كلمتان معناهما في غاية الجمال فهما يرمزان للإيحاء الخداع. والإيحاء هو من الآليات الفاعلة التي لا نعطها حقها من الاهتمام. أتذكر قبل حوالى 35 عندما تعلمت الطيران أنني جلست في مقصورة قيادة طائرة «قرمبع» مليئة بالدراما لأنها كانت قديمة. وكانت أمامي مجموعات كبيرة من «الأزارير»، وبعضها كان «يعني - يعني» للمنظر فقط فأصبت بالإحباط. وعبر التاريخ، ستجد أن الإيحاء الكاذب أصاب الملايين بالإحباط عندما تتأمل في الأعداد الهائلة من البشر الذين انخدعوا باللهث وراء تعدين الذهب. وكم منهم وجد أنهم وجدوا رواسب برونزية.. خليط من عناصر القصدير والنحاس الرخيص بألوانه الذهبية الجميلة «يعني - يعني» أنه ذهب. ولكن عالم الإيحاء في الكيمياء ممكن أن يحتوي أيضا على بعض الأبعاد القاتلة. وربما كان أفضل مثال على ذلك هو «السم الهاري» الأول بين جميع العناصر. وبدون شك أنه معدن «الثاليوم» الذي يسمى «سم السموم» لأنه لو دخل الجسم «يتنكر» وكأنه عنصر الكالسيوم الضروري للحياة الذي يتحد مع العديد من الجزيئات لبناء وصيانة الحياة بداخلنا بمشيئة الله، وبعدما يدخل جسم ضحيته يتخلص من حركات ال«يعني - يعني» ويخلع حركاته التنكرية ليظهر على حقيقته، ويبدأ مشواره القاتل فيمزق في هياكل مكونات الخلايا والأنسجة بداخل ضحاياه. وهناك المزيد من العجائب في عالم الأحياء، ففضلا تأمل فيما تفعله ملايين المخلوقات يوميا لتدبير أمورها باستخدام الخداع والحيل العجيبة. وكمثال تخيل ما تفعله بعض أنواع الضفادع عند الاستعداد للتزاوج، تتجمع مجموعات ضخمة من الذكور الأصحاء في الظلام الدامس لجذب الإناث، ويصدرون أصواتهم المزعجة التي تعلن عن قوتهم وفتوتهم، ويلجأ بعض الذكور «الشياب» إلى التجمع في دائرة حول أولئك الضفادع الشباب، واصطياد الإناث وهن في طريقهن نحو الشباب. «بكش» ضفادع لا مؤاخذة. وحتى بداخل منازلنا نشهد بعض طرائف هذا الجانب فقد تتذكر اللحظات الصعبة عند مواجهة «وزغة» أمامك. ترميها بنظرات، وترد هي الأخرى بنظرات، ثم ترمي عليها أعزكم الله «الشبشب»، فتفاجئك بالتخلص من ذيلها ورميه بعيدا عن جسمها للتمويه «يعني - يعني» أنها بهذه الحركة ستنجو منك. «بكش» زواحف أعزكم الله. طبعا ستجد أقوى تجسيد للإيحاءات الخادعة في عالم البشر، وبالذات في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ومن العجائب أن الكيان الصهيوني يحاول وينجح في العديد من الأحيان في إقناع العالم بأنه دولة حقيقية، بل وإنها تمارس الديمقراطية والإنسانية. يعني - يعني أنها دولة بضمير. وقد توفى خلال هذا الأسبوع أحد أبطالهم وهو أحد رجال «دولتهم» آريل شارون الذي كان رئيس وزراء، ووزير زراعة، ووزير إسكان بالإضافة إلى العديد من المناصب القيادية في السلم والحرب. وتاريخ هذا الرجل من الناحية الإنسانية من أسوأ ما يمكن تخيله. فكم من نفس بشرية قتلها دون وجه حق. وكان أحد مبادئه الأساسية أنه «إذا كان عربيا أو مسلما فهو يستحق القتل»، ومعظم الذين قتلهم كانوا من المدنيين العزل الأبرياء. وكان أول وزير زراعة في العالم يقتل المزارعين الأبرياء في حقولهم.. وزير زراعة «يعني - يعني». وكان أول وزير إسكان يقتل السكان الأبرياء بهدم المساكن وهم بداخلها.. وزير إسكان «يعني - يعني». وكان يؤمن بمبدأ أن تطلق النار أولا وتقتل ثم تتفاوض. وأعتقد أنه من أكثر رؤساء الدول الذين قتلوا أبرياء في التاريخ الحديث. إنسانيته بأكملها «يعني - يعني». أمنية نتعرض يوميا لمئات الأكاذيب في حياتنا العادية، ناهيك عن سيل الإيحاءات الخداعة عبر وسائل الإعلام المختلفة. أتمنى أن ندرك الفوارق بين الحقائق وال«يعني - يعني». والله من وراء القصد.