الحديث عن أقدم المساجد في بلادنا يطول، إذ احتضنت الارض الطاهرة مهد الرسالة العديد من المساجد التاريخية العريقة التي ارتبطت بوقائع في العصر الاسلامي ولعل مسجد جواثا في محافظة الأحساء يأتي في سلسلة المواقع الاثرية التي لا تخطئها عين زائر فهي من اقدمها واعرقها اذ شيد في عهد الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام وتشرف ببنائه بنو عبد قيس وهم الذين بادروا بإسلامهم طوعاً لا كرهاً حيث مدح النبي أهل هذه الديار بقوله (أكرموا اخوانكم فإنهم أشبه الناس بكم أسلموا طوعاً لا كرهاً). الرجل إذا فزع يقول المؤرخون ان اسم جواثا أصله من (جأث) الرجل إذا فزع، فكأنهم لما كانوا يرجعون إليها عند الفزع سموها بذلك. وهذا القول يؤيده وجود حصن بالموقع. ومكان جواثا الآن موقع كثبان رملية، وبه منخفضات تظهر فيها دلائل استيطان قديم ومبان مندثرة، ربما تكون بقايا جواثا الأمس أو جزءا منها. كما تظهر في الموقع دلائل استقرار نشط في موضع التلال التراكمية ضمن نطاق مشروع حجز الرمال (المنتزه الوطني بالأحساء) اذ تذخر منطقة المسجد بمجموعات من التلال الأثرية التي تغطيها الرمال وتنتشر فوقها أصناف عديدة من القطع الفخارية والخزفية وأنواع من الزجاج الملون والأبيض الشفاف. الثبات على الدين تذكر عدد من الكتب أن جواثا حصن أو قصر لعبد القيس في البحرين، وهو الاسم القديم لمنطقة تشمل البحرين والأحساء والقطيف، والساحل الشرقي من السعودية، وطبقا لمأثورات الكتب فإن حصن جواثا اعتصم به المسلمون الذين ثبتوا على دينهم عندما حاصرهم أهل الردة، ويعتقد أن الأراضي في الجنوب الغربي من جواثا، تضم رفاة من استشهد من المسلمين في حروب الردة، ومنهم الصحابة عبدالله بن سهيل بن عمرو، وعبدالله بن عبدالله، حيث تحصن مجموعة من المسلمين داخل أسوار المسجد بعدما حاصرهم المرتدون في عام 14 هجرية (635) كما تشير إلى ذلك مصادر تاريخية، مثل العلامة حمد الجاسر في كتابه المعجم الجغرافي للمنطقة الشرقية. برنامج الترميم والإصلاح يبعد المسجد الذي يقع ضمن متنزه يعرف بالاسم نفسه، نحو 17 كيلومتراً شمال شرقي مدينة الهفوف، وقبل سنوات اكتشف أن المسجد الحالي أقيم فوق أنقاض مسجد أقدم منه، ويشير الشيخ عبدالرحمن الملا في كتابه ( تاريخ هجر)، إلى أن المسجد الذي غطت الرمال أغلب أجزائه، قد تم ترميمه في عام 1210ه، حيث تولى ترميمه الشيخ أحمد بن عمر آل ملا. ويرى المهتمون بالآثار أن أطلال المسجد السابق هو مسجد جواثا وكان المسجد قد أدرج ضمن البرنامج الوطني للعناية بالمساجد العتيقة الذي تتبناه مؤسسة التراث الخيرية تحت إشراف وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، ويهدف البرنامج إلى العناية بالمساجد ذات الخصوصية العمرانية المحلية في المناطق المختلفة، التي تحتاج إلى عناية فائقة وإنقاذ سريع، وإعادة تهيئته، وتكفلت الهيئة الملكية للجبيل وينبع بتكاليف ترميم المسجد. مفتوح أمام الزوار شهد المسجد بعد اكتمال الترميم زيارة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار حيث أدى الصلاة فيه، بعدها صدر توجيه صاحب السمو الأمير بدر بن جلوي محافظ الأحساء رئيس مجلس التنمية السياحية في المحافظة بافتتاحه أمام الزوار بعد سنوات من إغلاقه. وتزامن مع ترميم مسجد جواثا ترميم مساجد أخرى، اثنان منها في قرية التهيمية، والثالث في العقير، والرابع مسجد الجعلانية الذي بني في العام 496ه في قرية البطالية كما تزامن مع ترميم المسجد إكمال أمانة الأحساء للطريق المؤدي إليه حيث أصبح طريق جواثا من أبرز وأجمل الطرق في المحافظة من حيث السعة والأرصفة والتشجير والإنارة، مع وجود مساحات خاصة لممارسة رياضة المشي التي ظلت الأحساء طيلة السنوات الماضية تفتقر لمثلها، ما أعطى الطريق جمالا أخاذا وأثنى الجميع على جهود الأمانة التي جعلت من الطريق واجهة تليق بمكانة مسجد جواثا التاريخية والسياحية والدينية.