرية وبعيدا عن اللائحة الداخلية، وقواعد المناقشة المنظمة لعمل الجلسات. 4 - تطوير تفاعل حساب المجلس على تويتر بنقله لمستوى أعلى، من خلال عدم الاكتفاء بإرسال التغريدات فقط كما هو الحال الآن، بل بالتجاوب مع الملاحظات، والإجابة على الاستفسارات، وبحيث يصبح أقرب لحسابات ال (Customer Care) أو خدمة العملاء. 5 - عقد بعض جلسات المجلس خارج مدينة الرياض بواقع مرتين إلى ثلاث مرات سنويا، ويمكن البدء بعقدها في مدينتي جدة والدمام، قبل التوسع في التجربة تباعا في مدن أخرى، عام بعد عام، لاسيما أن المادة 12 من نظام المجلس تسمح بذلك، وخصوصا مع توفر قاعات فندقية كبرى تستوعب مثل هذه الاجتماعات. 6 - نقل جلسات المجلس أو بعضها تلفزيونيا على القناة الثقافية السعودية عوضا عن الاكتفاء حاليا بعرض تقريرين أسبوعيين مختصرين؛ لا يغطيان بالتفصيل ما يدور في الجلسات، باعتبار النقل المباشر أو العرض المسجل هو عامل مهم في تشكيل الوعي السياسي للمواطنين، وتعزيز الولاء والانتماء الوطني، وتعميق المعرفة بآليات عمل المجلس واختصاصات اللجان، وتحقيق النضج المجتمعي بالكيفية التي تدار بها الأمور التشريعية والرقابية البلاد. 7 - تجاوب المجلس مع الطلبات التي تصل إليه من المواطنين عبر أيقونة استقبال عرائض المواطنين على موقعه الإلكتروني، وخصوصا المطالبات المتعلقة بتعديل أو تفسير بعض الأنظمة القائمة، أو مواضيع الشأن العام. ختاما أعتقد أن مرور 23 عاما على تأسيس مجلس الشورى منذ دورته الأولى في عهده الحديث، كفيلة بأن يقترب المجلس أكثر من الناس، وأن يعمل على تصحيح الصورة التي يرونه بها، كما يريدها هو لا كما تتشكّل بعيدا عن إرادته وتصوراته.