يعتقد البعض أنه مستغن بذاته عن الآخرين، فالتاجر قد يرى أنه بالمال قد تنقاد له السعادة على طبق من ذهب، والزوج قد يعتقد أنه بعقد الزواج قد يتحقق له السكن، وبعض أصحاب الفكر المعارض قد يعتقد أنه هو الوحيد الذي سيصلح الكون على يديه، وأن رأيه صواب لا يحتمل الخطأ ورأي غيره خطأ لا يحتمل الصواب. وفي الواقع أن هذه الحياة تقوم على الاعتماد المتبادل، فما نعتبره هاما في حياتنا نجد أن علاقته -لا شك- وثيقة بالآخرين، لأن هذه الحياة تقوم في الأساس على الكسب المشترك بيننا وبين كل من نتعامل معهم، فالخبز الذي يقيم أودنا نحتاج للحصول عليه إلى خباز ماهر قريب منا، فلو لم نجده لبقينا جائعين، والخباز نفسه يحتاج إلى صاحب البقالة لشراء الدقيق، وصاحب البقالة يحتاج إلى الموزع، والموزع يحتاج إلى التاجر، والتاجر يحتاج إلى المصنع، والمصنع يحتاج إلى عمال، والعمال هم من يشتري الخبز من ذلك الخباز، وصاحبنا مالك الأموال الذي يظن أن السعادة قد تنقاد إليه بإشارة سبابته قد يجد نفسه حائرا لو تمرد عليه العامل المسكين عندما يتأخر عليه راتبه، أما أصحاب الفكر الشاذ الذين ينظرون إلى أمر من الأمور من زاوية ضيقة، فإنهم يعتقدون بنظرتهم القصيرة أن الحياة قد أصابها العطب، وأن الواجب عليهم أن يقوموا بإصلاحه بأنفسهم، أخذا بما يظهر لهم من مقولة: (إذا قام راكب سفينة مجنون بخرقها، فإن السفينة سوف تغرق بمن فيها جميعا)، ولعل هؤلاء لا يعلمون أن عدسات الرؤية تختلف باختلاف موقع وقوفنا، فهناك عدسة مقعرة تكبر حجم الأشياء والجانب الآخر منها محدب يعطي رؤية مغايرة تماما، فلو انتقل أولئك الذين يحملون الفكر المتطرف من أوكارهم إلى الجانب الآخر حيث العدسة المحدبة لزال التهويل الذي خدعهم، ولتفهموا وجهة نظر الطرف الآخر، ولاختفى الحقد الذي أوقر صدورهم دون سبب مقنع. فيا أيها المتطرفون عودوا لرشدكم وحاولوا تفهم وجهات نظر ذلك الآخر الذي نصبتم له العداء دون تثبت بسبب عدم اتفاقكم معه في الرؤية والمنهج والفلسفة ، واعلموا أنكم أنتم من سيتسبب في غرق السفينة لا هم، واعلموا أن ديننا لم يمنع التعامل حتى مع غير المسلمين، فالرسول صلى الله عليه وسلم مات ودرعه مرهونة عند يهودي، واعلموا أيضا أن الشرع قد أعطى الأمان للمستأمنين الذين يعيشون بين أظهرنا، وعاقب كل من يعتدي على حقوقهم، فكيف بمن يعادي مكتسبات وطنه وأبناء جلدته وولي أمر المسلمين الذي أمرنا الله بطاعته كما جاء في قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) (النساء: 59). * مساعد مدير التربية والتعليم بمحافظة القنفذة