"وافق مجلس الشورى على اقتراح زيادة التنقل للمعلمات والموظفات، ووجد هذا المقترح تجاوبا وتفاعلا من المواطنين"، و"أقر المجلس نظام توثيق ومعادلة الشهادات العليا، ووافق على ملاءمة دراسة مقترح مشروع نظام حماية المستهلك، وأقر نظام التأمين ضد التعطل عن العمل". هذه الأنظمة والمشاريع، أقرت خلال عامين ماضيين، وعقدت ما يربو على 160 جلسة، بحث خلالها المجلس أداء الأجهزة الحكومية والهيئات العامة والشركات التابعة للدولة، إلى جانب اتفاقيات ثنائية ومتعددة مع مختلف بلدان العالم. في الأسبوع الماضي، تشكلت اللجان الجديدة، تمهيدا لانطلاق أعمال السنة الثالثة من الدورة السادسة التي تعد بدورها منعطفا مهما شهده المجلس بانضمام المرأة عضوا كامل الصلاحيات منذ عام 2012. لم يكن انضمام المرأة وميض المجلس الوحيد وحسب، بل إن مشاريع أنظمة وتوصيات جرى إقرارها، ففرضت وجودها على صدور الصفحات الأولى ومقدمات نشرات الأخبار، وآلاف التغريدات الجادة والساخرة والمطالبة والمنتقدة والمؤيدة. كما أفحم المجلس، كثيرا من التقارير بتوصيات واسعة أخذت تحدث ضجة يمكن اعتبارها في أقل تقدير، أكثر إيقاعا عن ذي قبل. وسجل المجلس فوارق جديدة في السنة الثالثة، فهناك عضوتان في اللجنة الإسلامية والقضائية، وهناك نساء توسدن نيابة الرئاسة في ست لجان، كما هناك نساء في لجنة الشؤون الأمنية. في الجهة المقابلة، ينتقد الكاتب الصحافي أمجد المنيف بأن المجلس يختار القضايا بحسب "آراء أعضائه، ولا يلتفت إلى الحاجة الحقيقية إلى المناقشة، وعلى سبيل المثال، لدينا أرقام بطالة غير واضحة، ووعود وزارة الإسكان ليست دقيقة، وأشياء أخرى أكثر وجعا.. يحتاج المجلس لأن يستمع إلى رأي المواطن، ويكون أكثر دقة في المناقشة والتفعيل، لأنني أعتقد رغم أهمية القضية لن تكون نسب الولادة أهم من إخفاقات الصحة أو مشكلات العمل والسعودية.. باختصار، المجلس بحاجة إلى أن يركز على موثوقيته أمام المواطنين قبل أي شيء". ويرى المهندس حسن جواح وهو موظف حكومي أن المجلس بحاجة إلى أن يكون دقيقا في اختيار المواضيع العامة التي تهم الناس، ويرى أن الأعضاء لا بد أن يمارسوا عملهم البرلماني كما ينبغي للعمل البرلماني الرقابي أن يكون. أمام هذه الانتقادات.. يقول الدكتور محمد المهنا وهو المتحدث الرسمي باسم "الشورى" إن هدف المجلس، هو البحث عن مصلحة المواطن، وأينما تكون فإن هذا ما يسعى إليه المجلس، ونحن في المراحل النهائية لإطلاق حسابات في شبكات التواصل الاجتماعي مثل "تويتر" و"فيسبوك" و"يوتيوب". وأنشأ المجلس إدارة عامة للتواصل المجتمعي والإعلام، ويسعى بشكل جاد لإطلاق حسابات على شبكات التواصل الاجتماعي لنقل ما يدور في المجلس إلى الرأي العام، وهو ما انتهى إليه المجلس العام الماضي عبر استراتيجية اتصالية تعزز التواصل مع المجتمع ومؤسساته. إضافة إلى ذلك، زارت ستة وفود ست مناطق، حضروا اجتماعات مجالس المناطق، وزاروا مشاريع والتقوا مواطنين هناك، وهذه إحدى الوسائل التي يحرص على أدائها المجلس، وهي من الأدوات التي بدأ المجلس يطبقها، بالتعاون مع مجالس المناطق ووزارة الداخلية، ليعرف عن قرب سير هذه المشاريع. من ناحية أخرى، يبرز سؤال مهم. ماذا قدم المجلس للمواطن؟ وقبل الإجابة، يجدر استعراض أنظمة صدرت من المجلس وتصب في مصلحة المواطن بشكل أو بآخر. في عام 2013 وافق المجلس على توصية بتغيير العطلة الأسبوعية، وصدر أمر ملكي بذلك. وتدور في فلك الجلسات المنعقدة لاحقا ملفات ساخنة، ومن أبرز ملفاتها الوثيقة السكانية التي شهدت تبيانا واسعا في آراء الأعضاء، ويدور محور خلافهم حول الإنجاب وتحديد النسل. ويقول الدكتور سعد مارق مستشار وزير التربية والتعليم، رئيس اللجنة المالية في مجلس الشورى السابق، إن المجلس له نظام ويمارس كل ما منح له من صلاحيات، والمجلس يحمل هموم المواطن وعملت ست سنوات في المجلس، وكنت شاهدا على تلك المرحلة وأعلم أن معظم الأعضاء يحملون هم المواطن ويطالبون وبشكل مستمر بمعالجة الخلل في القطاعات التي لها علاقة بخدمات المواطن، مضيفا أن "المجلس هو واجهة المملكة أمام المؤسسات الدستورية في العالم". وعن قرب المجلس من المواطن يقول مارق إن المجلس له مهمتان، تشريعية ورقابية، الجانب التشريعي مفعل إلى حد ما، ولا يواجه مشاكل". يضيف: "أما الجانب الرقابي فالمجلس بحاجة إلى إعطائه مساحة أكبر، ليكون مساعدا للدولة في الرقابة على أداء الأجهزة وتطوير الأداء. واستعرض المهنا تحويل العرائض التي كانت مدرجة في السابق مع لجنة حقوق الإنسان. ويقول "المجلس يستقبل العرائض التي تحمل هموم المواطنين ويتعامل معها بجدية". وباتت الآن ترسل إلى كل لجنة على حسب اختصاصها، وتعتبر قناة من قنوات العمل التشريعي، فهناك فريق يصنف العرائض وترسل إلى رئيس المجلس الذي يحيلها إلى اللجنة المعنية. المجلس طور أيضا جلسة الشأن العام، التي تتيح للعضو طرح أي أمر يراه خارج جدول أعمال المجلس، ويطرح ما يشاء، من خلال اطلاعه وما يراه. ويقول الدكتور عيسى الغيث عضو "الشورى" إن المجلس يعد نبض الشارع؛ لأن أعضاءه من جميع مكونات المجتمع، وفيهم الأهلية والأمانة والإخلاص، ولكن المجتمع يستحق أكثر، ولدينا قدرات أكبر ولاسيما مع تطوير صلاحيات المجلس المفترضة. في العام الماضي، كان الموضوع يطرح وينتهي. الآن طور المجلس ذلك بأن تكون الجلسة تشريعية، ويقول المهنا: "يحال المقترح إلى أحد اللجان بحسب الاختصاص لتتبناه وتدرسه وتطرحه ليتحول إلى مشروع نظام أو يعالج ناحية تشريعية". المادة 23 الشهيرة بات استخدامها ملازما لغالب بنود أعمال المجلس، رغم أنها تتذيل جداول الجلسات، إلا أنها لا تزال تفرض وجودها بأكثر من 50 مرة وفقا لما رصدته "الاقتصادية" من عينة عشوائية لبنود جدول أعمال المجلس خلال السنتين الأخيرتين. وتسمح المادة 23 "باقتراح مشروع نظام جديد، أو باقتراح تعديل نظام نافذ، ودراسة ذلك في المجلس، وعلى رئيس مجلس الشورى رفع ما يقرره المجلس للملك". وشغل المجلس، الرأي العام الشهر الماضي، إذ كان يناقش تحويل سلم الرواتب الحكومية من ثابت إلى مرن، ووافق على ملاءمة توصية تزيد ساعة عمل الموظف الحكومي إلى ثماني ساعات، في حين أقر مشروع نظام التجارة بالمنتجات البترولية. هذه الأمثلة ربما تكون مثالا حيا ومكملا لأنظمة أخرى، ولدت تحت قبة المجلس، مثل مقترح نظام الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، ومقترح نظام الجودة وسلامة المريض في الخدمات الصحية، ومقترح تعديل نظام هيئة السوق المالية وإضافة مواد جديدة تعنى بعلاوة الإصدار، ومقترح نظام توطين وظائف عقود التشغيل والصيانة. فعالية المرأة يؤكدها رئيس المجلس، ويستدل بالفارق الذي صنعته، في تصريحات إعلامية "صدرت الموافقة على توصية قدمتها ثلاث عضوات في المجلس، تدعو إلى المساواة بين الرجل والمرأة في شروط الحصول على القرض من صندوق التنمية العقارية، وتبنتها لجنة الشؤون المالية وصوت عليها المجلس بالموافقة". ويقول الدكتور عيسى الغيث إن المرأة صنعت فارقا، لتنوع الاهتمامات وتلاقح الأفكار، وكذلك المنافسة والتحفيز المتبادل بين الجانبين. ويضيف: "إن ثقة الناس في المجلس ستشجعه على المزيد من الأداء، مع لزوم النقد البناء، فنحن في المجلس ننتقد جميع القطاعات التي ندرس تقاريرها، وبالتالي، فإن جميع المجتمع من حقه نقدنا، ولكن بعدل وبعلم وأدب، وليس بجهل بنظام المجلس وأدائه وظلم لمخرجاته وإساءة الأدب تجاه الأعضاء".