في خطوة دبلوماسية غير معهودة في تاريخ الأممالمتحدة، اعتذرت المملكة عن قبول عضوية مجلس الأمن لمدة سنتين، بعد ساعات من انتخابها عن قارة آسيا دون أي منافس. وإذا كان دخول المملكة لأول مرة إلى مجلس الأمن حدثا نوعيا، فإن الاعتذار عن قبول العضوية بسرعة قياسية يمثل حدثا بالغ الأهمية، لما تحمله هذه الخطوة الجريئة من رسالة اعتراضية على مؤسسة مجلس الأمن وطريقة عمله الموروثة منذ تأسيسه، كنتيجة من نتائج الحرب العالمية الثانية، وما اعتاد عليه من ازدواجية المعايير والتي لم تمنع من تهديد الأمن والسلم الدوليين في مناسبات عدة. وقد تجلت هذه الازدواجية في تجاهل قضية فلسطين التي ماتزال عالقة منذ 65 عاما دون حل، وفي العجز عن تجريد دول المنطقة من أسلحة الدمار الشامل، وعن ردع أي دولة عن سعيها لاكتساب السلاح النووي، ووصلت الأمور إلى حد نجاة رأس النظام السوري من أي عقاب رغم استخدامه السلاح الكيماوي ضد شعبه، بل إن الجهود قائمة للتفاوض معه بشأن حل سياسي للأزمة الراهنة. وفي تقييم هذه الخطوة غير المتوقعة، رأى الخبير القانوني علي العانوتي في تصريح ل«عكاظ» أن الدول الأعضاء تتنافس فيما بينها لتحصل على العضوية غير الدائمة رغم أن تأثيرها معنوي في كثير من الأحيان، إذ إن مجلس الأمن يخضع لسلطة الدول الكبرى التي تتمتع بحق النقض أو الفيتو، وهذه هي الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية. وقال إن هذا الوضع لم يتغير رغم تبدل المعطيات والاتجاهات منذ ذلك الوقت، وبروز دول ناشئة وهي قوى إقليمية كبرى، لها تأثيرها ونفوذها في تحقيق الأمن والسلم العالميين ولا دور حقيقيا لها في مجلس الأمن، مضيفا أن دولا كبرى في المجلس المذكور تثبت كل يوم أنها بعيدة كل البعد عن منطق العدالة وعن روح القانون الدولي كما نصوصه، وتتحكم بحق النقض بالضد من إرادة الشعوب والأمم دون وجه حق. وفيما يتعلق بالبعد السياسي لهذا الاعتذار، قال الخبير في الشؤون العربية حسن شلحة ل«عكاظ»: إن ما أقدمت عليه المملكة من اعتذار عن قبول العضوية هو وسام شرف لهذا البلد الأمين، الذي يرفض أن يكون شاهد زور على مغالطات المجلس وانحيازاته الظالمة إلى جانب القوى الكبرى، وأضاف «أما لو استعرضنا بيان وزارة الخارجية والذي يفند أخطاء مجلس الأمن فيمكننا أن نستنتج أن المملكة وعبر اطلاعها الدقيق على مجريات الأمور بالنسبة للمفاوضات الجارية بين الغرب وإيران حول الملف النووي، وما يتم تحضيره لعقد مؤتمر «جنيف 2» لوضع نهاية سياسية للأزمة السورية، قد أدركت حجم الانحراف الذي لا يمكن تصويبه داخل مجلس الأمن بأي طريقة من الطرق، لافتا إلى أن المفاوضات الحقيقية تجري بين موسكو وواشنطن وليس على بقية الدول إلا التعامل مع النتائج مهما تكن سلبية وضارة على السلم والأمن الدوليين. وتابع «ولو زدنا عليه قضية فلسطين المزمنة والتي تسببت بجملة من الحروب على مدى 65 عاما، فإن الموقف السعودي كان مبدئيا وعمليا إلى أبعد حدود، وهو يشكل صدمة سياسية ونفسية هائلة في مجلس الأمن وفي الأممالمتحدة ككل فضلا عن كونه جرس إنذار».