على الرغم من استبشار أهالي مدينة جدة وخاصة السكان المجاورين للمنطقة الصناعية الشمالية، بقرار نقل الورش إلى شمال المدينة باتجاه ذهبان، إلا أنهم أصيبوا بخيبة أمل كبيرة إزاء استمرار الأوضاع على ما هي عليه حتى الآن. الأجواء السائدة عبارة عن ضجيج وصخب يملأ الأرجاء وتلوث بيئي وصحي يحيط بالمنطقة من كافة الجوانب، فالورش التي يقدر عددها بنحو 10 آلاف، تطوق المنازل السكنية، والسكان يشكون الضوضاء التي تبدأ منذ الصباح الباكر ولا تنتهي إلا في ساعات الليل المتأخرة. هذا فيما يحيط بالمنطقة، أما فيما يتعلق بداخلها فإن الوضع قد يبدو أكثر سوءا، فبالإضافة إلى ما أشرنا إليه من ضوضاء وروائح الزيوت والغازات والمواد المتطايرة الخطيرة والمنبعثة من الورش، فإن هناك أمرين رئيسيين هما: صلب ما يؤرق المنطقة الصناعية، فالطرقات التي تخترق المنطقة في غالبها مملوءة بالحفر وكأنما يسير الماشي فوقها على سطح القمر، إضافة إلى أرتال السيارات التالفة المتوقفة أمام الورش منذ شهور أو سنوات، الأمر الذي يعود بأضرار عديدة سواء أمنية أو صحية أو بيئية وسواه. انفراج الأزمة ولايزال أهالي المنطقة السكنية المجاورة للورش يذكرون التصريح الذي أطلقته أمانة مدينة جدة على لسان ناطقها الإعلامي السابق، عن قرب انفراج هذه الأزمة خلال فترة مقدرة بناء على توجيهات محافظ جدة الأمير مشعل بن ماجد، ونقل المنطقة الصناعية إلى شمال المحافظة، إلا أن هذا الأمر لم ينفذ حتى الآن، وهم يطالبون بسرعة تنفيذ هذه التوجيهات وتخليصهم من تبعات وجود هذه الورش في محيطهم السكني. وأوضح ل «عكاظ الأسبوعية»، المواطن مشعل راجح، أن سكان الحي ينتظرون أفعالا وتحركا جديا من الأمانة، ينهي معاناتهم جراء وجود الورش التي أضرت بهم كثيرا، ويضيف، لا يخفى على الجميع الآثار السلبية المترتبة على وجودها قريبا من النطاق العمراني، والآن في ظل المشاريع التي تشهدها المنطقة من إنشاء للأنفاق والجسور ومشروع المطار الجديد، بات نقل هذه الورش أمرا واجبا، خاصة وأنها تشوه المنطقة المحاذية للمطار بشكل خاص. نذير خطر أما توفيق بارباع، فيرى أن المشكلة أبعد من ذلك، وقال: السيارات الخربة المتكدسة أمام الورش تعد نذير خطر على سكان المنطقة، فضلا عن الانبعاثات الخطيرة من هذه الورش، ورغم نداءاتنا المتكررة إلا أننا لم نجد أي حل أو تجاوب، في حين، أوضح المواطن سعيد صالح، أن عبور المنطقة الصناعية بالسيارة يحول قائدها إلى زبون دائم لهذه الورش نتيجة الشوارع المتهالكة المحيطة بها والحفر العميقة، ويضيف، لا تجد المنطقة أي اهتمام من الأمانة، وكأنما تم إطلاق أصحاب الورش ليعملوا كيفما يشاءون، أما عشوائية الورش فحدث ولا حرج، مبينا أن من أكبر الأخطار على المنطقة هذه العشوائية التي تفاقم المشكلات حال حصول الحوادث - لا قدر الله - كالحرائق وغيرها، وهو ما اعتادت المنطقة أن تشهده دائما على - حد قوله. وقال شاهد خان عامل بإحدى ورش السيارات: إن البعض من أصحاب المركبات الذين يأتون لإصلاحها يتركونها في الورشة ويطلبون منا التصرف، بعد علمهم بأن مبالغ الإصلاح يفوق قيمتها، وهو ما يسبب لنا حرجا كبيرا، فنحن لا ندري هل نبيع السيارات أم نقوم بإصلاحها، فأصبحنا نحمل هما كبيرا خصوصا في إصلاح السيارات القديمة. دوريات سلامة الناطق الإعلامي لمديرية الدفاع المدني بمنطقة مكةالمكرمة العقيد سعيد سرحان قال: هناك دوريات السلامة تتفقد الورش في المنطقة باستمرار وبشكل دائم، لافتا إلى أن الدفاع المدني منع الورش من الأدوار العلوية التي تستخدم لتخزين المواد المختلفة؛ لأنها تتسبب في مشاكل كبيرة أثناء حدوث أي حريق. وبين أن إدارة الدفاع المدني لا تمنح التصريح لأي ورشة إلا بعد استيفاء كل الشروط الموضوعة من قبل المديرية، مشيرا إلى أن الدفاع المدني يمنح الورش التي تستوفي شروط السلامة خطابا يتم بموجبه منحهم الترخيص اللازم لفتح الورشة ومزاولة العمل من قبل أمانة المحافظة. ورأى العقيد سرحان، ضرورة نقل المنطقة إلى مكان آخر بشرط تحديد الأنشطة الخاصة بكل ورشة، حيث يتم تخصيص مناطق للورش بحسب نشاطاتها كما هو الحال في المنطقة الصناعية جنوبجدة، بدلا من التداخل الحاصل حاليا، حيث إن مجموعة ورش السيارات بجانب الحدادة إلى جانب النجارة وغيرها، الأمر الذي يسبب عائقا كبيرا حال تدخل الدفاع المدني في عملياته أثناء مباشرة حوادث الحرائق وغيرها حال حصولها. تحد مستمر من جانبه، وصف رئيس المجلس البلدي بمحافظة جدة الدكتور عبدالملك الجنيدي، وضع المنطقة الصناعية الشمالية بالسيئ، لافتا إلى أن إصلاحه ضرورة ملحة. وقال: مدينة بضخامة جدة بحاجة ماسة إلى عدة مناطق صناعية ومدن صناعية مستقلة تماما، فالمدينة الصناعية موجودة وتم افتتاح مدينة الملك عبدالله الاقتصادية كمشروع رائد للصناعيين بجدة ومنطقة مكةالمكرمة والساحل الغربي عموما. وأضاف، بالنسبة للمناطق الصناعية والتي تقوم بالأعمال المدنية الإنشائية من حدادة ونجارة وصيانة المركبات، فالحقيقة، الوضع في جدة صعب وتحد مستمر، فالصعوبة تكمن في ترامي المدينة وضخامتها ومن هنا هي بحاجة إلى عدة مناطق صناعية لخدمة 4 ملايين نسمة هم سكان المدينة. وزاد، لا يعقل أن يقوم المواطن الذي يسكن الخمرة بإرسال سيارته للصيانة في ورش على طريق عسفان والعكس صحيح. وبين الجنيدي، أن الحل يكمن في تطوير المناطق الحالية في أماكن مثل بني مالك وكيلو 8 بطريق مكة، وتحويل هذه المناطق إلى مجمعات صناعية مغلقة تماما ورفع مستوى نظافتها وتشغيلها وإحاطتها بأسوار كافية لامتصاص الضجيج المنبعث منها، واستحداث شركات تشغيل وصيانة لهذه الورش مجتمعة كل منطقة أو كل حي أو كل بلوك على حدة، في حين تدار هذه الشركات من ملاك هذه المناطق وتتولى نظافتها وأمنها وتحسين خدماتها وفي ذلك رفع العبء عن الأمانة. حلول أخرى وأشار إلى أن الحلول الأخرى تشمل تحويل بعض المناطق والأحياء العشوائية في مدينة جدة إلى مناطق صناعية، بمعنى إزالة تلك المناطق أو جزء منها تماما وإقامة مجمعات ورش صناعية مقبولة ومناسبة للمدينة حسب المواصفات المناسبة من توفر المواقف وإدارتها من قبل شركة مختصة في كل منطقة، لافتا إلى أن هذه المجمعات تخدم مجتمعة المناطق الصناعية المقامة على أطراف المدينة. وقال: الجميع يستطيع خدمة المدينة بما يوفر الراحة للمواطن والمقيم ويحافظ على نظافة الأحياء المقام بها ورش صناعية ويسهل إدارتها بطرق عالمية بدلا من الوضع الحالي الذي لا يرضي أحدا.