تتفاوت الدول في مدى توفر عناصر القوة «الدولية» الرئيسة الستة فيها، وهي: النظام السياسي للدولة (إدارة الدولة)، كم ونوع السكان، الموقع الجغرافي والطوبوغرافي، الموارد الطبيعية، الإمكانات التقنية والصناعية، القوة المسلحة. وبناء على مدى توفر هذه العناصر في دول العالم الحالية ال 206، تقسم هذه الدول (تنازليا) الى دول : عظمى، كبرى، كبيرة، متوسطة، صغيرة، صغرى، دويلة. وأي ما كان وضع الدولة، سواء على هذا «السلم»، أو غيره، فإن أمنها الوطني هو بقاؤها وحياتها، إن استتب، وفناؤها وزوالها، إن لم يتوفر بالقدر المناسب، وداهمته التهديدات المميتة. ويعرف «الأمن الوطني» (أو عدم الأمن الوطني) لأي دولة بأنه: أمر يتعلق بتعرض الدولة لتهديدات، حالة ومتوقعة، داخلية وخارجية، يمكن أن تضعف الدولة بصفة عامة، وتضعف بخاصة بنيانها الإقليمي والمؤسساتي، وفي مقدمة ذلك نظامها السياسي. فعندما يكون «الامن الوطني» بخير، فإن ذلك يعني: عدم وجود تهديدات – حالة، أو متوقعة ومحتملة، داخلية، أو خارجية – يمكن أن تضعف الدولة بصفة عامة، وتضعف بخاصة بنيانها الإقليمي والمؤسساتي، وفي مقدمته نظامها السياسي. والعكس صحيح. والامن الوطني لأي بلد يرتبط، أشد الارتباط، بمدى الاستقرار السياسي فيه. فالاستقرار السياسي هو «أس» الامن الوطني. ويعرف «الاستقرار السياسي» الحقيقي بأنه : استتباب الامن والنظام على أسس تقبلها غالبية المعنيين (أي غالبية الشعب). إذا غاب الاستقرار السياسي اختفى الامن الوطني وانهار.. وإذا غاب الامن الوطني تغيب قدرة الناس على العيش الطبيعي. فأهمية الامن تشبه أهمية الماء والهواء بالنسبة لحياة البشر العامة. **** طلبت مني إحدى الجامعات البريطانية لأن أكون «ممتحنا خارجيا» (External Examiner) في مناقشة، وإجازة، رسالة دكتوراه، في العلوم السياسية، تقدم بها أحد طلابي السابقين. لم أملك، رغم كثرة مشاغلي وارتباطاتي إلا الترحيب والموافقة، لعدة أسباب مهنية وجيهة، بالنسبة لي. فموضوع الرسالة يجعلني على صلة أقرب بمجال تخصصي العلمي واهتمامي الاكاديمي. إذ احتجت لقراءتها ومراجعتها على مدار أكثر من ثلاثة أشهر، واستفدت من ذلك. ومقدمها أحد طلابي المجتهدين الأعزاء. والأهم أن موضوعها هام جدا لبلادنا... لدرجة أنه شدني واستهواني منذ قرأته وحتى إشعار آخر. أما هذا الموضوع، فيدل عليه عنوانه، وهو (بعد أن قمت بتعديل نصه): إطار تحليلي علمي لتحليل الأمن الوطني للدول (مع تطبيق على المملكة العربية السعودية حاليا). **** تتكون هذه الرسالة من مقدمة وثمانية فصول، حيث تم تخصيص الفصلين الأولين منها لتوضيح مدخل الدراسة، والإطار التحليلي الذي كتب موضوعها عبره. وقد استقر الباحث السعودي – ومشرفه البريطاني – على الأخذ بما يعرف ب «إطار بوزان» لدراسة الأمن الوطني للدول. أما الفصل الثالث، فيركز على تعريفات «الأمن الوطني» وأبعاده، والنظريات العلمية السياسية التي تفسره، وتوضحه. والفصل الرابع خصص لتحديد وتوضيح التهديدات الداخلية التي تواجه المملكة، في الوقت الحاضر، بينما خصص الفصل الخامس للتهديدات الخارجية. وفي الفصل السادس تم إيجاز الرؤية السعودية للأخطار والتهديدات، بشقيها الداخلي والخارجي. وفي الفصل السابع تم تطبيق إطار الدراسة التحليلي لكشف، وتحديد، وتوضيح التهديدات التي تواجه المملكة داخليا وخارجيا. أما في الفصل الثامن والأخير، فتم تلخيص أبرز استنتاجات الدراسة، وأهم ما توصلت إليه. وقد تكون لنا وقفات موجزة مع أبرز استنتاجات هذه الدراسة العلمية الجيدة، والتي يمكن اعتبارها من رسائل الباحثين السعوديين العلمية الهامة (وهى كثيرة) التي يستحق ما ورد فيها الاهتمام من قبل مراكز الدراسات الاستراتيجية السعودية، بل ومن صانعي القرار السعودي، للاستفادة مما جاء فيها من استنتاجات علمية رصينة، وتوصيات موضوعية قيمة، لخدمة المصلحة العامة لبلادنا..