يدخل المنتخب البرازيلي المضيف ونظيره الهولندي إلى ملعب (مانيه غارينشا الوطني) في برازيليا وهما يتمنيان لو يتخذ الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) قرارا استثنائيا بإلغاء مباراة المركز الثالث لمرة واحدة؛ وذلك لأن أيا منهما لا يرغب في خوض هذه المواجهة. دخل المنتخبان إلى النهائيات النسخة العشرين وكل منهما يمني النفس بإحراز اللقب العالمي لكنهما تعرضا لخيبة أمل كبيرة بخروجهما من الدور نصف النهائي. ومن المؤكد أن أيا من المنتخبين لم يضع في حساباته قبل انطلاق العرس الكروي العالمي خوض ما يعرف بمباراة جائزة (الترضية) فالبرازيل كانت تحلم بتعويض خيبة 1950 حين خسرت النهائي على أرضها أمام الأوروغواي، وهولندا إلى الصعود درجة إضافية على منصة التتويج بعد أن كانت قاب قوسين أو أدنى من إحراز اللقب العالمي الأول في تاريخها قبل أن يسقطها الإسباني أندريس انييستا بهدف قاتل قبل دقائق معدودة على نهاية الشوط الإضافي الثاني من نهائي 2010 في جنوب أفريقيا. وبدت هولندا مستعدة أكثر من أي وقت مضى لكي تفك عقدتها مع النهائيات العالمية بقيادة مدرب محنك بشخص لويس فان غال وبتشكيلة متجانسة بين مخضرمين وشبان واعدين. في تصفيات 2014، ضربت هولندا بقوة كما جرت العادة في السنوات الأخيرة، فحصدت 28 نقطة من 30 ممكنة في طريقها إلى البرازيل، بينها فوز ساحق على المجر 8 1 فكانت أول المتأهلين إلى بلاد السامبا، ثم بدأت مشوارها في النهائيات باستعراض ناري أمام إسبانيا حاملة اللقب وثأرت شر ثأر من الأخيرة باكتساحها 5 1، لكنها عادت بعدها لتعاني بعض الشيء أمام أستراليا (3 2) ثم تشيلي في مباراة هامشية للمنتخبين (2 صفر) قبل أن تتخلص من المكسيك في الدور الثاني بصعوبة بالغة 2 1 بعد أن كانت متخلفة حتى الدقيقة 88. وفي الدور ربع النهائي، قدم الهولنديون أداء هجوميا رائعا أمام كوستاريكا لكن الحظ والحارس كيلور نافاس وقفا بوجههم ما اضطرهم للجوء إلى ركلات (الحظ) الترجيحية التي أثبت فيها فان غال أنه مدرب استثنائي. «وحده فان غال يجرؤ على فعلها، هل كان يعلم أن تيم كرول صد ركلتي جزاء فقط من أصل 20 في في الدوري الإنكليزي لكرة القدم؟»، هكذا علق الإنكليزي غاري لينيكر هداف مونديال 1986 على السيناريو (الجهنمي) الذي خيم على اللحظات الأخيرة من مباراة هولنداوكوستاريكا السبت في ربع النهائي. فهولندا كانت الأفضل في مجالات أمام خصمها كوستاريكا التي خاضت أروع رحلة في تاريخ المونديال، ونجحت في جر المنتخب البرتقالي إلى ركلات الترجيح. لكن المدربين الكبار يتركون بصمتهم بقرارات تاريخية، فبرغم الإرهاق الذي حل بلاعبيه بعد 120 دقيقة أمام الشجاعة الكوستاريكية في الذود عن مرمى الحارس العملاق كيلور نافاس، أبى مدرب مانشستر يونايتد الإنجليزي المقبل أن يستخدم تبديلاته الثلاثة فانتظر حتى الدقيقة الأولى من الوقت بدل الضائع في الشوط الإضافي الثاني لإدخال كرول حارس مرمى نيوكاسل يونايتد بدلا من ياسبر سيليسن حارس مرمى اياكس امستردام لاعتقاده أن الشاب الأشقر أفضل بصد ركلات الحظ. وأصاب فان غال في مغامرته لأن كرول صد ركلتين ترجيحتين وقاد بلاده إلى نصف النهائي لكن المدرب الهولندي الذي يخوض مباراته الأخيرة مع (البرتقالي) اليوم قبل الانتقال إلى (اولد ترافورد)، لم يحتكم إلى الخيار ذاته أمام الأرجنتين ولم يتمكن من أدخل كرول بعدما استخدم تبديلاته الثلاثة فكانت النتيجة عجز الحارس