لم يضف خطاب الأسد أي جديد على الأزمة السورية، بل ربما الأمر الوحيد الذي زاده عليها هو التعقيد، والمزيد من الهروب إلى الأمام، وبالتالي على السوريين أن يجدوا الحل بأنفسهم بمعزل عن هذه الظواهر الصوتية.. فماذا سيكون مستقبل سورية بعد هذا الخطاب الأجوف؟. في مراجعات الغرب لمواقفه حيال الثورة السورية، بدت المخاوف واضحة من أن ينجم عن الحسم العسكري لصالح الثوار نتائج ليست في مصلحتها وإسرائيل بشكل خاص، ومنها احتمال سيطرة الإسلاميين على السلطة. وفي الوقت الذي تجمع فيه الدول الغربية على التخلص من الأسد إلا أنها تحلم بأن يكون بالإمكان الحفاظ على مؤسسات النظام الرئيسية، العسكرية والأمنية، باعتبارها الضامن الوحيد للانتقال السلس للسلطة. ولذلك، بعكس الوعود التي قدمت للمعارضة عند تشكيل الائتلاف الوطني السوري، لم يحصل الثوار على أي سلاح أو مساعدة مالية ذات معنى. وبعد أن كانت روسيا تعتبر مع إيران العائق الأول أمام التوصل إلى حل، تكاد هذه الدول أن تعطي لروسيا الدور الأول في التوصل إلى تسوية سورية. لا بل إنها مستعدة اليوم كما هو واضح لمشاركة الإيرانيين الذين يريدون الآن أن يقايضوا تجميد التخصيب النووي مقابل الحفاظ على نفوذهم الاستثنائي في سورية. هذا هو ما تشير إليه أيضا الحركة الدبلوماسية المتعددة الأطراف التي تشهدها الساحة الدبلوماسية الدولية اليوم والتي تكاد تتسابق مع حركة الجيش الحر في تقدمه على الأرض. وفي هذا الإطار جاء ما يسمى ب«خطاب الحل». فلا ينبغي للحل السياسي أن يعني إيجاد تسوية مع النظام وإنما أسلوب أقل دموية لتحقيق مطالب الشعب وإتاحة الفرصة أمامه ليعبر عن رأيه ويقرر مصيره من دون قمع وقتل ممنهج واستخدام للأسلحة الخفيفة والثقيلة كما لو كنا في حرب مع عدو. وليس هناك إمكانية لوقف الثورة والبدء بإعادة بناء الدولة ومؤسساتها من دون تحقيق هذه المطالب المشروعة والعادلة، اليوم أكثر من أي فترة سابقة، بعد أن دفع الشعب من دماء أبنائه ثمنها الباهظ. وكل تنازل أمام هدف تحقيق مطالب الشعب وحقوقه الطبيعية سيبدو خيانة للشهداء وتفريطا بدمائهم الطاهرة. إن ما يتطلع إليه الأسد، هو تسوية من نوع ما حصل في البوسنة تجمع بين القتيل والقاتل، والضحية والجلاد، وتفرض عليهما التعايش والتفاهم. أي تسوية تكافئ القاتل بأن تقدم له مخرجا مشرفا وتطهره من ذنوبه وتجعله شريكا في الوطن الذي قام بتدميره، وتعاقب القتيل بأن تفرض عليه التعاون مع القاتل على خيانة المبادئ التي ضحى من أجلها آلاف الشهداء وتشرد في سبيل تحقيقها ملايين الأبرياء وفقدوا أبناءهم وممتلكاتهم. لكن ما يحلم به صاحب خطاب الحل وشركاؤه، هو من قبيل الأوهام التي لن تتحقق ولا يمكن أن تتحقق طال الزمن أو قصر. ولن يكون الإعلان عن «خطاب الحل» المزعوم كما وصفته وكالة أنباء النظام إلا مقدمة للإعلان عن الهزيمة واعتراف بأن النظام لم ولن يستطيع أن يحقق الأهداف التي رسمها لنفسه في سحق الثورة. حتى يكون هناك أمل في إطلاق مشروع حل سياسي ينبغي حسم ثلاثة أمور: الأول وقبل أي شيء آخر الاعتراف بشرعية مطالب الشعب السوري وبأن الهدف من الحل هو بوضوح تفكيك النظام الإجرامي القائم وإقامة نظام ديمقراطي يمثل إرادة الشعب السوري مكانه، والثاني القبول بمبدأ تنحي جميع أولئك الذين كانوا وراء قرار استخدام العنف والإرهاب ضد هذا الشعب أو شاركوا في اتخاذ القرار، وعلى رأسهم بشار الأسد، والثالث تشكيل حكومة وطنية بقيادة المعارضة ومشاركة ممثلي جميع السوريين، مهمتها إعادة البلاد إلى الوضع الطبيعي، بما يعنيه ذلك من سحب القوات العسكرية التابعة للنظام وعودتها إلى ثكناتها وحل الأجهزة الأمنية التابعة للنظام وإعادة النظر بشكل جذري في تشكيل أي جهاز أمني جديد وفي تحديد وظائفه بما يتفق والنظام الديمقراطي، وتنظيم عمليات الإغاثة وعودة اللاجئين وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة بالمشاركة مع العاملين فيها.