دعا عدد من المهتمين بشؤون الإعاقة إلى تفعيل الأنظمة المعنية بخدمات المعاقين، وبحثها بطريقة منتظمة وفاعلة لمواجهة الإشكاليات العديدة التي يعيشها قرابة 730 ألف معاق في المملكة. وأكدوا أن الخدمات المقدمة لهذه الشريحة في المجتمع تبدو من الناحية النظامية مكتملة ومثالية، لكن تطبيقها في الواقع يعاني من قصور لا يمكن ستره، وضعف يحتاج إلى تدخل متخصص ومستمر ومراقبة للتطبيق، وعدم الاكتفاء بإصدار أنظمة بل العمل على توفير آليات لتطبيقها ومراقبة ذلك التطبيق لمعالجة ما يطرأ عليه من تحديات. وأقر عدد من المعاقين بأن الخدمات التي تتدرج من تصميم الطرق والأرصفة وتتصاعد إلى تسهيل مهمة المعاقين تعليماً وتدريبا وعملاً تشهد جموداً لم تعالجه التصريحات البراقة، فبمجرد خروج المعاق من بيته يتعرض لكم من الإشكاليات لا يطيقها، ما يفرض عليه عزلة اختيارية ويعطل دوره في المجتمع. وأكدوا أن الرعاية التي طالت المعاقين حتى الآن لا تشملهم جميعاً، إلا من خلال الإعانات، أما ما دون ذلك فلا يتجاوز التدريب والتأهيل بضعة آلاف منهم، فيما يبقى السواد الأعظم في انتظار تلك الخدمات. عن ذلك يقول عضو مجلس الشورى السابق عبدالوهاب آل مجثل ل«الشرق» إن خدمات وزارة الشؤون الاجتماعية لهذه الفئة رغم أهميتها لا تتجاوز منحة سنوية متواضعة تبدأ بأربعة آلاف ريال إلى عشرين ألف ريال ويحكم ذلك درجة الإعاقة ونوعيتها حيث إنه يجب توفير بعض الأجهزة مثل الكراسي المتحركة والأسرّة الطبية ومعينات السمع والبصر وتذاكر السفر ولاصق إرشادي للصم على سياراتهم لتسهيل وقوفهم في الأماكن المخصصة لهم بالإضافة إلي تفضيل المعاق على غيره في أمور المنح السكنية وتوفير الرعاية الإيوائية مع وقف الإعانة السنوية وكذلك التأهيل المهني لبعض الحالات القادرة على العمل. ويؤكد آل مجثل، بمقارنة بسيطة بين الواقع والمأمول، مدى الإحساس بمرارة الألم والإحباط الذي ينتاب ذوي الاحتياجات الخاصة من هذا الواقع المؤلم، وعليه فإنه يرى أن الوقت قد حان لتحظى هذه الشريحة الغالية على هذا الوطن والمواطن وولي الأمر بالاهتمام المطلوب ومن ذلك تخصيص مواد منفصلة في أنظمة المملكة تحفظ لهم حق العيش الكريم وما لهم من حقوق. وطالب بإنشاء مؤسسة حكومية مستقلة لرعاية حقوق المعاقين، عوضاً عن وزارة الشؤون الاجتماعية التي هي أصلا مشغولة بملفات أخرى تعيق توجيه الاهتمام المطلوب لذوي الاحتياجات واسترسل قائلاً إن هناك أدواراً يجب أن تقوم بها المؤسسات المعنية برعاية حقوق المعاقين، ومن ذلك مراقبة تفعيل الاتفاقيات الدولية التي سبق أن وقعت عليها المملكة، مؤكداً أنه إذا ما أوجدنا النص القانوني في النظام الأساسي للحكم بالمملكة، فسيتم عندئذ التعامل مع خدمات ذوي الاحتياجات الخاصة على أنها حقوق وواجبات وبقوة الأنظمة والقوانين والاتفاقيات الدولية. في السياق ذاته، أقر وكيل محافظ محافظة الجبيل