ياسبر سيليسن عن صد الركلات الترجيحية الأربع التي نفذها ليونيل ميسي ورفاقه لتجد هولندا نفسها مضطرة إلى خوض مباراة المركز الثالث عوضا عن النهائي. «أعتقد أنه لا يجب أن تقام هذه المباراة»، هذا ما قاله فان غال عن مباراة المركز الثالث التي تشكل تحديا للمنتخبين الخاسرين في نصف النهائي لأن أيا منهما لا يتمتع بالحافز الكافي لخوضها خصوصا إذا كان هذان المنتخبان من عيار هولنداوالبرازيل وليس تركيا أو كوريا الجنوبية. وواصل فان غال: أنا أردد هذا الأمر (ضرورة إلغاء مباراة المركز الثالث على غرار كأس أوروبا) منذ 10 أعوام. لكن الآن، نجد أنفسنا مضطرين لخوض هذه المباراة، مضيفا: الأمر غير عادل، لأننا نملك يوما أقل (البرازيل) من أجل استعادة نشاطنا. وهذا ليس باللعب النظيف (فير بلاي). لكن الأمر الأسوأ أن هناك احتمالا أن تخسر مباراتين على التوالي. وواصل: ستعود حينها إلى بلدك بعد البطولة كخاسر كبير رغم أن أداءك كان رائعا خلالها. ستعود إلى بلدك كخاسر بسبب هزيمتك في المباراتين الأخيرتين. وهذا الأمر ليس له علاقة لا من قريب أو بعيد بالرياضية. قلت هذا الأمر منذ 15 عاما. لا يجب إجبار اللاعبين على خوض مباراة على المركزين الثالث والرابع لأنه لا يهم سوى جائزة واحدة وهي أن تصبح بطلا. ويمكن القول إن «مصيبة» فان غال والهولنديين لا تعتبر نقطة في بحر (كارثة) البرازيليين. وكأن (الكارثة) التي تعرض لها البرازيليون الثلاثاء بخسارتهم التاريخية أمام الألمان (17) في الدور نصف النهائي لا تكفي، فهم مضطرون الآن إلى تجاوز هذه الصدمة المعنوية (المحطمة) من أجل خوض مباراة المركز الثالث. من المؤكد أن المدرب البرازيلي لويز فيليبي سكولاري ولاعبوه كانوا يفضلون (النحيب) على ما حصل معهم في تلك الليلة المشؤومة في بيلو هوريزونتي في منازلهم وبين عائلاتهم، لكن عوضا عن ذلك هم مضطرون إلى ملاقاة جمهورهم الغاضب السبت في برازيليا من أجل هذه المباراة (الشرفية) التي سترفع من حدة النقمة الجماهيرية عليهم في حال عجزوا عن تحقيق الفوز. وكيف بإمكان لاعبي البرازيل التفكير بهذه المباراة وهم محطمون معنويا وكيف سيكون بإمكان سكولاري الوقوف في أرضية الملعب بمواجهة جمهور كان يتطلع لتعويض ما فاته عام 1950، لكنهم وجدوا أنفسهم بعد المباراة ضد ألمانيا أمام (كارثة) وطنية حقيقية لما تعنيه كرة القدم لهذا الشعب الشغوف. اعترف سكولاري بعد الخسارة أن الأجواء في غرفة الملابس كانت (رهيبة)، فيما أشار المدافع دافيد لويز: لقد تحدثنا جميعنا مع بعضنا البعض لكي نكون معا في هذه اللحظة (الصعبة). ورأينا التعاضد. توقع الكثيرون أن يقدم سكولاري استقالته من منصبه بعد تعرض بلاده لأقسى خسارة في تاريخها، لكن مهندس التتويج العالمي الأخير لبلاده عام 2002 اكتفى بالقول: من هو المسؤول عن هذه النتيجة؟ أنا، أنا. اللوم على هذه الخسارة يمكن مشاركته بيننا جميعا، لكن الشخص الذي اختار التشكيلة كان أنا، لقد كان ذلك خياري. حاولنا أن نقدم ما نعرف، قمنا بكل ما في وسعنا، لكن واجهنا فريقا ألمانيا رائعا. ثم عاد سكولاري بعد 24 ساعة ليقول «إنه سيتخذ قراره بشأن مستقبله بعد مباراة المركز الثالث». «ما زال أمامنا عمل يجب القيام به»، هذا ما قاله سكولاري بصحبة طاقمه التدريبي من مقر المنتخب في تيريسوبوليس، مضيفا: ما زلنا مرتبطين بالاتحاد البرازيلي لكرة القدم حتى نهاية كأس العالم. والآن، نهاية كأس العالم ستكون في مباراة اليوم.