برزت نماذج من المكفوفين بجازان شقّوا طريقهم بكل جدارة نحو حياة حافلة بالعطاء، فنهلوا من العلم، بل وتفوقوا في دراستهم، وأصبحوا جزءا فاعلا في المجتمع بين معلم ومعيد في الجامعة ومبتعث للدراسات العليا. ويمثل عبدالله بن محمد شعفي، نموذجا لواحد من أولئك المكفوفين، فهو حين يقف وسط طلابه بمدرسة طارق بن زياد الابتدائية، معلما لطلابه من المكفوفين وضعاف البصر، يقف راضيا بقدر الله عز وجل، مصمما في تحديه الذي بدأ من سنوات عمره الأولى، حين ولد كفيفا، فأدرك - بفضل الله - ثم بإرادته الوثابة أن الاستكانة والخضوع ليست سوى عجزا لن يثنيه عن طموحه، وأن الإعاقة ليست سوى مسمى، لن يكتب في صفحات حياته. وحين حمل عبدالله طموحه فتى صغيرا، يتلمس طريقا جديدا للحياة، وجد ضالته في واحد من برامج الدمج للتربية الخاصة فأصبح طالبا آنذاك في المرحلة الابتدائية عام 1417ه، مواصلا طريق العلم حتى تخرج من جامعة جازان عام 1435ه متخصصا في اللغة العربية، ليعود إلى ذات مدرسته معلما فيها. وعلى مدى نحو عقدين من الزمن ظل عبدالله شعفي يقطع المسافة بين قريته «الأساملة» ومدينة جيزان للدراسة لمسافة تزيد على 35 كيلومترا، متنقلا عبر مراحل التعليم العام ثم الجامعي، ومتنقلا عبر وسائل نقل متنوعة، شاقا طريقه بعزيمة وإصرار، حتى أنه لكاد يبصر طريق النجاح والتفوق، فيما هو اليوم يقطع ذات المسافة مع سائقه الخاص نحو مدرسته معلما في اللغة العربية. وفي ذات المدرسة، وعلى ذات النهج من الكفاح المضني، سار المعلم فواز بن إبراهيم زيلعي، شاقا طريقا نحو النجاح، دون استكانة أو خضوع للإعاقة البصرية، بل استطاع بفضل الله ثم بما تم تهيئته له من أسباب العلم، أن يخوض تجربة ناجحة، ليصبح واحدا من معلمي المدرسة، بل ويصبح واحدا من أفراد المجتمع الفاعلين. ولا يكتف فواز بتعليم طلابه المكفوفين فحسب، بل يسعى جاهدا في نقل تجربة الكفاح التي عاشها، وجنى ثمارها، إلى الطلاب المكفوفين، رافعا لمعنوياتهم شاحذا لهممهم، فإلى جوار تعليمه لهم قراءة الحروف بطريقة برايل، فهو يعلمهم قراءة التحدي بلغة الناجحين بالحياة، ويغرس فيهم أسباب النجاح التي تمكنهم - بفضل الله - في السير على طريق يملؤه النور، متجاوزين أي ظلمة قد تبدو لوهلة ما في حياتهم. ويعد الشاب حسين بن محمد زيلعي، نموذجا في قهر إعاقته البصرية، التي لم تكن يوما عائقا في طريق النجاح، بل كانت دافعا - بفضل الله - في إثبات الذات، والسير بخطى واثقة في طريق لا يعرف المستحيل، حتى بدأ اليوم واقفا على بعد خطوات يسيرة من رحلته إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية، مبتعثا لجامعة جازان لنيل درجة الماجستير في تخصص اللغة الإنجليزية. فيما بدت ملامح السعادة على محيا حسين وهو يسرد رحلته الدراسية في مراحل التعليم العام، وصولا إلى كلية الآداب بجامعة جازان، معترفا بفضل الله عليه ثم فضل والديه وإخوته وأصدقائه الذين ساندوه في رحلة كان زاده فيها الأمل والتحدي حتى نال درجة البكالوريوس في اللغة الإنجليزية، ليصبح بعدها معيدا بالجامعة، فيما يتهيأ الآن لرحلة البعثة الخارجية وهو يرسم طريقه نحو الدراسات العليا، طامحا في الحصول على درجة الدكتوراة في تخصصه، بذات الأمل والطموح الذي بات جزءا من حياته.