أصبح المعنى الانساني للحرية يخضع لمفاهيم متعددة في العصور الحديثة فالحرية تم تفسيرها في المعجم الفلسفي بوجه عام على انها حال الكائن الحي الذي لا يخضع لقهر أو غلبة ويتصرف في حياته طبقاً لإرادته أما الحرية السياسية والاجتماعية فهي التي يستطيع فيها الفرد أن يفعل ما يريد في حدود القانون ودون أن يسئ إلى غيره. وأبرز الحريات السياسية هي حرية الرأى والقول والعمل والاعتقاد وتبقى هذه مقيدة دائماً بنظام المجتمع وحقوق الآخرين ولا تشمل الحرية المطلقة داخلها. ويقول لالاند في موسوعته عن المعنى السياسى والاجتماعى للحرية " عندما يتعلق الأمر بهذه الحرية الخاصة لا يكون هناك سوى تطبيق اجتماعي للمعنى السابق ، إنما تدل كلمتا حر أو حرية فقط ، على غياب إكراه اجتماعى مفروض على الفرد " وبهذا المعنى ، يكون المرء حراً في أن يفعل ما يشاء وفق القانون وحراً في أن يرفض القيام بكل ما لا يأمره بفعلهوعندها يتحمل تبعات أفعاله فالحرية أيضا ممارسة يتحمل الشخص نتائجها. وحين ننظر للانسان الفرد في عالمنا الحاضر وهو يعيش حريته تحت ضغوط متفرقة كالفقر والحروب والصراعات السياسية والأزمات الاقتصادية نجده لا يمارس هذه الحرية بارادته فهو مقيد بظروف الحياة التي فرضت عليه وبالتالي فإن هذه الظروف تدفعه لأن يمارس حريته وفق ما يتوفر له من مناخات لم يختارها ولا يد له في تغييرها بل هو يتوافق معها وان كانت لا تتوافق مع آرائه وأفكاره وفي النتيجة نجد أن الفرد لا يمارس الحرية بمعناها الفلسفي أو الانساني ولكنه على الجانب الآخر يتمتع بحرية أخرى وهي الحرية التي فسرتها المعاجم اللغوية ففى المعجم الفلسفى : " الحرّ : ضد العبد ، والحر : الكريم ، والخالص من الشوائب ، والحر من الأشياء أفضلها، ومن القول أو الفعل أحسنه . نقول حرَّ العبد حراراً خلص من الرق ، وحرَّ فلان حرية كان حر الأصل شريفه . فالحرية هى الخلوص من الشوائب ، أو الرق، أو اللؤم .. ومجرد أن ينال الفرد نصف الحرية فهذا يعني أنه ليس حرا بالكامل في حين أن المنطق يفرض أن ينال الانسان الحرية المطلقة بكل معانيها وتفاسيرها وبكل ما تحمله من حقوق للفرد .. والحرية داخل مجتمعاتنا العربية بشكل خاص تتحرك داخل منظومة إجتماعية لها قوانينها وأنظمتها الخاصة بها والتي قد لا تكون منطقية في معظمها لأن بعض المجتمعات تضع قوانينها البعيدة عن الدين والقانون المدني لأنها قوانين بنيت في معظمها على معتقدات ومفاهيم متوارثة لم تعد تتناسب مع العصر والتطور الفكري والانساني وهذه الحرية بشكل خاص تعتبر حرية منقوصة وظالمة لأنها تخضع الأفراد لقيود تجعلهم لا يكونون لأنفسهم فكرا أو مفاهيما شخصية تجعلهم قادرين على تحديد اختياراتهم في الحياة وبالنتيجة أصبح الانسان العربي بشكل خاص عبدا مملوكا لأفكار وتوجهات إجتماعية بيئية بحتة تختار له مفردات حياته بدء من ماهية ما يقرأ في طفولته وانتهاء باختيار الزوجة وفي بعض الأحيان جنس المولود أيضا .. إن مفهوم الحرية بشكله المطلق لا بد وأن يخضع الموروث الفكري العربي لمفهوم الحرية لعمليات تنقية من الشوائب ويخلصها من أسرها وجمودها وتعنتها ويعيد صياغتها ويطلقها مرة أخرى لتتناسب مع مفاهيم العصر والتطور الفكري والفلسفي والرؤية العالمية للعلاقات الانسانية فحرية الفرد لا بد وأن تنطلق على أسس راسخة تحكمها قوانين وتشريعات واضحة . " حان الوقت لنعيش الحياة التي تخيلناها " هنري جيمس – مؤلف بريطاني *شاعرة وإعلامية سعودية [email protected]