لم تكن المعاناة من ضوابط صرف إعانة الشؤون الاجتماعية هي وحدها التي تضاعف معاناة المعوقين وذوي الاحتياجات الخاصة، إلا أنها أحد أبرز أوجه العوائق التي تحول دون الشعور بالحياة الكريمة لهذه الفئة، الأمر الذي يفاقم صعوبة الحياة على هذه الفئة والتي ترى صباح مساء أنها تواجه أبشع تهمة يعاقبهم عليها المجتمع تحت مسمى «أنت معاق». كثير من المعوقين لا يعرفون عن الشؤون الاجتماعية الشيء الكثير، بل بعضهم يعرف أنها إدارة الروتين، لمنع الصرف، ولوقف الاهتمام، وتجنب الحفاظ على آخر مقوماتهم في الحياة وأولى معايير الأخلاق في التعامل والمتمثل في «الكلمة الطيبة صدقة»، فيدعون أنه لا صدقة تعطى لهم ككلمة، ولا صدقة تمنح لهم كأموال، فأين إذن الدعم الذي يفترض أن تمنحه لهم تلك الوزارة، والتي تمنحها الدولة سنويا أموالا مقدرة للصرف عليهم، لا لحرمانهم. يعرف الكل أن هناك إشكاليات ربما إجرائية تمنعهم من صرف الإعانات المادية المستحقة لهم جراء إعاقاتهم، لكنهم لا يعرفون إلا أن إعاقتهم الواضحة للعيان، والتي لا مجال طبيا في مغالطتها تحتاج للكثير من الدعم والاهتمام، بدلا من التعرض لها بالتعقيد وطول الإجراءات، فيحرم منها البعض ولا تصل إلى البعض الآخر إلا بعد طول جهد، فيما تتسلمها فئة ثالثة ولا تعرف أين يمكن أن تسد بها ثقوب الحياة القاسية التي تواجهها. عدم الرضا شعار بعض من المعوقين وذوي الاحتياجات الخاصة في عنيزة هو عدم الرضا للخدمات التي تقدمها الشؤون الاجتماعية بشكل عام، لكنهم يقدمون أسانيد لادعاءاتهم، لتكون دليلا يشفع لهم بالدعوى، حتى لا يكون الأمر اعتباطيا. عبدالرحمن بن علي الرشيد البالغ من العمر 55 عاما، من عنيزة، على سبيل المثال والذي يتحرك على كرسي متحرك منذ صغره، يروي معاناته التي بدأت منذ ستة أعوام، عندما تقدم عام 1429ه، بطلب إلى الشؤون الاجتماعية بالقصيم، رغبة في الحصول على سيارة مقعد «وبعد فترة تلقيت اتصالا من مركز التأهيل الشامل بالبكيرية، وطلبوني بتقرير عن حالتي وبعد إعداد التقرير قلت لهم من أراجع قالوا التأهيل الشامل، وستتصل عليك الشؤون الاجتماعية بالقصيم، ومضى الوقت دون أن يتصل أحد، وفي عام 1433ه راجعت التأهيل الشامل فقيل لي الطلب قديم عليك أن تتقدم من جديد وبعد رفع الأوراق للوزارة بالرياض في 10/6/1433ه راجعت الوزارة (قسم السيارات) عام 1434ه وقال الموظف لم يصلك الدور، ربما يصل آخر ذي الحجة 1434ه، وعندما راجعتهم في الموعد المذكور قالوا لم يصلك، ممكن بعد تسعة أشهر، فمن يتحكم في تحديد الدور والتخصيص؟». ورغم أن المعوق سعود الفضل، يعترف بأنه تلقى خدمات جيدة من الشؤون الاجتماعية، حيث لم يدخل في معاناة للحصول على الإعانة بشكل منتظم، إلا أن أم رغد التي تعول ابنتها الصغرى (7) سنوات، تقول إن زوجها يعاني من صرف الإعانة، مقترحة أن تحدد الوزارة فترة ستة أشهر لبطاقة الصراف أو وضع حل يمكن المستفيد من الصرف بدون استخدامها من قبل الغير. عوائق خدماتية وفي منطقة عسير طالب عدد من ذوي الاحتياجات الخاصة بمنطقة عسير من ضرورة توفر الأماكن المخصص لهم في كافة الدوائر الحكومية والخاصة وحتى المرافق العامة والمتنزهات من مواقف مخصصة لهم ودورات مياه مخصصة ومزلقانات لسير عرباتهم عليها وتكون مصممة حسب المواصفات العالمية الخاصة لذوي الإعاقة ومطالبهم المتواصلة إلى وضع كونترات وموظف لخدمة هذه الفئة في كل إدارة كونهم يعانون من عدة عاهات وإعاقات تختلف من شخص لآخر وربما وتقف عائقا أمامهم ولن يستطيعوا إنجازها إلا بمساعدة شخص آخر لهم. إضافة إلى ذلك مطالبتهم بتفعيل القرار السامي والتوجيه بعدم إصدار الفسوحات البلدية لمشاريع القطاعات الحكومية والخاصة إلا بعد تطبيق الجهات المعنية الاشتراطات بطريقة صحية ومنها وضع المواقف والمصاعد ووحدات خدمة المعاقين من ذوي الاحتياجات الخاصة. يقول يحيى محمد السميري من ذوي الاحتياجات الخاصة وأمين عام لجنة الفرسان لذوي الاحتياجات الخاصة بعسير: إننا منسيون في المجتمع وكثير من المؤسسات الاجتماعية سواء الحكومية أو الخاصة تتجاهل مطالبنا في توفير مواقع مناسبة لنا كوننا نحتاج إلى عناية ومساعدة في أداء مهامنا مثلنا مثل الشخص العادي كون العاهات والإعاقات المختلفة التي نعاني منها تجبرنا على التحرك عبر كراسينا المتحركة، ونحتاج إلى تجهيزات خاصة لنا في مواقف السيارات وفي المرافق الحكومية والخاصة وحتى في المرافق العامة التي حرمنا من التنزه فيها بسبب عدم توفر مواقع مخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة وإن وجد فهي غير ملائمة للمواصفات التي تناسب عربات المعاقين وكذلك دورات المياه في معظم المرافق العامة والحكومية ليست مجهزة لاستقبال مثل هذه الحالات الخاصة، ونعرف أن صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن خالد أمير من منطقة عسير، يحرص دائما على مساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة، ودعم لجنة ذوي الاحتياجات الخاصة في الغرفة التجارية، ويوجه دائما الجهات الحكومية بتوفير مواقع مناسبة لذوي الاحتياجات الخاصة وأقسام مخصصة لخدمتهم بكل دائرة، واستحدث سموه وحدة في إمارة عسير لخدمة ذوي الاحتياجات الخاصة تنبثق منها وحدات في عدة جهات حكومية، وهذا خير دليل على اهتمام سموه بهذه الفئة ودعمها لكي تؤدي أدوارها بكل فعالية في المجتمع ودائما ما يحرص سموه ويوجه الجهات الحكومية والخاصة ورجال الأعمال من ضرورة الوقوف إلى جانب هذه الفئة وحرصه على حضورهم كافة مناشط وفعاليات المهرجانات الصيفية والمناشط الاجتماعية والثقافية في المنطقة. ويشير هيف مذكر الشهراني من ذوي الاحتياجات الخاصة إلى «أننا نحتاج إلى نهوض كافة مؤسسات المجتمع الخاصة والحكومية لتفهم دورها نحونا وتفهم أن هذا المعاق من أي فئة هو إنسان ولديه مشاعر وأحاسيس لا تنقص عن أي شخص عادي لا فرق فيها سوى أن لديه عاهة خلقية لم تمكنه من إكمال حياته بالطريقة العادية للشخص الصحيح العادي». لا أماكن ويكشف المستشار السياحي لذوي الاحتياجات الخاصة وعضو جمعية المعاقين بعسير سعد السرحاني أنه: نواجه صعوبات كبيرة في تسهيل مهامنا في عدد من الفعاليات والمناشط في المنطقة تكون وسيلة إحباط لنا حيث لا يتم تخصيص مواقع مخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة وإن وجد فهي غير مهيأة التهيئة الجيدة وكذلك تجاهل عدد من الجهات الحكومية لذوي الاحتياجات الخاصة من خلال تخصيص مواقف خاصة لهم وتقديم الخدمات السريعة لهم من خلال أقسام ووحدات مخصصة لهذه الفئة ومعاملتنا مثل الشخص العادي ولا نجد التعامل الخاص مراعاة لإحالة الخاصة التي نعاني منها بمختلف الإعاقات المختلفة. وهناك بعض المواقع في المطارات وبعض الدوائر الحكومية وهي قلة من وجود مواقف مخصصة للمعاقين ولكنها تكون لغير هذه الفئة ولا توجد مصاعد كهربائية للوصول إلى الأدوار التي يريدون الخدمة فيها وهذه العوائق تقف أمامنا في إكمال ما نحتاجه من خدمات رغم أن البطاقات التي نحملها لذوي الاحتياجات الخاصة يفترض أن تسهل علينا الإجراءات والخدمة كوننا فئة خاصة ونحتاج إلى عناية خاصة ومن يقوم على خدمتنا بعيدا عن طوابير الانتظار، وهذا الأمر شبه مفقود في معظم المرافق الحكومية في المنطقة. ويؤكد المعاق أحمد زايد «إننا كثيرا ما نعاني من عدم تهيئة مواقع مخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة سوى في بعض المرافق في المدن الرياضية مثل مدينة الأمير سلطان الرياضية بالمحالة بأبها، أما باقي المرافق الحكومية في عسير فهي غير مجهزة لخدمة ذوي الاحتياجات الخاصة بمختلف طبقاتهم وفئاتهم من الصم والبكم ومن ذوي العاهات الخلقية المختلفة وكأن المجتمع لا توجد فيه هذه الفئة رغم وجود نسبة كبيرة منهم في المجتمع». وقال رئيس المجلس البلدي بأبها الدكتور أحمد محمد الغبيري إن المجالس البلدية بالمنطقة أجمعت في لقائه الثاني في عسير على دراسة عدد من التوصيات بخصوص هذه فئة ذوي الاحتياجات الخاصة ومنها إلزام الأمانة والبلديات بتخصيص أراض لإنشاء مراكز ترفيهية اجتماعية للمعاقين أسوة بمركز المروة الترفيهي للمعاقين في الرياض. من جانبه، أكد أمين منطقة عسير المهندس إبراهيم الخليل بضرورة توفير بيئة صديقة للمعاقين وذلك من خلال تحديد الخدمات الحالية والأماكن التي تحتاج إلى تحسين لتتلاءم مع تلك ظروف ذوي الاحتياجات الخاصة، إضافة إلى التأكد من ملاءمة المشاريع القادمة والجديدة لمتطلباتهم، لافتا إلى أن هذه المشاريع القادمة كتطوير المتنزهات والحدائق العامة سيكون للمعاقين نصيب فيها وأن الأمانة تعمل على ذلك لتتلاءم مع ظروفهم. إعانة قليلة ويضيف محمد مستور الشهراني أن إعانة المعاقين من ذوي الاحتياجات الخاصة قليلة وأيضا توظيفهم وأولوياتهم في التوظيف في مختلف القطاعات أصبح أمرا مستحيلا حسب حالة كل شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة، مضيفا أنه يتسلم إعانة شهرية من الشؤون الاجتماعية بمقدار 800 ريال، ومن الضمان الاجتماعي 800 ريال، ولكنه يطمح في إكمال نصف دينه والزواج وفتح منزل وتكوين أسرة فما عساها أن تفعل إعانة شهرية لا تتجاوز 1600 ريال، خاصة أنه أكبر أشقائه ويعول أسرة مكونة من 11 شخصا ويعين والده المتقاعد ذا الدخل المحدود، مبينا أنه يطالب بسيارة معاق منذ أربع سنوات وإلى الآن لم ير النور. وعن الوظيفة والبحث عنها يقول الشهراني «لم أترك دائرة حكومية أو قطاعا خاصا إلا وبحثت وسجلت كامل بياناتي فيها بدءا من صندوق الموارد البشرية الداعم للتوظيف ووعود في عود منذ أربع سنوات وإن وجدت وظيفة فهي لا تناسب قدراتي فأنا معاق من ذوي الاحتياجات الخاصة وأحتاج إلى وظيفة إدارية ومكتبية كون التحرك يصعب علي إلا بالعكاز وببطء، ومعظم الوظائف التي عرضت علي غير مناسبة لا من ناحية المرتب الزهيد الذي لا يتعدى 2000 ريال ولا من ناحية قدراتي كوني معاقا وأعاني من توقف كامل لأطرافي السفلية تصعب معه القيادة والحركة إلا بمساعدة».