إن أول ما يمكن الرجوع إليه عند البحث عن النزعة الإنسانية في القرآن الكريم، هو ما كشفه لنا من حديث عن الإنسان خلقا ووجودا في أول عهده بهذا العالم، وهذا الحديث يمثل لنا أوثق رواية نطمئن لها بيقين تام عن بداية وجود وظهور الإنسان على كوكب الأرض، متمثلا في خلق آدم وحواء. في هذا الحديث، أشار القرآن إلى ثلاث خصال، عرف وتميز بها الإنسان بوصفه إنسانا مكلفا ومسؤولا، هذه الخصال الثلاث هي: أولا: خصلة العلم، قال تعالى: (وعلم آدم الأسماء كلها)، سورة البقرة: 31 . ثانيا: خصلة النفخ من روح الله، قال تعالى: (إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين . فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين) - سورة ص: 71 72 . ثالثا: خصلة سجود الملائكة، قال تعالى: (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا)، سورة البقرة: 34 . وعند النظر في هذه الخصال الثلاث، يمكن القول إن خصلة العلم ميزت الإنسان بهذه الصفة، وأظهرته بوصفه كائنا له قابلية التعلم واكتساب العلم، وعلى أساس أن صلته بالعلم صلة لا تنقطع، والحكمة من هذه الخصلة، ضرورة أن يتخذ الإنسان من العلم وسيلة لتكميل ذاته، ونفي الجهل عن نفسه، ومن أجل أن يحافظ على صلته بالعلم من المهد إلى اللحد، أي بلا توقف أو انقطاع، فبالعلم تكتمل إنسانية الإنسان، ويزداد شرفا وكرامة، ويستطيع النهوض بواجباته ومسؤولياته. وخصلة النفخ من روح الله، أظهرت الإنسان بأعظم صفة يتميز بها على كافة الكائنات والمخلوقات في هذا الوجود، كما أنها أكثر صفة ترفع منزلته ومكانته، وهي الصفة التي كشفت عن صلة الإنسان الروحية بالله سبحانه، وعدت هذه الصفة من الأسرار التي يصعب على الإنسان أن يحيط بها علما، وهذا ما كشفه القرآن في قوله تعالى: (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا)، سورة الإسراء: 85 . وهذا يعني أن الإنسان ليس كائنا بيولوجيا أو فسيولوجيا أو ماديا فحسب، وإنما هو كائن فيه أيضا نفخة من روح الله، تجعله يتطلع دوما إلى التكامل المعنوي، والسمو الروحي، والارتباط بالمثل العليا. وخصلة سجود الملائكة جاءت تكريما للإنسان، لكي يعرف الإنسان منزلته، وأن الله سبحانه كرمه وعرفه بهذا التكريم، والملائكة الذين سجدوا له بأمر من الله، هم الذين يسبحون بحمد الله ويقدسون له، وأنهم يمثلون رمز الخير والطاعة والطهارة، ولم يكن هذا السجود لآدم الفرد،وإنما لآدم بوصفه نوعا إنسانيا. بهذه الخصال الثلاث عرفنا القرآن الكريم عن بداية ظهور ووجود الإنسان في هذا العالم، وهي الخصال التي ترفع منزلته ومكانته حين ينظر إلى ذاته من جهة، وحين ينظر إلى غيره من جهة أخرى، بقصد أن يتطلع الإنسان إلى التكامل والكمال، ويكون من أهل الكمال، لا من أهل النقص والنقصان. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 115 مسافة ثم الرسالة