السابق عبدالله المسفر بأن التعامل مع الطلبات المقدمة من قبل المعاقين لوزارة الشؤون الاجتماعية لتأمين بعض احتياجاتهم الأساسية تتعرض لتأخير لفترة لا تقل عن الشهر، ما يترك أثراً سلبياً على صاحب الطلب نتيجة لتأخر حصوله على ما يحتاج إليه، وأحياناً لا تسفر مراجعاتهم المتعددة عن الحصول على أي رد بشأن طلباتهم، مع العلم أن مجرد خروج المعاق من منزله يعد مشقة تضاف إلى إعاقته، على الأقل من حيث عدم جاهزية الطرق والأرصفة لحركة المعاقين. واقترح المسفر حلولاً يمكن أن تحسّن من أوضاع المعاقين وتحد من معاناتهم، ومن ذلك إيجاد مكاتب في كل محافظة لخدمة الأشخاص الذين يعانون من إعاقة أو لا يستطيعون الحركة إلا بمساعد. كما اقترح تنظيم زيارات منزلية لتفقد الخدمات المقدمة لهم، وإتاحة تقديم الطلبات بالأمور التي يحتاجون إليها وتعبئة الطلبات بالمنزل دون حاجة لأن يراجعوا الجهات المعنية. واستحسن استغلال التكنولوجيا الحديثة لتقديم الخدمات للمعاقين وتوفير معظم متطلباتهم التي يحتاجونها. وقال إن السبب وراء ضياع حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة هو الروتين في تسيير معاملاتهم وعدم إعطاء الأولوية لإنهاء إجراءاتهم، مؤكداً عدم الاستفادة من خبرات الدول المجاورة في هذا الجانب رغم أن الدولة لم تقصر في ذلك. من جانبه، أوضح مدير فرع الإحصاءات العامة والمعلومات بمنطقة عسير محمد آل مصبح، ضرورة تكييف جميع وسائل النقل العام والخاص بحيث تلبي احتياجات وقدرات المعاقين، وإيجاد حافلات وسيارات أجرة وقطارات مؤهلة لنقلهم، وتعديلها وفقاً للمعايير العلمية والعملية بما يضمن توفير الأمان لهم أو على الأقل تخصيص عدد معين من هذه المواصلات لهم مع تكييفها وتعديلها لتلائم متطلباتهم واحتياجاتهم. ويقر محمد الشريف، من ذوي الاحتياجات الخاصة، بأن حكومة المملكة سخرت جميع إمكانيتها وقدراتها لخدمة المواطن بشكل عام، ولكن مع الأسف هناك من يغيب الصورة الحقيقية لمعاناة بعض الفئات في المجتمع عن ولاة أمرنا ومن ضمنهم فئة المعاقين. فالمعاقون في المملكة يعانون من سوء الخدمات المقدمة لهم. فالتجهيزات الواجب توفرها لراحة المعاق تكاد تكون معدومة، ما يشعر المعاق فعلا بثقل الإعاقة. كما يعتبر أن البيئة التي يعيش فيها المعاق غير مواتية لإعاقته، حيث يجد المعاق صعوبات كبيرة في التنقلات لعدم تهيئة الشوارع والمساجد لتنقلات المعاقين، وقال نحن كمعاقين نسعى جاهدين للتغلب على تلك الصعوبات بمحاولة إيصال أصواتنا للمسؤولين بحثا عن حياة كريمة. ودعا الشريف إلى تفعيل أدوار المجلس الأعلى لشؤون الإعاقة لاختصار الطريق أمام تفعيل كثير من الأنظمة الصادرة وغير المفعلة لحقوق المعاقين. وفسّر ضياع حقوق المعاقين بانعدام ثقة المجتمع فيهم وفي قدراتهم ما جعلهم مهمشين للدرجة التي يعتبرنا كثير من أفراد المجتمع فئة بحاجة للرحمة والعطف والشفقة فقط. وقال لابد أن يستوعب المجتمع أن لنا حقوقاً مستحقة وليست تفضلا من أحد، فنظام رعاية المعاقين الصادر منذ زمن طويل لم يُفعّل لأن الكثير حينما يسمع كلمة رعاية لا يلقي لها بالا وفي الحقيقة أننا لا نريدها رعاية بل نريدها كحق فمن الأولى تسميته نظام حقوق المعاقين. وفي سياق متصل، يدعو يحي السميري الأمين العام للجنة تعنى بالمعاقين في الغرفة التجارية، إلى تهيئة البيئة العمرانية وتفعيل نظام رعاية المعاقين والمجلس الأعلى للمعاقين . وناشد بزيادة الإعانات ومنح السيارات والإسكان وتعديل أنظمة التوظيف والترقيات لتتوافق مع الظرف الصحي للمعاقين. وتساءل متى يكون للمعاقين خدمات تغطي احتياجاتهم وترعاهم وتحل مشكلاتهم؟ من جانبه يقول عبدالرحمن آل مداوي الحمد لله على كل حال، فقد اعتدنا على الصعوبات التي نواجهها، بل أصبحت صديقة لنا فهناك علاقة تربطنا معها منذ زمن طويل، وقد تبقى هذه الصداقة حتى يأتي ذلك اليوم الذي أتغلب عليها. ويقول ساخراً كما أن الحرب خدعة، فإنني ما زلت أمارس دور الخدعة عندما أشاهد ذلك الرصيف يبتسم لي ويشاركني الخدعة وكأنه يخبرني بأنه ما زال في حياتك اليومية إعاقات أخرى تمنعك من ممارستها بسهولة، لذا أضطر إلى الاستعانة بغيري ليساعدني على صعود ذلك الرصيف. ويستطرد قائلاً نحن فئة أدمنا التحدي وأصبحنا نتسابق على تجاوز الصعوبات بشتى أنواعها لكن ثقوا بأنا سنكون سعيدين جداً عندما تُمهد لنا الصعوبات وتسهل لنا العقبات ونتفاخر أمام رفاقنا المعاقين في الدول الأخرى بأننا أفضل منهم ونستطيع ممارسة حياتنا اليومية بكل سهولة. جدير بالذكر، أن وزارة الشؤون الاجتماعية سبق أن كشفت عما اعتبرته مزايا للمعاقين، ومنها: منح المعاقين بطاقات تخفيض أجور السفر تتيح لهم الحصول على تخفيض في الأجور بنسبة 50% للمعاق ومرافقه على وسائل النقل الحكومية المختلفة البرية والبحرية والجوية، وتوفير الأجهزة التعويضية والمعينات السمعية والبصرية، وتوفير كافة أنواع الرعاية بما في ذلك العلاج والأدوية مجاناً، وإتاحة فرص العمل للمعاقين كغيرهم، وتخصيص مواقف لسيارات المعاقين، وتجهيز الطرق العامة والحدائق والمتنزهات ومباني المؤسسات الحكومية والأهلية بما يلائم المعاقين ويسهل حركة تنقلاتهم، وتوفير المؤسسات والمراكز التي تقدم كافة برامج الرعاية والتأهيل والتعليم للمعاقين، وصرف إعانات مالية للأسر التي تتولى رعاية المعاق لمساعدتها على تقديم الرعاية اللازمة له. ولا ينكر أحد أن غالبية هذه المزايا يحصل عليها المعاقون، خاصة على صعيد الإعانات السنوية لأسرهم، فضلاً عن الرعاية الصحية. لكن الطرق لم تؤهل في الغالب لمساعدة المعاقين على اجتيازها دون مخاطرة على أرواحهم، ولعل إشكالية التنقل تعد من أصعب المعوقات التي حاولت الوزارة حسمها من خلال سيارات مجهزة للمعاقين لم تصل إليهم جميعاً، وما زال كثيرون منهم بحاجة لمزيد منها.