على الرغم من التوسع في استخدام شبكات الإنترنت وتقنيات التواصل الاجتماعي والتدفق المهول في أعداد المستخدمين الذين سيبلغون قرابة نصف سكان الكرة الأرضية بحلول العام 2017م حسب مؤشرات شبكات «سيسكو» العالمية، إلا أن القضايا والأخبار التي أثيرت حول تنصت بعض الحكومات والدول على خصوصية المستخدمين باتت مثبطة لهم وتثير مخاوفهم، وضاعف هذه المخاوف الوثائق التي سربها مؤخرا عميل وكالة المخابرات المركزية الأمريكية الهارب «إدوارد سنودن» خلال يونيو الماضي لعدد من الوسائل الإعلامية عن برنامج «بريزم» (PRISM) للتجسس الرقمي. وصنف برنامج «بريزم» الذي تبنته وكالة الأمن القومي الأمريكي (NSA) منذ عام 2007م بأنه سري للغاية، وهذا البرنامج حسب ما جاء في الوثائق التي سربها العميل «سنودن» يتيح مراقبة معمقة للاتصالات الحية والمعلومات المخزنة، ويمكن من استهداف أي عميل لشركة منخرطة في برنامج «بريزم»، في حال كان هذا العميل يسكن خارج الولاياتالمتحدة، أو كان مواطنا أمريكيا له اتصالات تتضمن محتويات خاصة بأشخاص خارج الولاياتالمتحدة. والبيانات التي يقال أن «بريزم» يمكن من الحصول عليها تتضمن رسائل البريد الإلكتروني، ومحادثات الفيديو والصوت، والصور، والاتصالات الصوتية ببرتوكول الإنترنت، وعمليات نقل الملفات، وإشعارات الدخول لشبكات التواصل الاجتماعية وتفاصيل استخدامها. وبناء على ما جاء في وثائق «سنودن» التي نشرتها صحيفتي «الغارديان» و«واشنطن بوست» مطلع يونيو الماضي، والتي أشارت بتأكيد تعاون «مايكروسوفت» مع وكالة الأمن القومي الأمريكية من أجل التجسس على مستخدمي «سكايب»، وكشفت أن عملية التجسس لا تتم على المكالمات الصوتية فقط، إذ بدءا من يوليو 2012 بدأ التجسس على مكالمات الفيديو أيضا، كما أن النتائج المهمة من عمليات التجسس كانت وكالة الأمن القومي تشاركها مع مكتب التحقيقات الفيدرالي، وذلك على الرغم من أن «سكايب» روجت في الماضي إلى استحالة التجسس على خدماتها، وذلك لأن الخدمة تعتمد على اتصال مشفر يتم بين طرفي المحادثة فقط، لكن «مايكروسوفت» قامت بعد الاستحواذ على الشركة بتغيير البنية التحتية واستبدال النظام السابق بالعديد من الخدمات التي تشغلها، ما جعل الخدمة تتحول إلى نظام أكثر مركزية، وهو ما يعتقد أنه يساهم في تسهيل عملية التنصت على المستخدمين. و أكثر ما يثير الجدل هو أن هذا البرنامج يمكن وكالات الاستخبارات المركزية من الحصول على ما تريد من معلومات بدون مذكرة أو تصريح رسمي وبدون الحاجة إلى إذن من الشركات المشاركة بالمشروع، ما يعد خرقا كبيرا للخصوصية، ولذلك تحدث عدد من المختصين القانونيين خلال منتدى ويستمنستر الإلكتروني الذي أعد مؤخرا حول سياسة وقوانين حقوق المستخدم في الإنترنت بعنوان: «شركات وكيانات للرد على الإطار القانوني الذي تنشئه الحكومات»، حيث أشار في هذا الشأن «ألان ريتشارد» المنسق العام لسياسة وكالة الاتحاد الأوروبي التنظيمية لتقييم المنتجات الطبية (EMEA) بأنه لم يصل للشركات أي قوانين ولوائح لتحديد ما إذا كانت اتصالات المستخدمين تبقى خاصة، ملقيا المسؤولية في ذلك على الحكومات، وأضاف أنها «إلى حد كبير مسألة تخص الحكومات»، وفي إطار المادة 8 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، فإن اتخاذ القرارات في شأن خصوصية المستخدم يقاس على مدى وحجم المخاوف من التدخل في شؤون المراسلات الخاصة. وقد سبق أن حذر الاتحاد الأوروبي من استخدام الخدمات السحابية الأمريكية (US Cloud Service)، والتي من ضمنها برامج شبكات التواصل الاجتماعي مثل ال«فيسبوك» و«تويتر» و«سكايب» التي جمعت مئات الملايين من المستخدمين، وذلك باعتبار أن الحكومة الأمريكية لم تتمكن من تقديم تطمينات كافية لحماية البيانات.