يذهب أحد التفسيرات للمظاهرات المناهضة للحكومة والتي تقض مضاجع المدن التركية إلى اعتبارها احتجاجا ضخما ضد الإسلام السياسي. ويبدو العراك وكأنه يمثل رؤيتين مختلفتين لتركيا الحديثة، العلمانية في مقابل الإسلاميين، والديمقراطية في مقابل الاستبدادية. حتى أن بعض المراقبين يتحدثون عن «الربيع التركي». ومن المهم أيضا أن نعلم أن أول الاحتجاجات في ساحة تقسيم في اسطنبول لم تكن تتعلق ببناء مسجد، بل ببناء مركز للتسوق. لذا، فبدلا من الخوض في مشكلات الإسلام السياسي المعاصر، والتي هي جديرة بالاعتبار، لعله من المفيد بدرجة أكبر أن ننظر إلى صراعات تركيا من منظور آخر، وهو منظور لم يعد متماشيا مع روح العصر.. أي المنظور الطبقي. ومن غير المنطقي أن ننظر إلى الاحتجاجات الحالية باعتبارها مجرد صراع بين الديمقراطية والمعارضين لها. ذلك أن نجاح حزب العدالة الشعبوي الذي ينتمي إليه أردوغان، فضلا عن الانتشار المتزايد للرموز والعادات الدينية في الحياة العامة، كان نتيجة للمزيد من الديمقراطية في تركيا، وليس العكس. ويشعر أبناء الطبقة الريفية التي أصابت الثراء حديثا بالامتعاض من النخبة القديمة في اسطنبول بقدر ما يكره رجال الأعمال من تكساس أو كانساس النخب في الساحل الشرقي من نيويوركوواشنطن. إن ما نراه في بلدان مثل مصر وتركيا بل وحتى في سورية هو ما وصفه الفيلسوف الليبرالي البريطاني العظيم أشعيا برلين بعدم التوافق بين سلع متساوية. ففي بعض الأحيان يقع الصدام بين الأشياء الطيبة بنفس القدر. وكذا الحال في التحولات السياسية المؤلمة التي يشهدها الشرق الأوسط. فالديمقراطية أمر جيد، وكذلك الليبرالية والتسامح. وهذا ليس سببا لدعم أردوغان ضد المحتجين في تركيا. فمن حق المتظاهرين أن يعارضوا تجاهله للرأي العام. ولكن أن ننظر إلى الصراع باعتباره نضالا أخلاقيا ضد شكل من أشكال التعبير الديني فهو خطأ بنفس القدر. وبكلام أوضح، فإن الصراع التركي الداخلي اليوم هو انعكاس لصراع طبقي بدأ المجتمع التركي يشهده في العقد الأخير. * أستاذ الديمقراطية في معهد «بارد» في واشنطن. ترجمة: جوزيف حرب