نشرت «عكاظ»، يوم أمس الأول، تحليلا مهما للدكتور طلال بنان تحت عنوان (حتمية زيادة أسعار البنزين)، حذر فيه من تداعيات استمرار تدني أسعار الوقود بدون اتخاذ إجراءات سريعة وحاسمة لتقنين الدعم الحكومي المرتفع التكلفة للمشتقات النفطية محليا، ودعا فيه لوضع سياسة ممنهجة للحد من دعم الوقود في غضون 5 سنوات، لنبدأ في الاقتراب من سعر التكلفة التي تقدر بنحو 2.5 ريال للتر، كما تساءل عن إمكانية التخلص من السعر المدعوم لمشتقات الوقود، وصولا لتوفير تلك المشتقات محليا بالأسعار العالمية التي قدرها بنحو 5 ريالات للتر. ومن المؤكد، فإن ثمة مبررات قوية لتحذيرات الكثير من المختصين والخبراء من النتائج السلبية للتنامي المفرط لاستهلاكنا من منتجات الطاقة المدعومة، ومنهم الدكتور طلال الذي أورد في تحليله أسبابا موضوعية، من أبرزها أن بلادنا تأتي في الترتيب الثاني عالميا في دعم أسعار البنزين بفاتورة تصل إلى 168 مليار ريال خلال العام الحالي. ورغم وجاهة آراء غالبية اقتصاديينا والمتخصصين في الشأن النفطي بشأن ضرورة التحرك السريع لوقف الهدر البترولي في المملكة، والذي يستهلك نحو ثلث إنتاجنا اليومي، فإن الإشكالية تكمن في إيجاد وسائل ناجعة ومقبولة للتعامل مع هذا الملف الشائك قبل اكتمال مشاريع النقل العام، وبدون اعتبار ذلك بمثابة مغامرة غير محسوبة النتائج بالنظر للأوضاع التي تمر بها المنطقة، الأمر الذي قد يجعل من أي زيادة كبيرة على سعر البنزين آخر الخيارات التي يمكن اللجوء إليها للحد من الاستهلاك الذي ترتفع فاتورة دعمه عاما بعد عام. من جانب آخر، فإن التراجع الحاصل على أسعار النفط الذي فقد أكثر من 30 دولارا خلال الأشهر القليلة الماضية يحتم علينا نفض الغبار عن العديد من الأفكار والتصورات التي من شأنها، ليس فقط التخفيف من ضغط دعم أسعار المشتقات النفطية المكررة على الميزانية المقبلة، بل وإعادة النظر في سياسة الدعم بشكل عام، بما في ذلك دعم السلع الغذائية الأساسية، وكذلك الماء والكهرباء. وعليه، فإن الآلية المناسبة في تقديري للتوفيق بين ضرورة ترشيد استهلاك البترول محليا، وبين تنفيذ ذلك بطريقة لا تثير ردود فعل غير مناسبة هي البدء بتطبيق زيادة تدريجية طفيفة على سعر البنزين الحالي بنسبة 5 في المئة سنويا، اعتبارا من مطلع العام 2015 م، مع تزامن هذا الإجراء بخطوات مساندة له قد يكون من بينها قصر الاستفادة من السعر المنخفض بعد الزيادة المقترحة على الشرائح الاجتماعية الوطنية الأقل دخلا، ويستثنى منه أصحاب الدخول المرتفعة والوافدون والمستثمرون. بدون ذلك، فسوف يتنامى الكابوس المزعج المتمثل في تحقق توقعات بعض المؤسسات الدولية بعدم قدرتنا على تصدير البترول أو الوصول لما هو أسوأ من ذلك، وهو استنتاج مؤسسة سيتي بنك المالية بأن المملكة قد تصبح دولة مستوردة للنفط بحلول عام 2030 م.