في كل مرة نصل إلى مدينة القطيف ومدنها المتناثرة ذات العقد المرصوف جمالا وهي تحاذي ساحل الخليج العربي ونلتقي بأهلها الأنقياء نكتشف بعدا آخر جميلا لم يكن يتبدى لنا في الجولات السابقة، إنها العلاقة الحميمية التي انتجتها هذه البقعة الجغرافية من بلادنا الحبيبة ذات الجذور التاريخية التي تعكس مدى ولاء ووطنية إنسان القطيف تجاه وطنه ومجتمعه ودولته. جولتنا داخل شوارع القطيف وأحيائها هذه المرة رسمت ملامح الأفق الذي من أجله بدأنا المسير في عمق المدينة وأطرافها، حيث دلفنا إلى أحياء متنوعة كحي البحر والخزامى وتاروت والعوامية والخويلدية والشويكة والتوبي، وطرق رئيسية كطريق الرياض والخليج والقدس التي تمثل الشريان الرئيس للمدينة حيث تتفرع منها طرق داخلية تكون سبيلا للوصول إلى تلك الأحياء وكانت كلها تنعم بالحركة التي ألفناها كل يوم في انسيابية متناهية. منظر كورنيش القطيف العام يبهر الناظرين حيث العوائل والأطفال يستمتعون برونق الجو وبهائه والحياة تسير بطبيعتها والركب تبدو في محياه تباشير السعادة حيث الواقع يخبر والحياة هانئة هادئة. لقد أبت الحركة المجتمعية في مدن القطيف إلا ان تقول ان الوحدة الوطنية هي خيارنا الوحيد الذي نراهن عليه في وقت ظهرت بعض الأصوات الغريبة عن نسيجنا الوطني والاجتماعي. لقد كشفت جولتنا مظاهر الوحدة التي قرأنا ملامحها صدقا وبلا مواربة، متجسدة في اوجه رصدتها كاميرا «عكاظ» اثناء تجولها على كورنيش القطيف ومدنها، حيث الامن والرغد بحقيقته التي يتفيأ ظلالها أهالي القطيف عامة. المفكر الشيعي الدكتور محمد بن سعود المسعود قال ل«عكاظ»: لقد حان اليوم للعمل على تعزيز وحدة «وطننا»، بعد أن نجح الملك عبدالعزيز (رحمه الله) في تكوين «الدولة» على ضعف السبل وقلة الموارد وتعاظم التحديات حين ذاك. وإن واجب الشيعة في مملكتنا ومسؤوليتهم هي في أن يتحدثوا بلسان وطن، ويعيشوا بنبضه، ويتحركوا للواقع بفكره وهمومه وطموحاته، لأننا نخسر بمقدار الدخول الى الذات، ونربح بمقدار الانفتاح على الآخر والخروج من قوقعة المكان والفكر والذات. وهذا لا يعني أكثر من تبني خطاب شامل لمواجهة تحديات المستقبل في ظل عدالة الدولة واستقرارها والبقاء فيها، دون الاستجابة للاستدراج الطائفي حين تعمد الفئات التكفيرية ذات المشاريع المفضوحة إلى الثورة على الذات والانقلاب على الثوابت الوطنية والوحدة الجامعة لنا في ظل الأسرة الحاكمة، وهي التي مثلت الحماية والحصن الحصين للطائفة من مغامرات القتلة. وصارح المسعود أبناء الشيعة قائلا لهم: مدوا إلي أيديكم وتعالوا ليكون بيننا ميثاق غليظ لنؤمن بأهمية التمسك بالوحدة الوطنية، ونراهن على عدل الدولة وضميرها. وإني مؤمن بحرص الدولة. وأضاف أن ما يفعله النزقون من فوضى وتخريب ما هو إلا تجسيد للفتنة وإيغال القلوب والنفوس والعقول بالكره الأعمى البغيض الذي لا يدرك خواتيمه من يثيره ولا يستطيع أحد أن يعرف منتهاه. لا.. للولاء لغير الوطن من جانب آخر، أكدت شرائح دينية وثقافية في القطيف على الثوابت الوطنية، وفي مقدمتها الولاء للوطن وليس لأية دولة أخرى، مؤكدين أهمية التمسك بالثوابت الوطنية التي تجمع الكيان السعودي. وأجابني القاضي في دائرة الأوقاف والمواريث في محافظة القطيف الشيخ محمد الجيراني عندما سألته عن معيار البناء الروحي والفكري والعقدي والثقافي الذي يجب أن يكون في مثل هذه الظروف، قائلا: يكون المعيار بعدة طرق أولها جمعنا على دين الاسلام وثانيها تلك القواسم المشتركة التي تجمعنا على الولاء وحب الوطن وخدمته. تصادم الرأي العام لماذا وأفصح الجيراني في رده على تساؤلي: كيف يمكن لكم المقاربة بين أبنائكم المخدوعين وبين التقليد وفرزه عن المبادئ والقيم، فقال: سامح الله من سرب إلى اذهان المخالفين لنا من ابناء الشيعة قاعدة فكرية تؤدي الى تصادم الرأي العام، وهي أن فكر الشيعة استقلالي وبمعزل عن المجتمعات، فوقعوا ضحايا لهذه الدائرة الفكرية الضيقة وكان هذا محط خلافي معهم، حيث دعوت إلى أن يكون المجتمع الشيعي منخرطا في المجتمع بعامته، ويقوموا بواجبهم تجاه النظام وخدمته وحفظ الأمن وترسيخ قواعده. صادق الولاء لدولة القرآن وقال: باسمي واسم كل مخلص للوطن ارفع أسمى الولاء والمحبة للوطن ولولاة الأمر في دولة القرآن، ودولة الرسول والصحابة الكرام، وأستنكر الأعمال الإجرامية التي يقوم بها بعض الجهلة المغرر بهم والمدسوسين من تخريب وتحريض ضد وطننا الغالي، كما أن هؤلاء الجهلة لا يمثلون مذهبا ولا دينا ولا إنسانية، وإنما يمثلون الجهل والظلام. ونحن إذ نعاهد القيادة الرشيدة على الولاء والمحبة وهذا اقل من الواجب، أدعو إخواني المواطنين من خطباء وعلماء ووجهاء وعامة المواطنين الى القيام بواجبهم من الإرشاد والتوجيه لما هو في مصلحة الوطن وهذا ما تقتضيه المصلحة العامة.