تقييد الحرية ليس بالضرورة أن يكون قيدا خارجيا، في أحيان كثيرة نحن الذين نضع القيد حول حريتنا، نضعه راضين به لأنه قيد يجلب السعادة إلى قلوبنا ونرى فيه الخير كل الخير. من ذلك حين نقيد حريتنا بقيود من رغبات من نحب، سواء أكانوا أولادا لنا أو آباء أو أزواجا أو أحبة غيرهم، نجد أنفسنا ننساق راضين سعداء بتسليم قيادنا لهم، نأتمر بأمرهم، ونفعل ما يحبون حتى وإن لم يكن هو اختيارنا الذي نود، وذلك لمجرد أننا نحبهم وتبهجنا رؤيتهم راضين. لكن هذا النوع من القيد للحرية لو طبقنا عليه فكرة جون ديوي عن معنى الحرية لوجدناه قيدا زائفا لا تنطبق عليه مواصفات القيود المكبلة للحرية، فقيدنا الذي اخترناه هو قيد بمحض إرادتنا وليس مفروضا علينا من الخارج، نحن الذين رغبنا أن نكون خاضعين لإرادة من نحب، وكان بإمكاننا ألا نكون، لكننا اخترنا ذلك لأنه يسعدنا ويرضينا. بحسب مفهوم ديوي للحرية، هذا يعني أننا أحرار ولسنا مقيدين، بل إننا في حالنا تلك نعيش كمال الحرية، فطبقا لمفهوم ديوي للحرية لا تكون الحرية كاملة إلا متى كانت نابعة من داخل الذات وليست آتية من خارجها، لأن الحرية التي تأتي من داخل الذات ترتكز على قواعد ثلاث: (حرية التفكير، والاختيار، والقدرة على التنفيذ)، وهو ما يجعلها حرية متكاملة، أما الحرية التي تأتي من الخارج (حرية الحركة والتصرف)، فإنها حرية مكملة وليست كاملة. ما يعنيه ديوي بهذا هو أن يكون العقل سالما من الوقوع تحت سيطرة فكر آخر أو توجه جماعة ما أو حزب أو غيرها، فيعمل في حرية مطلقة بعيدا عن جميع المؤثرات الفكرية الآتية من خارج الذات؛ لأن الإنسان الذي يصوغ أفكاره ضمن إطار أفكار تأتيه من خارج ذاته ورؤيته العقلية المستقلة لا يعد حرا، هو إنسان مقيد بالأفكار التي ترسل إليه من خارج الذات، وإن كان لا يعي ذلك. ولكن أيضا حرية التفكير بمفردها لا قيمة لها إن لم يكن الإنسان قادرا على الاختيار، اختيار ما يرشد إليه العقل فيستطيع أن يختار المعتقد الذي يقره عقله والتصرف الذي يمليه عليه تفكيره بلا تأثر بتوجيهات ترسل إليه من خارج الذات. وحرية التفكير والاختيار تفقد قيمتها إن لم ترافقها القدرة على التنفيذ، فما لم يكن الإنسان في داخله قادرا على تنفيذ ما يراه عقله ويشير عليه به، فإنه لا يكون حرا مهما ظن أنه حر، ويضرب ديوي لذلك مثلا بشخص قيل له: أنت حر في أن تتحدث باللغة التي تشاء، لكنه لا يجيد سوى لغة واحدة، فهو في حاله تلك لا يعد حرا في اختيار اللغة التي يتحدث بها؛ لأنه أصلا لا يعرف سوى لغة واحدة، فهو مرغم على أن يتحدث باللغة الوحيدة التي يعرفها. بعد هذا وقبله، لا توجد حرية مطلقة، ولا يمكن لكل فرد أن يكون حرا في اختيار كل ما يريد وإلا تحولت الحياة إلى غابة، القوي فيها يفرض إرادته على الضعيف، فالحرية لا بد لها من قيد يقصرها على حدود يتعارف عليها الجميع؛ لذلك فإن الحرية تخضع لقيود من الدين والقانون والعرف. فاكس 4555382-1 للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ,636250 موبايلي, 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة